محمد عماد
لم تستطع قمة «كامب ديفيد» التي دعا إليها الرئيس الأمريكي أوباما زعماء الخليج منتصف أيار الماضي، تهدئة مخاوفهم من كابوس الخطر الإيراني الذي أصبح يقض مضاجعهم غداة التوقيع على اتفاق الإطار النووي الذي وقعته دول (5+ 1) مع إيران.
ولم يفلح زعماء الخليج في إقناع واشنطن بإبرام اتفاق شراكة استراتيجي مع الحلفاء الأمريكيين يضمن لهم حماية أمن الخليج من التهديدات الخارجية.
والمتتبع لتاريخ العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية يجد أن كلا البلدين كانا يظهران كثيرًا من العداء والكراهية نحو بعضهما، في حين يحدث عكس ذلك في الخفاء؛ وقد كشف حقيقة هذه العلاقة الصحفي الفرنسي روبرت كارمن درايفوس في كتابه «رهينة الخميني.. الثورة الإيرانية والمخابرات الأمريكية ـ البريطانية»، الذي نشره عام 1980 أي بعد عام واحد من قيام الثورة الإيرانية.
وأكد الصحفي في كتابه: أنه لولا الدعم الأمريكي للخميني لما استطاعت الثورة الإيرنية أن تنجح، كما أن إدارة الرئيس الأمريكي كارتر اشتركت في كل خطوة اتخذتها الثورة الإيرانية إلى أن تمت الإطاحة بشاه إيران.
طهران وواشنطن تعاونتا أيضًا تعاونًا وثيقًا عام 2001 للإطاحة بحكم حركة طالبان في أفغانستان، وامتد هذا التعاون خلال الحرب على العراق التي انتهت بإسقاط نظام صدام حسين، وتمكين الشيعة من تولي مقاليد الحكم.
صحيح أن لكل من إيران وأمريكا مشروعها ومصالحها الخاصة في المنطقة، تتلاقى هذه المصالح تارة وتتنافر أخرى، إلا أن الخطوط العريضة التي رسمتها دوائر الاستخبارات في كلا البلدين تحتم عليهما ألا تصل الأمور إلى درجة التقاتل؛ فمشروع إيران يهدف إلى إعادة الإمبراطورية الفارسية التي تقتضي السيطرة على المنطقة العربية بالكامل، لذلك هي تسعى جاهدة إلى امتلاك السلاح النووي، وأمريكا لها مصالحها الاقتصادية والعسكرية في المنطقة، ووجود إسرئيل يضمن لها هذه المصالح.
أما فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية ـ الخليجية، فإن دول الخليج عمومًا، والسعودية خاصة، تربطها بواشنطن علاقات تاريخية بدأت منذ تولي الملك عبد العزيز الحكم، مرورًا بأولاده الذين استمروا على نهج الملك عبد العزيز نفسه، وقد اتسمت هذه العلاقات خلال عقود طويلة بطابع أقرب ما يكون إلى التبعية، فكانت منطقة الخليج بالنسبة لواشنطن أشبه بـ «الدجاجة التي تبيض ذهبًا» بسبب المخزون الهائل من النفط؛ والمعادلة مع هذه الدول بسيطة: تأمين الأمن مقابل النفط.
ووقفت دول الخليج إلى جانب أمريكا في التصدي للمدّ الشيوعي في المنطقة، إبان الحرب الباردة بين المعسكر الغربي بقيادة أمريكا وبين منظومة الاتحاد السوفييتي، وقدمت خدمات كبيرة كان أبرزها تخفيض سعر النفط إلى مستويات متدنية للضغط على إيران وروسيا.
لكن المستجدات الأخيرة التي ترافقت مع ثورات الربيع العربي، واتفاق الإطار النووي مع إيران جعل مصالح الولايات المتحدة تتضارب مع مصالح الخليج، فأصبحت الهوة بينهما واسعة وبات شبح التهديدات الإيرانية قويًا، إذ امتدت يد إيران إلى أربع عواصم عربية، وراحت تلوح بأنها ستصل إلى عواصم أخرى.
وتنامت هواجس دول الخليج في سوء نية أمريكا نحو تغيير أنظمة الحكم فيها بحجة حماية حقوق الإنسان وحرية التعبير المنتهكة في هذه الدول، مع وجود أدلة دامغة على تحالف أمريكي – إيراني ـ إسرائيلي منذ سنوات طويلة، إضافة إلى تسريب تحليلات استراتيجية تنبئ بأن أمريكا، ربما، ستنسحب من منطقة الشرق الأوسط بالكامل، وتتوجه إلى آسيا للحفاظ على التوازنات السياسية والعسكرية في العالم، خصوصًا مع اكتشاف كميات هائلة من النفط الصخري في أمريكا، يمكن أن يجعل واشنطن تستغني عن النفط الخليجي قريبًا.
وبالتالي، إتاحة الفرصة لإيران لملء الفراغ بعدها، ما سيؤدي إلى تقليص النفوذ الديني ذي الطابع السني لبعض العواصم العربية، كالرياض والقاهرة.
بدأ بعض زعماء الخليج يدركون حقيقة ما يجري حولهم، وقرع بعض المثقفين المقربين من الأسر الحاكمة ناقوس الخطر، مطالبين باتخاذ الإجراءات المناسبة لدفع الأخطار التي باتت تهدد أمن الخليج وتقلق وجوده.
وأكد هؤلاء أن سياسة واشنطن تقف على النقيض من مصالح دول الخليج، وربما تبيع أنظمة هذه الدول كما باعت من قبل شاه إيران ومبارك في مصر.
وما «عاصفة الحزم» إلا تعبيرٌ عن التحدي الجديد لهذه الدول في إثبات وجودها وتأكيد مقدرتها في الدفاع عن نفسها، ما يجعل سياسة أوباما على المحك، وهو الطامح في إنجاز الاتفاق النووي مع إيران قبل انتهاء ولايته الأخيرة، ولن يستطيع بأي حال من الأحوال، أن يرضى جميع الأطراف.
ولعلّ الزيارة التي يعتزم الرئيس أوباما القيام بها إلى السعودية، هي محاولة أخيرة لرأب الصدع الذي أصاب العلاقات الأمريكية ـ السعودية، فهل يستطيع أوباما النجاح في المهمة؟ أم أن للخليجيين موقفًا آخر يجبر واشنطن على إعادة حساباتها من جديد؟