أنقرة على شفا صدام عسكري مع فصائل متشددة في إدلب

  • 2020/03/22
  • 11:37 ص

جندي تركي في منطقة رأس العين (الأناضول)

عنب بلدي – علي درويش

تعرضت القوات التركية شمال غربي سوريا لهجوم صاروخي أدى إلى مقتل جنديين تركيين وإصابة ثالث، واتهمت أنقرة جماعات “راديكالية” (متشددة) بوقوفها خلف الهجوم، حسب بيان لوزارة الدفاع التركية، في 19 من آذار الحالي.

الهجوم على القوات التركية سبقته اعتصامات على الطريق الدولي حلب- اللاذقية (M4)، رفضًا لمرور الدوريات الروسية إلى جانب الدوريات التركية، بموجب الاتفاق بين روسيا وتركيا الذي بدأ تطبيقه، في 6 من آذار الحالي، وقضى بتسيير دوريات مشتركة على الطريق بين قريتي ترنبة شرقي إدلب وعين حور جنوب غربي إدلب.

الهجوم على الدوريات التركية ومنع تسيير الدوريات الروسية هدد الاتفاق، كما وضع مقتل الجنود الأتراك أنقرة في مواجهة قد تحدث مستقبلًا مع الجماعات التي تنشط في المنطقة والتي تتبنى فكرًا “راديكاليًا”.

الهجوم يقوي موقف الروس والنظام لاستئناف العمليات

المحلل السياسي التركي علي باكير قال لعنب بلدي، إن هجوم الفصائل المتشددة على القوات التركية يقوي موقف روسيا ونظام الأسد وإيران عمدًا ضد أنقرة من جهة، ويوفر من جهة أخرى الذرائع اللازمة لاستئناف العمل العسكري واستهداف المدنيين في إدلب، مجددًا تقويض الموقف التركي.

واعتبر أن ذلك لا يشكل خطرًا على تركيا فقط وإنما على الشعب السوري والمهجّرين والنازحين.

وأضاف باكير “الجماعات المتطرفة لا تخدم بموقفها إلا نظام الأسد وحلفاءه في نهاية المطاف، ولطالما تذرّع بها للقضاء على الثورة السورية”، وتساءل “هل ترد الجميل بأن تعطيه ما يريد؟”.

وأشار إلى أن المعركة الأخيرة ضد النظام أظهرت للفصائل وللسوريين ولروسيا وإيران وللمجتمع الدولي اللاعب الذي باستطاعته “إيذاء الأسد وردعه”، بحسب تعبيره، في حين أن “الفصائل الراديكالية لم تفعل شيئًا للدفاع عن المدنيين، وأثبتت يومًا بعد يوم أنها عن علم أو عن جهل تتحول إلى مخلب للنظام، ما لم تسحب الذريعة منه وتتخلى عن النهج المتطرف وتسعى إلى مراعاة مصلحة الشعب السوري الذي يعاني الآن أكثر من أي وقت مضى”.

هل تحصل المواجهة؟ وأين “تحرير الشام”؟

الباحث في الجماعات الإسلامية عباس شريفة، رجّح، في حديث إلى عنب بلدي، تأجيل تركيا المواجهة مع الفصائل “الراديكالية”، لأنها لا تزال ترى أن خطوط التماس مع النظام غير مستقرة، والمعركة قد تتجدد مع الميليشيات الإيرانية، خاصة أن أنقرة لا تثق بالضامن الروسي بعدم العودة للتصعيد في إدلب.

لكن برأي باكير، إذا استمرت “الفصائل المتشددة” بنفس السلوك، فستضطر تركيا إلى استهدافها، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، منفردة أو بالتعاون مع سوريين أو بالتعاون مع فاعلين دوليين، مشيرًا إلى أنه لا توجد حلول وسط على ما يبدو مع هذه الجماعات، فهي تغامر بأرواح ملايين المدنيين السوريين.

بينما أوضح شريفة أن منطقة إدلب كانت خاضعة بشكل كامل لـ”هيئة تحرير الشام”، ولكن بعد التدخل التركي ودخول “الجيش الوطني السوري” بدأت “الهيئة” تتوجس من انزياح مركز السيطرة من يدها لمصلحة اعتماد تركيا على “الجيش الوطني”، ووجدت “تحرير الشام” فرصتها بعد وقف إطلاق النار والحديث عن تسيير دوريات روسية- تركية مشتركة، وبدأت بتحريك أذرعها الخفية.

إذ أجرت “الهيئة” مع “حكومة الإنقاذ”، جولة على وجهاء القرى والمدن لإخراج مظاهرات مدنية ضد روسيا، تطالب بعودة المواطنين إلى ديارهم وترفض مرور الدوريات الروسية من طريق “M4″، وهذا مطلب حق لا مشكلة فيه، بحسب شريفة، الذي أردف أن المشكلة كانت بصور وتسجيلات الملثمين والمسلحين الذين كانوا يهددون ويتوعدون الروس ويشككون بالدور التركي (نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها لقيادي اسمه أبو بكر حاس)، بحسب عباس شريفة.

تبع هذه التسجيلات استهداف الرتل التركي بعبوة ناسفة، ووُجهت أصابع الاتهام إثره إلى تنظيم “حراس الدين”، لكن الأخير نفى مسؤوليته، ما يرجح أن الفعل كان رسالة واضحة من “تحرير الشام” عبر بعض أجنحتها الأمنية، بأنه لا يستطيع أحد حماية الدوريات إلا “الهيئة”، ما يعني أنها لا تهدف لمنع الدوريات الروسية- التركية المشتركة بمقدار ما تبحث عن دور جديد ما، بحسب شريفة.

وعقدت “الهيئة” اتفاقًا ضمنيًا مع تركيا اعتُمدت (الهيئة) من خلاله كطرف مرافق وحارس للنقاط التركية، واليوم تبحث عن دور في مرافقة وحماية الدوريات الروسية- التركية، ما يعني الاعتراف بها كطرف موجود على الأرض ويقلل من احتمالية استهدافها.

وتستفيد “تحرير الشام” من سياقات عدم استقرار خطوط التماس مع النظام وتوجس الأتراك من تجدد المعارك، وهي فرصة لـ”الهيئة” لتعزيز سيطرتها على “المحرر” في ظل غياب التوافق على إنهاء ملفها.

الوضع الراهن لموازين القوى

هدد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في 13 من شباط الماضي، كل من لا يمتثل لوقف إطلاق النار وفق اتفاق “سوتشي” 2018 بين روسيا وتركيا، بمن فيهم “المتطرفون”، مضيفًا أن بلاده ترسل قوات إضافية في إدلب لضمان وقف إطلاق نار مستدام، وأن المنطقة ستكون تحت مراقبتهم.

وكانت تركيا وروسيا وقّعتا، في 12 من كانون الثاني الماضي، اتفاق “تهدئة” يضمن وقف إطلاق النار في شمال غربي سوريا، لكن النظام قصف مناطق سيطرة المعارضة واستأنف عملياته العسكرية بدعم روسي كامل، في 15 من الشهر نفسه، بحجة سقوط قذائف على مناطق سيطرته، اتهم فصائل المعارضة بالوقوف خلفها، وسيطر خلال الحملة الأخيرة على مدن وبلدات استراتيجية، كمعرة النعمان وسراقب وحيان وحريتان وجبل شحشبو، في حلب وإدلب.

لكن الأتراك استمروا في تهديداتهم وحشد المزيد من التعزيزات في نقاط مراقبتهم وأنشؤوا نقاطًا جديدة في مناطق سيطرة المعارضة، وقُتل بقصف النظام 16 جنديًا تركيًا.

ولم تدخل تركيا بالمواجهة المباشرة وتوجيه ضربات ضد قوات النظام، إلا بعد استهداف رتل عسكري تركي في إدلب أسفر عن مقتل 33 جنديًا وإصابة 32 آخرين، وفقًا لوالي هاتاي التركية، رحمي دوغان، في 27 من شباط الماضي.

أطلق الجيش التركي إثر ذلك عملية “درع الربيع” ضد قوات النظام السوري، لإجباره على العودة إلى خلف خطوط منطقة “خفض التصعيد” المحددة في اتفاق “سوتشي” 2018، لكن باجتماع في العاصمة الروسية موسكو، في 5 من آذار الحالي، توصلت الوفود الروسية والتركية بحضور رئيسي البلدين إلى اتفاق قضى بتسيير دوريات مشتركة على طريق “M4” في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة وفق اتفاق شابه الغموض، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، التي أشارت إلى خضوع المناطق الواقعة ضمن “خفض التصعيد” جنوبي الممر الآمن بستة كيلومترات لإشراف الروس، في حين سيخضع شماله إلى إشراف الأتراك.

قابل الاتفاق اعتصام على طريق تسيير الدوريات، منع الدورية الأولى من القوات الروسية من إكمال مهمتها، واتهمت وزارة الدفاع الروسية المعتصمين بأنهم مسلحون وإرهابيون، كما ظهر عدد من المقاتلين هددوا الروس بالاستهداف والقتل في حال مرورهم على الطريق.

فصائل ترفض الواقع الروسي- التركي

رفضت أربعة تشكيلات جهادية عاملة في شمال غربي سوريا منضوية ضمن غرفة عمليات موحدة تحت اسم “وحرض المؤمنين”، الاتفاق الروسي- التركي في سوتشي في أيلول 2018، وعاودت رفض الاتفاق الأخير، في 5 من آذار الحالي.

وتضم غرفة “وحرض المؤمنين” كلًا من: “جبهة أنصار الدين”، و”جبهة أنصار التوحيد”، و”جبهة أنصار الإسلام”، و”حراس الدين”، وجميعها تعتبر من الفصائل “الجهادية” في سوريا، حيث يتركز عملها في ريف اللاذقية الشمالي وريف حماة.

وجاء في بيان صادر عن الغرفة، الأحد الماضي، أن “التفاهمات الدولية وإفرازات مؤامراتها، وآخرها اتفاق موسكو، لا تعدو كونها لدغًا من الجحر الواحد مرات عديدة، وتقديمًا للثورة وجهاد أهلها على مذبح المصالح الدولية”.

كما حذر أمير تنظيم “حراس الدين”، أبو همام الشامي، في كلمة مسجلة، اطلعت عليها عنب بلدي، في 7 من آذار الحالي، من الانخداع بوعود الدول الضامنة.

وفيما يلي تعريف بفصائل الغرفة:

أُعلن عن تشكيل “حراس الدين”، في شباط 2018، من اندماج سبع مجموعات عسكرية عاملة في إدلب هي: “جيش الملاحم”، “جيش الساحل”، “جيش البادية”، “سرايا الساحل”، “سرية كابل”، “جند الشريعة”، فلول “جند الأقصى”.

ويقود التشكيل القيادي في “هيئة تحرير الشام” سابقًا، “أبو همام الشامي”.

بالإضافة إلى قيادات “القاعدة” في مجلس الشورى الذي يضم “أبو جليبيب طوباس” و”أبو خديجة الأردني” و”سامي العريدي” و”أبو القسام” و”أبو عبد الرحمن المكي”، وعددًا من القيادات السابقة في “جبهة النصرة” التي رفضت فك الارتباط بـ”القاعدة”.

وشُكل فصيل “أنصار التوحيد”، في آذار 2018، من مجموعات منشقة عن فصيل “جند الأقصى” في مدينة سرمين بإدلب، التي ينشط فيها إلى جانب منطقة النيرب بريف حلب.

وينتهج الفصيل السلفية الجهادية، ويعتبر من أبرز الفصائل قربًا لـ”جبهة النصرة” سابقًا، وقد امتنع عن قتال تنظيم “الدولة” بشكل كلي، ما أجج الخلاف بينه وبين فصائل “جيش الفتح” أواخر عام 2015، ولا سيما حركة “أحرار الشام الإسلامية”.

يُتهم بتنفيذ عمليات تصفية ضد مقاتلين وقادة في فصائل المعارضة، كما تُوجه إليه أصابع الاتهام بتبعيته أو ميوله لتنظيم “الدولة”، وخرجت آخر دفعات مقاتليه إلى مدينة الرقة، في شباط 2017، ضمن اتفاق فرضته “تحرير الشام” و”أحرار الشام”.

أما “جبهة أنصار الدين” فانشقت عن “تحرير الشام”، في شباط 2018، وكانت أحد أعمدة تأسيسها في كانون الثاني 2017، وفي بيان الانشقاق قالت إنها “جماعة مستقلة إداريًا وتنظيميًا، ولا تتبع لأي جهة سواء كانت داخلية أو خارجية”.

وأضافت أن “علاقتها مع الآخرين في الداخل والخارج، المدني منها والعسكري، تضبطها أحكام الشريعة الإسلامية، مع الأخذ بالسياسة الشرعية التي تحافظ على ثوابت الدين”، معتبرة نفسها “جزءًا من المشروع الإسلامي الساعي لإسقاط طاغية الشام، وجزءًا لا يتجزأ من الأمة الإسلامية”.

أُسست “جبهة أنصار الإسلام” في عام 2014 بدمشق وريفها والقنيطرة، عبر اندماج لواء “أسامة بن زيد” و”العز بن عبد السلام” و”كتيبة العاديات”، وفي شباط عام 2015 أعلنت تأسيس القطاع الشمالي لها، والواقع في محافظة إدلب.

وفي تصريحات لقائد القطاع الشمالي، مصطفى السعيد، حينها، قال إن “الهدف الرئيس من تأسيس القطاع الشمالي هو توحيد الصف بالتكتلات الكبيرة، خاصة في مناطق دمشق ودرعا والقنيطرة”.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا