عنب بلدي – زينب مصري
على أبواب أوروبا، وقفوا لمدة شهر، قُيدت إمكانية عودتهم ومُنع تقدمهم، بنوا مخيمهم، وعاشوا على أمل، لكن “كورونا” تواطأ مع حرس الحدود اليوناني، وتحكم بالقرارات التركية، التي كانت تدفعهم غربًا.
كإجراء احترازي لتفادي تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في تركيا، أعلن وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في 27 من آذار الحالي، مباشرة السلطات التركية عملية إخلاء خمسة آلاف و800 لاجئ موجودين منذ بداية آذار الحالي على معبر “بازار كوليه” على الحدود التركية- اليونانية.
“لن نقول لا لمن يريد الذهاب بعد زوال هذا الخطر”، علق صويلو على عملية الإخلاء، مؤكدًا على أنها أُجريت كعمل “إنساني” وتدبير وقائي.
لكن العديد من اللاجئين ممن توجهوا إلى الحدود أملًا بالعبور إلى أوروبا بعد قرار السلطات التركية فتح الحدود أمامهم، كانوا قد بدؤوا بالعودة إلى الولايات التركية بالتزامن مع إعلان تركيا تسجيل أول إصابة بفيروس “كورونا المستجد”، في 11 من آذار الحالي.
عودة خوفًا من انتشار الفيروس
أنس الأحمد (20 عامًا) أحد الشبان الذين تركوا عائلاتهم وتوجهوا إلى الحدود راسمًا في مخيلته الحلم الأوروبي، عاد إلى ولاية قيصري محل إقامته “غير القانوني”، إذ لا يمتلك بطاقة الحماية المؤقتة (كيملك) التي تمنحها الحكومة التركية للاجئين السوريين في تركيا، بعد فترة 15 يومًا أمضاها على الحدود في ظروف صحية ومعيشية “سيئة”.
تخوف أنس من انتشار الأمراض وفيروس “كورونا” بين اللاجئين وانتقال العدوى له، الأمر الذي دفعه إلى اتخاذ قرار العودة، إذ غابت “الرقابة الصحية والأطباء عن اللاجئين”، كما غابت “الرحمة” عند حرس الحدود اليوناني، الذي استهدف اللاجئين بشكل مباشر بالرصاص الحي والمطاطي والغاز المسيل للدموع.
انتظار في كراج الحافلات
أفراد وعائلات أخرى عادت إلى الداخل التركي، ليس خوفًا من الفيروس وإنما بسبب فقدان الأمل بالعبور إلى أوروبا، والتعب والجوع وطول الانتظار وصعوبة الظروف المعيشية وسوء الخدمات.
ورصدت عنب بلدي وصول أربع عائلات، ثلاث سورية وواحدة أفغانية، وعدد من الشبان الآخرين إلى كراج الحافلات في ولاية اسطنبول، للانتظار فيه ريثما يعودون إلى الولايات التي خرجوا منها، بعد أن باعوا أثاث منازلهم واتجهوا إلى ولاية أدرنة.
المنتج التلفزيوني والناشط الاجتماعي شادي ترك، شرح لعنب بلدي حال هذه العائلات، حيث يعمل على تأمين احتياجاتها من بطاقات سفر ووجبات طعام ومنازل للعودة إليها.
وأشار إلى أن السلطات التركية أغلقت المخيم على اللاجئين، ولم يعد بإمكانهم الآن الدخول أو الخروج، واصفًا من عاد طوعًا قبل هذا الإجراء بالـ”محظوظ”.
وتتمثل مبادرة شادي الفردية بجمع مبالغ مالية لدفع إيجارات المنازل وفرشها بعد تأمينها، “لأن كل ما تطلبه العائلات الآن منازل لتؤويها تكون منخفضة الإيجار بغض النظر عن مواقعها”.
ويوظف شادي إقامته في تركيا منذ فترة طويلة وعلاقاته العامة وتواصله مع عدد من الجمعيات الإغاثية والجهات المسؤولة عن تقديم وجبات طعام لخدمة هذه العائلات.
إجراءات وقائية تركية
قال شادي لعنب بلدي إن السلطات التركية سيّرت قبل يومين 15 حافلة من مكان تجمع اللاجئين على الحدود لنقلهم إلى مخيمات في الولايات الجنوبية للبلاد، وذلك للحجر عليهم صحيًا خوفًا من احتمال إصابتهم بفيروس “كورونا”.
وكان مدير صحة أدرنة، جنكيز كالكان، أعلن في تصريحات نقلتها وكالة “DHA” التركية للأنباء، أن المديرية تعقّم المناطق والمساحات التي ينتظر فيها اللاجئون، وتعمل على تنظيفها باستمرار، وتفحص حرارة اللاجئين بالكاميرات الحرارية “ليل نهار”.
فاحتمال تعرض اللاجئين الموجودين على الحدود، كأي تجمع لاجئين أو نازحين، للإصابة بالجائحات الوبائية “عالي الخطورة”، بسبب عدم توفر بيئة صحية تساعد على الوقاية وضبط العدوى، بحسب الطبيب المختص في الأمراض الوبائية ياسر حسن، لعنب بلدي
بين ضغط تركي ودفع يوناني.. شهر من التضييق
سمح حرس الحدود التركي لوسائل الإعلام والصحفيين بتغطية أحوال اللاجئين خلال فترة وجودهم على الحدود اليونانية لشهر مضى، وبعد ما يقارب خمسة أيام من وصولهم، منعت دخول وسائل الإعلام الأجنبية “منعًا باتًا”، بحسب ما قاله عبد الله مشعل أحد اللاجئين الموجودين على الحدود لعنب بلدي.
وأضاف عبد الله أن السلطات التركية قللت مقدار الطعام والمساعدات المقدمة للاجئين، “في محاولة للضغط والتضييق عليهم لحثهم على ترك المكان والعودة”، وتحكمت بدخولهم وخروجهم من المنطقة، إذ أعطت قوات الأمن المسؤولة عنهم الحق لكل لاجئ بالدخول إلى المخيم مكان تجمع اللاجئين والخروج مرة واحدة، وتجري هذه العملية عن طريق “البصمة”.
وأمدت قوات الأمن التركية اللاجئين بالحبال لفتح بوابة المعبر اليوناني، وحرضتهم على العبور إلى الطرف اليوناني كما “أجبرت” بعضهم على الركوب بالقوارب المطاطية لعبور النهر بين تركيا واليونان، بحسب عبد الله.
واضطر اللاجئون إلى مواجهة “عنف” قوات الأمن اليونانية التي منعت محاولات عبورهم إلى اليونان بإغلاق بوابة العبور، واستهدفت تجمعهم منذ اللحظة الأولى لوصولهم إلى النقطة ما بين المعبرين التركي واليوناني بوسائل شتى.
إذ أطلقت قنابل الغاز والدخان والصوت واستخدمت مراوح هوائية شغلتها على مركبات عسكرية لزيادة فعالية قنابل الغاز، وتوجيه دخانها نحو جهة وجود اللاجئين بعد تغيير الرياح وجهتها نحو الأراضي اليونانية.
واستهدفت اللاجئين بالرصاص الحي والمطاطي، فقتلت ثلاثة لاجئين يحملون الجنسيات السورية والمغربية والباكستانية، وأصابت 236 آخرين، بحسب تصريح مدير صحة أدرنة، جنكيز كالكان.
كما نصبت الحكومة اليونانية حواجز إسمنتية بارتفاع متر ونصف عند مدخل معبر “كاستينس” الحدودي، لإحباط محاولات دخول طالبي اللجوء إلى البلاد، الذين وصل عددهم إلى 147 ألفًا و132 لاجئًا، بحسب بيان صادر عن ولاية أدرنة، في 17 من آذار الحالي، قبل بدء السلطات بعملية إعادتهم إلى الولايات التركية، منهية شهرًا من المعاناة.