ريف حلب – عاصم ملحم
لجأت بعض المدارس الخاصة في مدينة الباب بريف حلب، إلى اتباع أساليب جديدة في التعليم، تماشيًا مع الواقع الحالي في المدينة ومناطق من الشمال السوري، الذي يشهد إجراءات لمواجهة فيروس “كورونا” (كوفيد-19).
من الأساليب التي باتت تنتشر في مدينة الباب، التعليم عن طريق شبكة الإنترنت، عبر إنشاء غرف في “واتساب”، وذلك بعد قرار المجلس المحلي القاضي بإغلاق جميع المؤسسات التعليمية، تطبيقًا للإجراءات الوقائية، ومنها تعقيم المدارس.
ويتم إعطاء الدرس عن طريق تسجيل مقطع مصور للمعلم أو المعلمة، يشرحون فيه بالوسائل المناسبة، أو على السبورة، المادة المقررة، ويوزع المقطع في مجموعة فيها أهالي الطلاب، بحسب ما قالته المعلمة لفئة التحضيري في مؤسسة “سراج التعليمية” بتول الشامي، لعنب بلدي.
من جانبها، أشارت مديرة المؤسسة، ليالي الخلف، وهي معلمة أيضًا، إلى أن هذه الوسيلة تطبق الآن على مراحل التحضيري والابتدائي والإعدادي حتى الصف الثامن، مع اختلاف المستويات في المدارس.
“غير كافٍ”
“التعليم عن بعد غير كافٍ، ولكنه أفضل من لا شيء”، هكذا وصف معلم الفيزياء والكيمياء عمار الخلف، الأسلوب الطارئ في تعليم الطلاب بمدينة الباب.
وأضاف لعنب بلدي، أن بعض المواد كالفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء تحتاج لتجارب ملموسة وشرح موضح، وذلك ما لا يتحقق بالتعليم الإلكتروني.
لكن المعلمة بتول، وصفت التجربة بالجيدة، بعد أول أسبوع من تطبيقها، مشيرة إلى أنها لمست تفاعلًا من الطلاب.
واستدركت بالقول، “إن طريقة التعليم الإلكتروني قد تكون أفضل في حال توفرت الوسائل والتطبيقات المناسبة لها، إذ نواجه مشكلة في شبكة الانترنت، وعدم امتلاك الأطفال أجهزة خاصة بهم، تمكنهم من الرجوع للدرس بأي وقت”.
من جهتها، قالت المعلمة ليالي الخلف، إن الأهالي لديهم تخوف من هذا الأسلوب كتجربة جديدة طُبقت بشكل مفاجئ، لا سيما مع عدم توفر الأساليب الأكاديمية لاتباعه، لافتة إلى أن فعاليته تثبت عندما تتهيأ الأدوات اللازمة له.
في حين ترى مديرة مدرسة “القلم” الخاصة، نور الجندلي، أنه لا يمكن تقييم الأسلوب الإلكتروني في مرحلة التجربة، “لكن حتى الآن كان تفاعل الطلاب رائعًا، وللأهالي دور كبير في ذلك”.
هل يمكن اعتماد التعليم الإلكتروني؟
مع عدم السيطرة على فيروس “كورونا” عالميًا، وفي حال ظهرت إصابات في الشمال السوري، فإن توقف عمل المؤسسات التعليمية سيمتد، وفق المعلمة بتول، التي أشارت إلى أن أسلوب التعليم الإلكتروني جاء كحل مؤقت، ولا يمكن اعتماده لفترة طويلة لعدم توفر وسائله الضرورية.
وأضافت أنه من الصعب تطويره بسبب وضع المنطقة، موضحة أنه بحاجة لعدة شروط، منها تهيئة الأهالي، وتدريب الكوادر، وتوفر خدمات الإنترنت والأجهزة والتطبيقات الفعالة، وهذا ما لا يوجد في المنطقة.
واتفق المعلم عمار مع المعلمة بتول، على وجوب تطوير التقنيات لأنه الخيار الأنسب في الحالات الاضطرارية، كالعطلة التي يمر بها الطلاب الآن.
أما المعلمة نور، مديرة مدرسة “القلم”، فبينت أنه من الممكن تطوير هذا الأسلوب مع تدريب الطلاب على الطرق الحديثة في التعليم واستخدام التكنولوجيا، بالإضافة إلى عوامل مهمة منها توفر الإنترنت ونوع الجهاز المستخدم.
كيف تعامل الأهالي مع التجربة؟
تواصلت عنب بلدي مع مجموعة من أهالي الطلاب، وأكدوا حصول أبنائهم على فائدة “كبيرة” من التعليم الإلكتروني، مشيرين إلى أن هذا الأسلوب مكّن الطلاب من مواصلة تحصيل الفائدة العلمية، مع المتابعة المباشرة من المعلم.
إضافة إلى أن الطلاب شغلوا وقت فراغهم في وقت العطلة باستكمال الدراسة، بحسب ما قاله محمود زيدية، وهو أب لطالبتين.
لكن زيدية يعتقد أنه على الرغم من استكمال التحصيل المعرفي، يؤثر عدم وجود الطلاب بالقاعة الصفية مع المعلمين، على الجانب التربوي في العملية التعليمية.
وأكد على ضرورة تنظيم تقنيات الامتحان الإلكتروني، والعمل على إيجاد البرامج التقنية التي توفر الجهد على الطلاب، والتي من شأنها أن تصلح لاستكمال المنهاج في حال استمرت الإجراءات الوقائية.
أم مناف (تحفظت على نشر اسمها كاملًا) هي والدة طالبة في المرحلة الابتدائية، وصفت تجربة التعليم الالكتروني بـ”الممتازة” بالنسبة للأطفال الذين يعانون من الخجل في الصف، مشيرة إلى أنها أتاحت لهم المشاركة، وعززت ثقتهم بأنفسهم، وكسرت هذا الحاجز، وفتحت المجال للمعلم أن يسمع من كل الطلاب ويرد عليهم، لذلك خصصت هاتفها لابنتها لمتابعة الدروس.
أما بالنسبة لمحمد رجب، وهو أب لثلاثة طلاب، فيعتبر أن فائدة هذا الأسلوب أقل من التعليم الصفي، ووفق تعبيره “لا بأس به في الوقت الحالي”، رغم حاجته إلى متابعة مستمرة من الأهالي والمعلمين.
للتربية خططها أيضًا
في هذا الإطار، قال مدير التربية في مدينة الباب، جمعة كزكاز، في حديث لعنب بلدي، إنهم حتى الآن لم يطبقوا هذا الأسلوب في المدارس العامة.
ولفت إلى أن نسبة التفاعل مع هذا الأسلوب ليست مرضية، مؤكدًا على فكرة أن “شيئًا أفضل من لا شيء”.
وذكر كزكاز أنهم يدرسون إنشاء منصة تعليمية افتراضية تشمل كامل المنهاج، تكون بمثابة ملجأ في الحالات الاضطرارية، بحيث ينتقون أكفأ المعلمين بكل المواد ويتم تسجيل دروس ورفعها على المنصة.
لكن ذلك الأمر يحتاج إلى “إمكانيات كبيرة وجهد عظيم”، من توعية ثقافية واجتماعية للأهل، ووجود الدافع عند الطلاب، ودفع “الملهيات” عنهم، بالإضافة للعوائق المادية والتكنولوجية التي يصعب على أغلب الناس تجاوزها.
وفي حال استمرت العطلة، توقع كزكاز البدء بتطبيق المشروع بالإمكانات المتاحة، لكن إجراء الامتحانات عبر الانترنت “سيبقى أمرًا صعبًا في الوقت الحالي”.