عنب بلدي – ميس شتيان
قبل أن تعلن حكومة النظام السوري رسميًا عن إصابات بفيروس” كورونا المستجد” (كوفيد-19) اتخذت حزمة من الإجراءات الوقائية في مواجهته، على الصعيد الصحي والاجتماعي والاقتصادي والتعليمي، في الوقت الذي تعاني فيه سوريا من تراجع على جميع المستويات بعد تسع سنوات من الحرب.
وزير المالية، مأمون حمدان، أعلن عن تخصيص 100 مليار ليرة سورية (أي ما يعادل 77 مليون دولار أمريكي تقريبًا)، لتمويل إجراءات الحكومة في مواجهة الفيروس، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وخلال اجتماع في إدارة الجمارك العامة، في 19 من آذار الحالي، دعا حمدان إلى تبسيط الإجراءات الجمركية أمام المستوردين، ولا سيما الأدوية والعقاقير والتجهيزات الطبية وتسريع عملية تخليصها.
ولتسهيل عملية الاستيراد، قررت اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء إعفاء مستوردي جميع المواد، بما فيها المواد الغذائية والمواد الأولية اللازمة للصناعات الغذائية والمنظفات والمعمقات من مؤونة الاستيراد.
تركزت الإجراءات الاقتصادية باتجاه دعم استيراد المواد الأساسية ودعم القطاع الصحي، وسط غياب حلول لمن فقدوا عملهم، بسبب إغلاق العديد من الفعاليات التجارية، وإجراءات الحجر الصحي.
وفي الوقت الذي أكد فيه رئيس مجلس الوزراء، عماد خميس، توفر المواد الأساسية في المستودعات بشكل كامل، وزيادة منافذ “المؤسسة السورية للتجارة”، ارتفعت أسعار هذه المواد بشكل كبير في الأسواق، وشهدت منافذ “المؤسسة” ازدحامًا كبيرًا، وفق ما رصدته عنب بلدي عبر مراسليها.
الإجراءات الاقتصادية استثمار وليست دعمًا
تعليقًا على الإجراءات الاقتصادية التي اتخذها النظام، وما خصصه من أموال لمواجهة الفيروس، قال الباحث السوري سقراط العلو، في حديث إلى عنب بلدي، إن هذه الإجراءات جزئية وليست كلية، كما أنها تُعد استثمارًا وليست دعمًا حكوميًا، نظرًا لارتفاع أسعار المعقمات والكمامات في السوق السوري.
وقد يكون هذا المبلغ مجرد تصريحات حكومية للإيحاء بأن حكومة النظام السوري تهتم، ولديها خطط لحماية المواطن، بحسب العلو، مرجحًا أن تستدين الحكومة من بعض الدول مثل روسيا، أو من صندوق النقد الدولي.
وتعليقًا على عدم وجود صندوق طورائ مخصص لمواجهة الأزمات في ميزانية سوريا البالغة أربعة آلاف مليار ليرة للعام الحالي، قال العلو إنه في حال خصص النظام فعليًا مبلغ 100 مليار ليرة سورية، لمواجهة فيروس “كورونا”، فغالبًا سيتم اقتصاص المبلغ من البند الاستثماري في الموازنة.
وحول إمكانية لجوء النظام إلى سندات الخزينة لتمويل نفسه، اعتبر العلو أن طرح سندات جديدة سيؤدي إلى أعباء إضافية، لأن النظام طرح مثل هذه السندات منذ فترة قصيرة، بينما يعاني الاقتصاد السوري من تراجع شديد ونسبة تضخم مرتفعة جدًا، وبذلك تكون تلك السندات ذات مخاطر عالية.
لا مخصصات لتعويض من فقدوا عملهم
تسبب إغلاق المطاعم والمقاهي والأسواق، وتوقف عدد كبير من المهن كليًا أو جزئيًا بسبب إجراءات الوقاية من فيروس “كورونا” بفقدان مئات الآلاف من العمال المياومين وظائفهم.
كما تأثر أصحاب الأعمال الحرة، إذ لم يعد لديهم أي مصدر رزق، في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار الذي تشهده الأسواق السورية.
وفي ظل غياب الأرقام الرسمية، يصل معدل البطالة في سوريا عم 2019 إلى 8.4% بحسب تقديرات موقع “Trading Econonmics” المتخصص بالإحصائيات.
حكومة النظام لم تعلن عن أي برنامج دعم اقتصادي للمنشآت أو الأفراد المتضررين من الحجر الصحي.
ويأتي قرار مصرف سوريا المركزي، الصادر في 26 من آذار الحالي، حول السماح للمصارف بتأجيل تسديد أقساط القروض مدة ثلاثة أشهر، مع الإعفاء من غرامات التأخير، كأداة للتخفيف عن المنشآت الاقتصادية المدينة للمصارف، بحسب العلو.
وأضاف أن حكومة النظام السوري، تاريخيًا، لا تقدم دعمًا لتنشيط الاقتصاد إلا عبر موظفي الدولة، بمعنى أنها “قد تلجأ إلى تقديم منحة للموظفين، وبالتالي ستنتقل تلك الأموال إلى السوق وتنشط الطلب”.
حاكم مصرف سوريا المركزي السابق، دريد ردغام، اقترح في منشور عبر صفحته في “فيس بوك”، منح معونة أو تعويض شهري بقيمة 50 ألف ليرة لأصحاب العمل المسجلين في التأمينات الاجتماعية، والذين توقف عملهم، جراء الإجراءات المتخذة لمنع تفشي الفيروس.
واقترح درغام أن تصدر الدولة تشريعًا استثنائيًا يسمح لوزارة الشؤون الاجتماعية بتخصيص تكافلي قسري (أو اقتراض أو تسنيد طويل الأمد بفائدة صفرية)، وأضاف، “نصف الأرباح الصافية المحققة في العام الماضي للمصارف لوحدها ستغطى هذه القيمة بكل بساطة”.
وتابع، “في حال تم إقرار الإجراء نفسه للفنادق والجامعات والمدارس الخاصة (وغيرها من الجهات الخاصة المليئة في أوقات اليسر والعسر وما أكثرها)، ستسمح الموارد المجمعة بتمويل العملية أو حتى زيادة التعويض الشهري”.
“كورونا” أداة لرفع العقوبات؟
تأخرت حكومة النظام السوري في اتخاذ الإجراءات الوقائية، وما زالت تنكر العدد الحقيقي للحالات، وذلك بهدف تحويل سوريا إلى بؤرة للمرض كإيران، وإجبار المجتمع الدولي على التعاون مع النظام وتخفيف العقوبات، بحسب العلو.
وأضاف العلو أن النظام غير جاد بأي إجراءات لمواجهة الفيروس، وذلك كونه ينظر لانتشاره بشكل كبير في سوريا كفرصة للتفاوض مع المجتمع الدولي على تخفيف العقوبات، ولذلك لن يفرض على القطاع الخاص إيقاف نشاطه، وسيترك له حرية الاختيار، وسيقتصر التوقف على القطاع الحكومي.
ولن يكون للفيروس أثر اقتصادي كبير على النظام، وهو ما تثبته طوابير الناس على المؤسسات الاستهلاكية والأفران لتأمين لقمة عيشهم بغض النظر عن إجراءات السلامة والوقاية من فيروس “كورونا”، بحسب العلو.
ويخضع النظام السوري إلى جانب رجال أعمال وشركات داعمة له، لسلسلة عقوبات فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، منذ عام 2011.
وتسببت هذه العقوبات بفرض قيود على واردات وصادرات النظام، وتقييد الحركة التجارية للأشخاص والشركات المعاقبة، ما تسبب بزيادة وتيرة تراجع الاقتصاد السوري.
مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، إلى جانب مندوبي ثماني دول، وجهوا رسالة، الخميس الماضي، إلى الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، طالبوا فيها برفع العقوبات عن هذه الدول وتمكين اقتصاداتها وحكوماتها في مواجهة فيروس “كورونا”.
ورد غوتيريش مناشدًا برفع العقوبات الدولية والفردية المفروضة على بعض الدول، معتبرًا أن تلك العقوبات يمكن أن تقوض قدرتها على الاستجابة لمكافحة فيروس “كورونا”.
لكن المتحدث باسم الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، أكد أن العقوبات التي يفرضها الاتحاد على دول عدة في العالم تستثني المساعدات الإنسانية، وذلك ردًا على مطالبات برفع العقوبات.
سوريا تحتاج حاليًا إلى 71.2 مليون دولار
نظرًا للأزمة الطويلة التي عاشتها سوريا، فإن نظام الصحة العامة هش وسيتطلب الكثير من الدعم لتعزيز قدرته على مواجهة التفشي المحتمل لـ”كوفيد– 19″، بحسب أحدث تقرير للأمم المتحدة حول احتياجات سوريا لمواجهة فيروس “كورونا”.
وذكر التقرير أن سوريا تحتاج حاليًا إلى 71.2 مليون دولار أمريكي لتمويل إجراءات في مواجهة الفيروس، تم تأمين ثلاثة ملايين و250 ألف دولار من هذا المبلغ، عن طريق منظمة الصحة العالمية و”يونيسف” ومنظمة الصحة في شرق المتوسط.
تعاني سوريا من نقص المشافي والكوادر الطبية، بينما تشكل العقوبات التي تفرض قيودًا على استيراد موارد طبية معينة تعد ضرورية للاستجابة لجائحة “كوفيد– 19″، مصدرًا للقلق، بحسب التقرير.
وأعلنت وزارة الصحة في حكومة النظام السوري عن خمس إصابات بفيروس “كورونا” حتى الآن.
بينما اتخذت جملة من الإجراءات في مواجهة الفيروس، بدءًا من تعليق العملية التعليمية، وتخفيض عددالعاملين في القطاع العام، وإيقاف جميع النشاطات والفعاليات الاجتماعية والثقافية والرياضية، وإغلاق المقاهي والمطاعم والنوادي الرياضية، إضافة إلى فرض حجر صحي جزئي.
وتشهد معظم المواد الأساسية ارتفاعًا كبيرًا في أسعارها، وخاصة بعد جائحة “كورونا”، التي تسببت بزيادة إضافية بنسبة 30%، بالتزامن مع تراجع كبير في قيمة الليرة السورية.
وقدرت الأمم المتحدة نسبة السوريين تحت خط الفقر بـ83%، بحسب تقريرها السنوي لعام 2019، حول أبرز احتياجات سوريا الإنسانية.
وشهد مؤشر القوة الشرائية للمواطنين في العاصمة دمشق تراجعًا كبيرًا وصل فيه إلى 9.61 نقطة، وصنفه موقع “Numbeo” العالمي بأنه منخفض جدًا.