عنب بلدي – خاص
تبدو “الإدارة الذاتية” (الكردية) عازمة على إنشاء محكمة خاصة لمقاضاة عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” الأجانب، بعد فشل محاولاتها بالضغط على الدول لاستعادة مواطنيها ومحاكمتهم على أراضيها، وذلك رغم ما تواجهه من تحديات قد تقف عائقًا أمام تشكيل هذه المحكمة، واستحقاقات بضرورة أن تكون المحاكمات عادلة وغير منحازة.
ويعمل “مجلس العدالة الاجتماعية”، التابع لـ”الإدارة الذاتية”، حاليًا، على تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة عناصر تنظيم “الدولة” الأجانب، الذين ترفض بلدانهم السماح لهم بالعودة ومحاكمتهم، وفق ما نقله موقع “المونيتور” عن عضو المجلس، المحامي فيصل صبري، في 25 من آذار الحالي.
وقال صبري إن المجلس سيقيم محاكمات علنية لهؤلاء، بما يتوافق مع القوانين الدولية ومواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان.
وأشار إلى أن هذه الخطوة تأتي بعد عدم الاستجابة لطلبهم من قبل الدول الأوروبية، بإنشاء محكمة دولية على الأراضي السورية، وإرسال قضاة دوليين لمحاكمتهم.
ولفت صبري إلى أن موعد بدء المحاكمات لم يحدد بعد، مضيفًا أن “الإدارة الذاتية” طالبت الدول الأوروبية والعربية بقبول تسلم مواطنيها الأطفال والأيتام والنساء المقيمين في مخيم “الهول”، لأنهم “يشكلون تهديدًا في المخيم، الذي تحول إلى بؤرة للإرهاب”، بحسب تعبيره.
وسبقت تصريحات صبري مناشدات من الرئيس المشارك لـ”إدارة الشؤون الخارجية في الإدارة الذاتية”، فنر الكعيط، في 23 من شباط الماضي، للمجتمع الدولي بتقديم الدعم والمشورة القانونية لمحاكمة 12 ألفًا من مقاتلي التنظيم، بمن في ذلك ثلاثة آلاف أجنبي من 50 جنسية.
وترفض دول أوروبية وغربية عدة استعادة مواطنيها من عناصر تنظيم “الدولة” المعتقلين لدى “الإدارة الذاتية”، وأفراد عائلاتهم المحتجزين في المخيمات التي تسيطر عليها “الإدارة”، خوفًا من أن يشكلوا خطرًا أمنيًا عليها في المدى البعيد، وهو ما يثير جدلًا واسعًا وسط عدم طرح أي حلول للقضية.
دول تدعم وأخرى تعرقل
منسقة الشؤون الإنسانية والتنموية في “مجلس سوريا الديمقراطية” شمال شرقي سوريا، زوزان علوش، أكدت أن التحدي الأكبر أمام تشكيل هذه المحكمة، رغم وجود تحديات محلية ودولية كثيرة، هو الموقف الدولي وآلية تعامل الدول المعنية مع ملف عناصر تنظيم “الدولة” ككل، إذ إنهم يرفضون تسلمهم من جهة، وإجراء أي محاكمات بحقهم من جهة أخرى.
وفي إجابتها عن أسئلة وجهتها عنب بلدي إلكترونيًا، أشارت علوش إلى أنه رغم معارضة بعض الدول لإنشاء هذه المحكمة، أبدت العديد من الجهات الدولية استعدادها وجاهزيتها لدعمها، لافتة إلى أنها ستحظى برأي عام عالمي.
وحول سبب الإعلان عن إنشاء المحكمة في هذا التوقيت، أوضحت علوش أن الموضوع ليس وليد اليوم، بل إن العمل عليه جارٍ منذ الإعلان عن إنهاء التنظيم جغرافيًا، وقد عُقدت لأجله لقاءات واجتماعات عدة في الداخل السوري وخارجه.
وطالبت بأن يتعامل المجتمع الدولي مع هذا الملف بشكل جدي نظرًا لخطورته وتعقيداته.
إيجابيات المحاكمة على الأرض السورية
وأوضحت أن إجراء محاكمات مقاتلي التنظيم في سوريا وليس في دولهم، له العديد من الإيجابيات، خاصة أن الأدلة موجودة على الأراضي السورية، إضافة لتوفر الشهود والفئات المتضررة، التي هي من السوريين بالدرجة الأولى.
واعتبرت أن إجراء هذه المحاكمات سيشكل نوعًا من أنواع تطبيق العدالة لأسر الضحايا والمتضررين، ورغم أنه ما من شيء سيعوض الخسارات التي حصلت، تعد رؤية المجرم وهو يُحاكم على ما فعله أمرًا مريحًا بشكل عام، وفق تعبيرها.
وعن ضمانات أن تكون المحاكمات عادلة، أشارت علوش إلى أن “الإدارة الذاتية” طرحت مشروع شراكة لكثير من الجهات الدولية، لتكون مشاركة في مرحلة المحاكمات، ولتأخذ دور الرقابة.
كما أكدت أن المحاكمات ستكون معلنة ومفتوحة، وأن الإدارة ستلتزم بالمعايير الدولية فيما يخص الشفافية وغيرها من الأمور.
معايير المحاكمات العادلة
مدير منظمة “العدالة من أجل الحياة”، جلال الحمد، تحدث لعنب بلدي، عن الشروط الواجب توفرها في هذه المحكمة لضمان إجراء محاكمات عادلة.
وأكد الحمد أن الحق في المحاكمة العادلة منصوص عليه في “الشرعة الدولية لحقوق الإنسان” بشكل خاص، وفي “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” و”العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”.
وأشار إلى أن السلطة القضائية المشرفة على هذه المحاكمات يجب أن تكون مستقلة، وأن يكون لدى القاضي القدرة على اتخاذ الحكم من دون أي ضغوط تُفرض عليه، وألا يكون لديه أي رأي مسبق في أي قضية تُعرض عليه.
وأضاف أن المحكمة يجب ألا تخضع لغير القانون الذي يجب أن يكون واضحًا، وأن يُتاح للمعتقل معرفة جميع حقوقه، وألا يؤخذ بالمعلومات التي أدلى بها تحت وطأة التعذيب، إلى جانب تمتعه بالحق في الدفاع، والتشاور مع المحامي وهيئة الدفاع، ومناقشة جميع الأدلة والشهود بشكل كامل في أثناء المحاكمة، والطعن بأحكام الدرجة الأولى، مع افتراض براءة المتهم حتى تثبت إدانته، فضلًا عن أن تكون هناك مساواة أمام القانون لجميع المعتقلين.
إصلاح القضاء
من جانبه، اعتبر مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، أن ضمان أن تكون هذه المحاكمات عادلة وشفافة وحيادية ومستقلة هو ما يشكل أكبر التحديات التي ستواجه “الإدارة الذاتية”، فنحن لا نتكلم عن بنية قضائية عمرها سنوات بل عن مناطق خارجة من حروب ومن سيطرة تنظيم “الدولة”، مبديًا شكوكه بمدى قدرة البنية القضائية الحالية على توفير هذه المحاكمات.
وأشار، في حديثه لعنب بلدي، إلى أنه سيكون من المهم العمل على إصلاح القضاء وبنائه بشكل شفاف قبل البدء بهذه المحاكمات، حتى تستوفي المعايير الدولية الخاصة بالمحاكمات العادلة، إذ توجد جملة كبيرة من الحقوق والإجراءات والمعايير يجب أن تتوفر في هذه المحاكم.
الاستفادة من التجارب السابقة
وحول هذه المعايير والإجراءات، أبدى مدير منظمة “العدالة من أجل الحياة” تخوفه، فهو يرى أن “مجلس العدالة الاجتماعية لا يمتلك الحرية في اتخاذ قراراته وإصدار أحكامه، بل يوجد تسلط من قبل جهات عسكرية وأمنية عليه، كما أن القضاة الذين يعملون في المحاكم التابعة للإدارة الذاتية لا يتمتعون بالقدرة على إصدار الأحكام، فضلًا عن أن هذه الأحكام لا تتمتع بالقوة التنفيذية”.
من جانبه، عبر مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عن أمله بأن تتم المحاكمات في حال إنشاء هذه المحكمة بشكل حيادي ونزيه، وأن يُستفاد من التجربة العراقية في مجال محاكمة عناصر التنظيم، وتدارك الانتقادات التي وجهت إليها.
فقد رافق عقد هذه المحاكمات انتقادات متكررة من قبل المنظمات الحقوقية الدولية التي كانت تشكك بحيادية واستقلالية هذه المحاكمات، كما كان يوجد تخوف من عمليات الإعدام التي أُجريت بعدها بشكل أساسي.
وأكد الأحمد في هذا السياق على أهمية الإشارة إلى محاكمة الرئيس العراقي المخلوع، صدام حسين، وأركان نظامه السابق، التي وُصفت بأنها كانت محاكم سياسية بشكل أو بآخر، ولم تتسم بالشفافية المطلوبة، ولا تتوفر فيها كل شروط المحاكمات العادلة وإنما جزء منها.