صالح ملص | علي درويش | مراد عبد الجليل
وثقت مئات التقارير ممارسات النظام الأمنية، ولم تغفل المنظمات الحقوقية عن جرائمه بحق المعتقلين، عبر عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، أو عن طريق تكرار تعريضهم للتعذيب والحرمان من الطعام والشراب والرعاية الطبية، لتكون سجون النظام أشبه بـ”مسلخ بشري” يُذبح البشر فيه بهدوء.
تدفقت مزيد من التقارير مؤخرًا، وتعالت التحذيرات الأممية والدولية، من سوء الوضع الذي يعيشه المعتقلون، بالتزامن مع هجوم جائحة “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) على المنطقة، التي استبق النظام الإعلان عن وصولها إلى سوريا، بإقرار “عفو عام”، لم يكن عامًا بما يكفي ليشمل المعتقلين.
“هيومن رايتس ووتش” واحدة من المنظمات التي تتخوف من انتقال فيروس “كورونا” إلى داخل مراكز الاعتقال الخاضعة لأمن النظام، وانتشاره بين المحتجزين قسريًا، الأمر الذي يُمكن أن يتسبب بـ“كارثة إنسانية” وفق تحذيرات المنظمة.
إذ يعيش المعتقلون بظروف إنسانية سيئة، حيث الاكتظاظ ضمن مساحات ضيقة جدًا داخل الزنازين، يتناوبون على النوم، ويتقاسمون الهواء وفتات الخبز وكوّات الضوء.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف مدى احتمالية الإفراج عن المعتقلين السياسيين في سوريا، كخطوة لمنع انتشار “كورونا” بينهم، من خلال مراسيم “العفو العام” التي تصدرها حكومة النظام السوري، خصوصًا أن حليفته طهران أطلقت سراح 54000 سجين دفعة واحدة، لمكافحة انتشار المرض في السجون المكتظة.
“مراسيم لا معنى لها”
غايات سياسية ومضمون أضيق من التفاصيل
أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قبل أيام قليلة، مرسومًا تشريعيًا يقضي بمنح “عفو عام” عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 22 من آذار الحالي، وذلك بعد ستة أشهر من إقراره آخر مرسوم “عفو عام” حمل رقم 20 لعام 2019.
مسوغ إصدار المرسوم رقم 6 لعام 2020 الجديد، في هذه المدة القصيرة بين المرسومين، هو التدابير التي تتخذها حكومة النظام لمكافحة جائحة “كورونا” العالمية، التي تقضي بتخفيف تجمعات الأفراد لأقصى درجة ممكنة منعًا لانتشار العدوى، حسب توصيات منظمة الصحة العالمية.
ويهدف النظام السوري في مرسوم “العفو” الأخير إلى الالتفاف على الضغوطات التي يتعرض لها من منظمات ودول تتخوف من انتشار فيروس “كورونا” بين عشرات آلاف المعتقلين لديه، بحسب مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، عن طريق إجراءات تنفيذية تفضي في النهاية إلى الإفراج عن عدد محدود منهم.
استثناءات واسعة.. شكليًا
كان حجم الاستثناءات الواردة في مرسوم “العفو” (رقم 6) أكبر من المشمولين فيه، بحسب المحامي السوري غزوان قرنفل، في حديث له مع عنب بلدي، إذ إن المرسوم لا يعد عفوًا عامًا كما تروّج له حكومة النظام، إنما هو عفو عن مرتكبي جرائم التهريب والخطف مقابل فدية، والمتعاملين بغير الليرة السورية، والفارين من خدمة العلم، وإصدار شيك بلا رصيد وإساءة الائتمان، وجرائم الرشوة وسرقة المال العام.
وهو أيضًا عفو عن صور عدة منصوص عليها في قانون العقوبات الاقتصادي، أي إن النظام حصر تطبيقها على الأفراد الذين يرغب هو بالعفو عنهم.
وتشمل المراسيم بشكل أساسي المجرمين الجنائيين ومرتكبي الجنح والمخالفات، وطبقًا للاستثناءات الواسعة في هذه المراسيم، تجعل العفو يمتد لأعداد قليلة من المعتقلين لا تتجاوز العشرات، من أجل اكتساب بعض المصداقية، وفقًا لتقارير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.
غايات سياسية
تعتمد صياغة نصوص مراسيم “العفو” على استثناءات “لغايات سياسية غالبًا”، ومنها عدم اعتبار الجنايات التي ينتج عنها ضرر شخصي ضمن أحكام مرسوم العفو الجديد، إلا في حال أسقط المتضرر حقه الشخصي، وفق دراسة قانونية موجزة لمراسيم العفو العام الصادرة عن نظام الأسد، للمحامي ياسر الفرحان، منشورة في 23 من آذار الحالي.
ولا يعد تسديد مبلغ التعويض المحكوم به بحكم الإسقاط، بالإضافة إلى أنه في الوقائع التي لم يتقدم فيها المتضرر بادعاء شخصي، فله الحق في ذلك خلال 60 يومًا من تاريخ نفاذ المرسوم، وفي حال انقضت هذه المدة ولم يتم تقديم الادعاء، تطبق أحكام التخفيف المنصوص عليها ضمن مرسوم العفو الجديد.
تمت صياغة هذه المادة المتعلقة بالضرر الشخصي على شقين، الأول هو عدم اعتبار تسديد التعويض إسقاطًا للحق الشخصي، ما ينافي أن تسديد التعويض يستلزم معرفة المتضرر بوجود الدعوى أساسًا، وفق الدراسة.
أما الشق الثاني فهو السماح بتقديم الادعاء الشخصي لاحقًا للنظر بالدعوى، ولاحقًا لصدور الحكم فيها، خلال 60 يومًا من تاريخ نفاذ المرسوم، خلافًا للأصول القانونية بحسب الدراسة.
صيغ هذا الشق بطريقة تتيح للأجهزة الأمنية تحريك عناصرها لفرض مزيد من الهيمنة والتدخل في مصير المعتقلين، ما يبرر الاستمرار بالاعتقال في مناطق “التسويات” الخاضعة لتفاهمات مع حليفة النظام، روسيا.
يذكّر ذلك، بمرسوم “العفو العام” رقم 61 لعام 2011، الذي شمل العفو عن “سجناء إسلاميين” مثل زهران علوش، الذي أصبح لاحقًا مسؤولًا، من وجهة نظر 45 منظمة من منظمات المجتمع المدني المحلية، عن ملف اختطاف الناشطين الأربعة المدافعين عن حقوق الإنسان، رزان زيتونة، وسميرة الخليل، ووائل حمادة، وناظم حمادي، منذ 9 من كانون الأول لعام 2013.
كما لا تشمل مراسيم “العفو” في سوريا أمورًا حقوقية ذات صلة بصراع السلطة مع خصومها، مثل مرتكبي “الجرائم السياسية” وفق تعبير النظام، تأكيدًا منه على معاملة أشخاص المعارضة السياسية بوصهم مجرمين، أي إن “هذه السلطة لا يضبطها قانون في كل سلوكياتها” بحسب المحامي غزوان قرنفل.
قضايا الإرهاب خارج السرب
الأغلبية العظمى من الناشطين الحقوقيين والسياسيين والإعلاميين والمتظاهرين المعتقلين يطلق النظام السوري تجاههم اتهامات متراكمة، مثل “الإرهاب”، ولهذا أنشأ النظام محكمة قضايا الإرهاب بموجب القانون رقم 22 لعام 2012، وهي أقرب ما تكون إلى “فرع أمن جديد” بحسب توصيف “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، وغالبًا لا تشمل مراسيم العفو المحكومين بتهم الإرهاب.
وشُكلت هذه المحكمة باقتراح من مجلس القضاء الأعلى الذي يترأسه رئيس الجمهورية، ومن صلاحيتها محاكمة المدنيين والعسكريين والأحداث وإصدار أحكام غيابية، لا تقبل الطعن إلا لمن سلم نفسه طوعًا.
ويعرّف القانون “رقم 22” الإرهاب بأنه “كل فعل يهدف إلى إيجاد حالة من الذعر بين الناس أو الإخلال بالأمن العام أو الإضرار بالبنى التحتية أو الأساسية للدولة ويُرتكب باستخدام الأسلحة أو الذخائر أو المتفجرات أو المواد الملتهبة، أو المنتجات السامة أو المحرقة أو العوامل الوبائية أو الجرثومية مهما كان نوع هذه الوسائل أو باستخدام أي أداة تؤدي الغرض ذاته”، وترى منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن استخدام تعبير “مهما كان نوع هذه الوسائل” يفتح الباب لإلصاق صفة الإرهاب بأي فعل تقريبًا.
ولا يحدد القانون بوضوح الإجراءات الحاكمة لعمل المحكمة، لكن إشاراته القليلة إلى المعايير الإجرائية تكشف عن عدد من “بواعث القلق من عدالة المحاكمات” وفق قراءة المنظمة لأحكام القانون.
إذ تعتبر “هيومن رايتس ووتش” أن أحكامه غير كافية للإشراف على المحاكمات وإجراءات الاستئناف، كما أن الاعترافات المنتزعة بالتعذيب تُستخدم كأدلة في محكمة قضايا الإرهاب.
قرابة 130 ألف معتقل في سجون النظام السوري
ما جدوى مراسيم “العفو”
تهمة “دعم وتمويل الإرهاب” هي واحدة من عدة تهم يوجهها النظام السوري للأغلبية العظمى من المعتقلين، أبرزها “إثارة النعرات الطائفية، تهديد نظام الحكم، إضعاف الشعور القومي، التواطؤ مع الخارج والعدو، وهن نفسية الأمة” وهي تهم عريضة وواسعة بحسب المحامي قرنفل، لا يشملها أي مرسوم أصدره النظام السوري.
وعلى الرغم من إقرار مراسيم العفو العام في سوريا من قبل حكومة النظام، ما زال في مراكز الاعتقال التابعة له نحو 130 ألف معتقل سوري، منذ آذار 2011 حتى آذار الحالي، بينهم 7913 سيدة (أنثى بالغة) و3561 طفلًا، أي ما يعادل 88.53% من مجمل أعداد المعتقلين في كل المناطق السورية، وفقًا لقاعدة البيانات التي قامت “الشبكة السورية” ببنائها خلال تسع سنوات.
فعالية مجمدة مع المعتقلين
هناك معتقلو رأي لم تنسب لهم تهم محددة، بحسب المحامي غزوان قرنفل، مثل المعتقلة رجاء الناصر، ومن المعتقلين من حوكم وأمضى مدة عقوبته، ومع ذلك لم يفرج عنه رغم صدور مراسيم عفو تشمل ما نُسب لهم من جرائم، مثل المعتقلة طل الملوحي، وبالتالي ليس هناك أي فعالية من هذه المراسيم تجاه المعتقلين السوريين الذين شاركوا بالحراك المدني السلمي ضد النظام في سوريا، وفق ما يراه قرنفل.
وبعد صدور مرسوم “العفو العام” عام 2019، وثق فريق “الشبكة السورية” إفراج النظام السوري عن 232 شخصًا بينهم 14 سيدة (أنثى بالغة) من مراكز الاحتجاز التابعة له، بين 15 من أيلول عام 2019 و22 من آذار الحالي، بينما لم يسجل أي حالات إفراج من مراكز الاعتقال التابعة للأفرع الأمنية الأربعة (الأمن الجوي، الأمن العسكري، الأمن السياسي، الإدارة العامة أو أمن الدولة).
“العفو” أداة من أدوات السلطة
يعتبر قانون “العفو” من حيث المبدأ هو اختصاص السلطة التشريعية (مجلس الشعب)، وفقًا للمادة رقم 74 من الدستور السوري الحالي، وهو يصدر في مراسيم ذات طبيعة قانونية تتضمن إلغاء أو تخفيف العقوبات عن جرائم معينة، وتشمل هذه المراسيم عادة مرتكبي الجرائم القليلة الخطورة على النظام الاجتماعي العام.
وغالبًا ما يكون العفو في مناسبات وأعياد وطنية أو عقب أحداث كبرى تفضي إلى تغييرات في العقد الاجتماعي.
لكن السلطة التنفيذية في سوريا تحكم الدولة “بصورة سلطوية” كما قال غزوان قرنفل لعنب بلدي، والعفو دائمًا يصدر عن رئيس الجمهورية بموجب مواد تشريعية منحته إصدار العفو العام، ليكون العفو عن المجرمين “أداة من أدوات السلطة” في تثبيت أركانها، توظفها “لإصدار العفو عن قتلة ومجرمين لخلق بنية عصابات لقمع المجتمع”.
ونوه قرنفل إلى وجود فرق بين العفو التشريعي أو الرئاسي وبين إخلاء السبيل الصادر بقرار قضائي، فإطلاق السراح المترتب عن الرئيس أو بمرسوم ينفذ بأثر مباشر فور صدوره، وأما إخلاء السبيل القضائي فيصدر عن المحكمة الناظرة بدعوى ما ويكون مؤقتًا لحين حسم هذه الدعوى.
سوريا من أكثر الدول تصديرًا لمراسيم “العفو”
عدد المعتقلين في السجون بازدياد
يعتبر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، من أكثر الرؤساء في دول المنطقة الذي أصدر مراسيم “عفو” بحق المعتقلين في السجون، منذ وصوله إلى سدة الحكم في عام 2000، لكن هذه المراسيم في أغلب الأحيان لم تكن تشمل معتقلي الرأي والسياسيين والمشاركين في النشاط السلمي في بداية الثورة، في حين شمل أغلبها مرتكبي الجنح والمخالفات وتهريب المخدرات والسرقة والاحتيال.
ورصد فريق عنب بلدي مراسيم “العفو” التي صدرت من قبل النظام السوري، والتي انقسمت إلى قسمين، مراسيم “عفو” عن كامل الجرائم المرتكبة قبل تاريخ الصدور، إضافة إلى مراسيم تختص بالعفو على جرائم معينة، مثل جرائم الخطف والمتخلفين عن الخدمة العسكرية والفارين (داخليًا وخارجيًا).
وبلغ عدد مراسيم “العفو” التي شملت العديد من الجرائم الصادرة منذ آذار 2011 حتى تاريخ إعداد الملف تسعة مراسيم، تشابهت مضامين معظمها من حيث الجرائم المعفى عنها، في حين تميز بعضها، وخاصة المرسوم الخاص بـ“الإخوان المسلمون”.
مراسيم “عفو” دون تنفيذ
استبق الأسد اندلاع الاحتجاجات ضده ووصول الربيع العربي إلى سوريا، بعد مصر وتونس وليبيا، بإصدار مرسوم “عفو” في 7 من آذار عام 2011، (قبل بدء الثورة بعشرة أيام)، لكنه اقتصر حينها على الجنح ومرتكبي المخالفات والفرار الداخلي والخارجي فقط.
وفي ظل اشتداد الاحتجاجات وزيادة التظاهرات، في الأسابيع الأولى، وفي محاولة لامتصاص غضب الشارع السوري، أصدر الأسد مرسوم “عفو” في 31 من أيار عام 2011، ويعتبر من أشهر المراسيم كونه تضمن العفو لأول مرة عن كامل العقوبة بالنسبة لمرتكبي الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم “49” الصادر عام 1980، وهو القانون الخاص بجماعة “الإخوان المسلمون”، إذ كان يحاكم المنتسب لها بالإعدام.
وفي الوقت الذي اعتبرت فيه جماعة “الإخوان” أن المرسوم جاء متأخرًا، أفرج النظام عن عدد من المعارضين، أبرزهم القيادي الكردي ورئيس حزب “تيار المستقبل” الكردي، مشعل تمو، الذي اغتيل لاحقًا على يد جهة مجهولة في تشرين الأول عام 2011.
وعقب أقل من شهرين فقط، أصدر الأسد مرسوم “عفو” آخر في 20 من حزيران من العام نفسه، لكن هذه المرة شمل الموقوفين بتهم التهريب والمخدرات والسرقة والاحتيال.
في العام الثاني من الثورة صدر مرسوما “عفو”، الأول في 15 من كانون الثاني 2012، خص المعتقلين منذ بداية الاحتجاجات، وشمل المنتسبين للجماعات السرية والمتظاهرين السلميين وحيازة الأسلحة، في وقت كان يتصاعد فيه عدد المعتقلين، إذ وصل عددهم إلى 85 ألف معتقل بحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“.
وبعد ذلك توالت مراسيم “العفو” المتشابهة والتي شملت فئة معينة من المعتقلين دون غيرهم من المغيبين قسريًا، إذ أصدر الأسد مرسومًا في 23 من تشرين الأول 2012، وفي 16 من نيسان 2013، وفي 6 من حزيران 2014، الذي اختص بقانون الإرهاب والعفو عن الذين انضموا إلى “منظمات إرهابية” والتجارة بالأسلحة، إلى جانب العفو عن غير السوريين الذين دخلوا سوريا وانضموا إلى “جماعات إرهابية”، بحسب وصف النظام، بشرط تسليم أنفسهم.
لكن إصدار المرسوم لم يمنع النظام السوري من مواصلة الاعتقال، إذ بلغ عدد المعتقلين في حزيران 2014، 774 شخصًا، بسحب “الشبكة السورية”، لينضموا إلى 117 معتقل في سجون النظام.
ومرت السنوات اللاحقة دون صدور أي مرسوم “عفو” شامل، باستثناء ما صدر بحق العسكريين والخاطفين في 2018، حتى مرسوم العفو في 20 من أيلول 2019، الذي لم يختلف كثيرًا، إن كان عن سابقيه أو عن المرسوم الذي صدر حديثًا في 22 من آذار الحالي، في حين استمرت أعداد المعتقلين بالتصاعد ليصل عددهم إلى 146 ألفًا و825 معتقلًا، بحسب “الشبكة”.
مناشدات ودعوات وأصوات أممية..
هل يُنقذ المعتقلون من “كورونا”
مع انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في معظم دول العالم وتسجيل إصابات في سوريا ودول الجوار، تصاعد الخوف الدولي والمحلي من وصول الجائحة إلى زنازين النظام، الأمر الذي قد يتسبب بكارثة إنسانية جديدة بحق المعتقلين.
وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، طالب رئيس النظام، بشار الأسد، بالإفراج عن جميع السوريين المعتقلين تعسفًا، إلى جانب المواطنين الأمريكيين المحتجزين لديه، كما دعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مورغان أورتاغوس، في 25 من آذار الحالي، إلى الإفراج عن عشرات الآلاف من المدنيين المعتقلين بشكل تعسفي في مراكز الاعتقال التابعة للنظام السوري.
وفي 24 من آذار الحالي، دعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، إلى إطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام السوري “بشكل واسع”، وأكد ضرورة وصول المنظمات الإنسانية بشكل فوري إلى جميع أماكن الاحتجاز، واتخاذ خطوات عاجلة لضمان الرعاية الطبية الكافية وتدابير الحماية في جميع السجون.
ودعت العديد من المنظمات الحقوقية، منها “هيومن رايتس ووتش”، و”رابطة عائلات قيصر”، و”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، و”تجمع المحامين السوريين”، “ورابطة الصحفيين السوريين”، إلى الإفراج عن المعتقلين، أسوة ببقية الدول التي أفرجت عن معتقليها تخوفًا من انتشار الفيروس بين سجنائها.
محاولات سياسية للمعارضة
قال منسق “الهيئة الوطنية السورية للدفاع عن المعتقلين والمفقودين” التابعة لـ”الائتلاف الوطني” المعارض، ياسر الفرحان، في حديث لعنب بلدي، إن مطالباتهم المستمرة ضاعفت من الاهتمام الدولي بقضية المعتقلين، وتابع، “لاحظنا في الفترات الأخيرة درجة استجابة أعلى لمطالبنا، ولمسنا ذلك في اعتبار قضية المعتقلين إحدى الأولويات الخمس للمبعوث الدولي المصرح بها في خطته أمام مجلس الأمن، وفي إصدار قانون سيزر”.
وحذرت الهيئة، بحسب الفرحان، من احتمال استغلال النظام للوباء من أجل تبرير “جرائم الإبادة” التي يرتكبها بحق المعتقلين، الأمر الذي يستدعي الضغط بشكل عاجل لتمكين المؤسسات الدولية من دخول جميع مراكز الاحتجاز لتقييم الأوضاع.
وأضاف الفرحان أن ملفات العدالة تتحرك بوتيرة أسرع، وانتقلت من التوثيق إلى بناء الأدلة إلى الملاحقة، مؤكدًا أن “إنهاء عذابات الشعب السوري بشكل كامل يستدعي -من نظرة واقعية- تحقيق الانتقال السياسي”.
وتلقت “الهيئة الوطنية السورية للدفاع عن المعتقلين والمفقودين” من معظم الأطراف الدولية المعنية (التي أصدرت مطالبات واضحة للنظام من أجل السماح بدخول اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية إلى السجون)، رسائل تستوضح بعض النقاط الواردة في رسائلها إليهم، وبياناتها المعلنة، وفق الفرحان
ونوقشت الرسائل في اجتماع الاتحاد الأوروبي في بروكسل، في 23 من آذار الحالي، وأصدرت الخارجية الأمريكية تصريحًا، بمضمون مطالبها، كما أشار إلى ذلك كل من الأمين العام والوسيط الدولي، لكنها تصريحات خجولة حسب الفرحان، ودون المستوى المطلوب لفرض النتائج اللازمة.
هل يستجيب النظام؟
أكدت الباحثة الحقوقية في منظمة “هيومن رايتس ووتش” سارة كيالي، في حديثها لعنب بلدي، أن حكومة النظام السوري غير مستعدة لوقف انتشار الفيروس وغير قادرة على ذلك.
فمعظم الدول ذات الاقتصادات الفعالة، والبنى التحتية الصحية المتطورة، تواجه صعوبات في منع انتشار “كورونا”، لذا “نستطيع أن نتخيل كيف سيكون الوضع في سوريا المنهكة في حرب دمرت أكثر من 70% من مدنها، وحوالي 70% من مشافيها لا تعمل، وجزء كبير من أطبائها غادروا البلاد”.
تواجه حكومة النظام صعوبات كبيرة لمنع انتشار “كورونا”، والأمر واضح من ناحيتين حسب كيالي، الأولى، عدد الحالات المُعلن عنها من قبل النظام السوري (خمس حالات حتى ساعة إعداد التحقيق)، ومن ناحية أخرى قلة المعلومات الموجودة عن قدرة القطاع الصحي على مواجهة هذه الصعوبات.
مدير شؤون المعتقلين في منظمة “قوة الطوارئ السورية”، عمر الشغري، يوافق كيالي، فالنظام من وجهة نظره غير قادر على منع انتشار الفيروس، وإعاقة وصوله إلى المعتقلات، بسبب العدد الهائل للمعتقلين المحصورين في أماكن وغرف ضيّقة جدًا، كما أن لدى أغلب السجانين ثقافة متدنية حول الأمور الطبية.
كما تقف أمام مطالبات المنظمات الدولية والهيئات السياسية للإفراج عن المعتقلين بسجون النظام عدة عوائق، أولها عدم اعتراف حكومة النظام بعدد المعتقلين الموجودين في سجونها، وثانيها كثرة التعذيب في هذه المعتقلات، والإخفاء القسري لمعتقلين، إلى جانب وفاة عدد كبير منهم قبل فترة، حسب الباحثة سارة كيالي.
بينما يرى الشغري، أن النظام السوري لن يسمح بالكشف عن المجازر المرتكبة بحق المعتقلين، وسيستمر في استخدامهم كورقة سياسية من جهة، واقتصادية من جهة أخرى.