عنب بلدي – داريا
«ضجّ المشفى بأصوات البكاء وداعًا لشهيد توفي جراء إصابته بشظية في الرأس، ثم علا صوت بكاء مولود في قسم التوليد؛ ليمتزج فرح أهله به، مع حزن أب الفقيد على ابنه الشهيد»… هذا ما ينقله أبو ياسر، أحد مسعفي مشفى داريا الميداني. ففي جوّ من الترقب تشهده ممرات المشفى تمتزج دموع الحزن بدموع الفرح في المدينة المحاصرة منذ أكثر من سنتين.
في جناح التوليد في المشفى الميداني، يقوم فريق متأهبٌ على مدار اليوم ومكوّن من طبيبة مختصة وممرضات، باستقبال الحالات وإجراء عمليات توليد طبيعية وقيصرية مجانًا. وتتحدث أم محمد، وهي سيدة وضعت مولودها في الجناح قبل شهرين، عن الخدمة الصحية التي تلقتها هناك، واصفة إياها بالـ «الجيدة»، موضحةً «جاءني المخاض عند الرابعة فجرًا، وتعرضت لألم ونزف شديدين؛ استدعى المشفى الطبيبة، وأجرت لي العملية على الفور».
ويستمر الجناح بتقديم خدماته رغم الوضع الأمني المتردي جراء المعارك على جبهات المدينة والقصف الذي تتعرض له، وبحسب أبو ياسر، «رأينا الرجل يحمل زوجته مسرعًا هربًا من الطائرة التي تقصف المدينة؛ اعتقدنا أنها مصابة لكنّ تبين أنها كانت على وشك الولادة».
ويضم قسم التوليد غرفة كاملةً مجهزةً للعمليات، بالإضافة إلى مولد أوكسجين لمساعدة حديثي الولادة على التنفس بحال دعت الحاجة، في حين يفتقر إلى حاضنة، يسعى المشفى لتأمينها.
أم عمر، إحدى المستفيدات من خدمات المشفى، تعبّر عن رضاها عن الخدمة «الإنسانية والجيدة»، فوليدها عانى من زرقة معممة لابتلاعه من السائل الأمنيوسي، «أجروا له عملية إنعاش، وشغّلوا مولدة الكهرباء ليعمل مولد الأوكسجين عدة ساعات، رغم قلة المازوت المتوفر».
ازدياد الولادات في المدينة بشكل كبير مؤخرًا، «شكل عبئًا آخر» بحسب الدكتور ضياء، وهو مشرف في المشفى، حيث «استنزف قسم التوليد كثيرًا من مواد التخدير في عملياته القيصرية»؛ وإلى جانب نقص الموارد ومحدودية الإمكانات، يصعب وصول الحوامل إلى المشفى في وقت ولادتهن الطبيعي نظرًا للقصف والمعارك.
كذلك يبذل جناح التوليد ما بوسعه لرعاية المواليد والخدج، ويعتمد المتاح من وسائل بسيطة لعدم توفر حاضنات؛ وفي غياب التجهيزات الطبية الأساسية للرضع واللقاحات عدا لقاح شلل الأطفال، فتقديم الرعاية الصحية لهم بات محدودًا وصعبًا.
وبعد خروجهم من المشفى، يتعرض المواليد لمشاكل صحية أبرزها اضطرابات معوية وتحسسية لندرة المواد الغذائية المناسبة لأعمارهم وغياب الحفاضات المناسبة.
ويوضح أبو شادي، محاصر في المدينة وأب لطفل عمره 8 أشهر، أن «معظم الأهالي في المدينة يطعمون أولادهم الأرز المطحون والشوربا ليحافظوا على حياتهم»، وهو ما يتسبب بهذه الاضطرابات.
وفي ظل المعوقات ليس بوسع الجهات العاملة في المدينة تقديم المزيد، سوى تسجيل قيود المواليد الجدد إضافة للزيجات، لدى مكتب الأمن العام، في سبيل حفظ سجل مدني لأهالي المدينة؛ وبحسب أبو القاسم، مسؤول الديوان في المكتب فقد سجلت أكثر من 200 ولادة جديدة في داريا منذ بداية عام 2015.