حمص – عروة المنذر
“إذا لم أعمل سأموت من الجوع وليس من كورونا”، بهذه العبارة رد يوسف نجار، الذي يعمل حلاقًا في مدينة تلبيسة بريف حمص، على إجراءات حكومة النظام السوري، لمنع انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، التي فرضت حظر تجول جزئي في كل المناطق الخاضعة لسيطرتها.
اتخذت الحكومة، الأسبوع الماضي، عدة إجراءات احترازية لمنع تفشي الفيروس، منها إغلاق المطاعم والمقاهي والأسواق، باستثناء محلات بيع الأغذية، وإيقاف المواصلات والتنقل العام والخاص بين المدن والأرياف، إلى جانب فرض حظر تجول جزئي من الساعة السادسة مساء حتى السادسة صباحًا.
وتأتي هذه الإجراءات بعدما وصل عدد حالات الإصابة إلى خمس، بحسب ما أعلنته وزارة الصحة، الأربعاء الماضي.
وكان لهذه الإجراءات آثار سلبية على كثير من المواطنين أصحاب الأعمال والمهن الحرة، بسبب توقفها كليًا أو جزئيًا، إذ توفر هذه المهن الدخل الوحيد الذي يعتاشون منه.
منازل تتحول إلى صالونات حلاقة
في ظل تشديد وزارة الداخلية لتطبيق الإجراءات، لجأ بعض أصحاب المهن لنقل أعمالهم إلى منازلهم بعيدًا عن أعين دوريات الشرطة والأمن التي تتجول في المناطق. ومن هؤلاء الحلاق يوسف، الذي أعرب عن أمله في إمكانية الجلوس بالمنزل وعدم الاختلاط مع أحد وعزل نفسه واتخاذ إجراءات الوقاية هو وعائلته، لكن عدم وجود دخل آخر غير الذي يحصل عليه من مهنة الحلاقة، دفعه إلى العمل من منزله.
“الوضع المادي لا يسمح أبدًا بالجلوس دون عمل، فلدي أربعة أولاد يجب علي تأمين معيشتهم”، يقول يوسف، وهو ما دفعه إلى نقل صالون الحلاقة إلى إحدى غرف المنزل، واستقبال الزبائن عبر الحجز بالهاتف من أجل عدم الازدحام، مشيرًا إلى أن بعض الحلاقين الذين لا يستطيعون العمل في منزلهم، يذهبون إلى منزل الزبون.
ولم تتغير أجرة الحلاقة بين المحل والمنزل، إذ يتقاضى عن الحلاقة للزبون 700 ليرة سورية (يقدر سعر صرف الدولار بـ1300 ليرة تقريبًا).
أما مصلح الدرجات النارية في تلبيسة عماد، الملقب بـ”أبو ناصح”، فاضطر عقب الإجراءات إلى نقل كامل عدة العمل إلى مستودع منزله، فهو يريد المحافظة على دخله، كما أن أصحاب الآليات مضطرون لإصلاحها، لأنها وسيلة النقل الوحيدة في المنطقة.
وأشار “أبو ناصح” إلى ارتفاع أسعار قطع الغيار، بسبب إغلاق المحلات التي تبيعها، وتراجع سعر الليرة أمام الدولار، إذ يبلغ سعر قطع الغيار لدراجة من نوع “بارت 125” (بسطون وسكمان) 6700 ليرة سورية، في حين تبلغ تكلفة الصيانة الكاملة لرأس المحرك 2500 ليرة سورية.
الفقر يكسر الحجر الصحي
ولاقت إجراءات النظام السوري ردود فعل على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من يراها ضرورية ووقائية لمنع تفشي الفيروس، وبين من اعتبرها زيادة معاناة لبعض السوريين، لأن الحكومة لا تملك أدنى المقومات من أجل تطبيق المواطن الحجر الصحي مثل بقية الدول المتقدمة، كتقديم دعم مادي لأصحاب الأعمال الحرة الذين توقفت أعمالهم.
كما استنزفت سنوات الحرب الماضية مدخرات السوريين، وحولت 80% منهم إلى خط الفقر، وفق تقرير صادر عن الأمم المتحدة في آذار 2019، ويحتاج 11.7 مليون سوري إلى شكل من أشكال المساعدة، بما في ذلك الغذاء والرعاية الصحية والمأوى.
كل ذلك يمنع كثيرًا من السوريين من إغلاق محلاتهم التجارية التي يعتاشون منها، فكل يوم إغلاق يقابله تراجع بمستوى معيشة الأسرة، خاصة مع زيادة المصاريف على المعقمات ومواد التنظيف التي ارتفعت أسعارها إلى الضعف تقريبًا، إلى جانب زيادة في أسعار السلع الغذائية بنحو 30% بحسب ما رصدته عنب بلدي.
ولم يصدر أي تصريح رسمي حول إمكانية مساعدة أصحاب المهن والأعمال الحرة الذين توقفت أعمالهم، إلا أن حاكم مصرف سوريا المركزي السابق، دريد درغام، اقترح منح تعويض شهري لمن فقد عمله في سوريا، بقيمة 50 ألف ليرة لأصحاب العمل المسجلين في التأمينات الاجتماعية، والذين توقف عملهم، لكن دون رد من الحكومة على الاقتراح.