غربتهم أطول من عمر الحرب في سوريا.. هل ما زال انتماؤهم حيًا

سوق مالطا في منطقة الفاتح في مدينة اسطنبول في تركيا - تشرين الثاني 2019 (عنب بلدي)

camera iconسوق "مالطا" في منطقة الفاتح بمدينة اسطنبول في تركيا- تشرين الثاني 2019 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – صالح ملص

“لم أزر سوريا منذ عشر سنوات، ولا أظن أنني سأستطيع التأقلم معها حاليًا، لكن إذا عاد الوضع آمنًا، فرجوعي إليها أمر مؤكد”..

تسرد فريدة المصري لعنب بلدي شوقها إلى مدينة إدلب شمالي سوريا، التي غابت عنها منذ أكثر من 30 عامًا، لتعيش طوال تلك الفترة في تركيا، حيث تزوجت من رجل تركي، وربّت أبناءها وفق أسلوب حياة ينتمي إلى النمط الذي كانت تعيشه في سوريا.

تستمر فريدة، التي تعمل مدرّسة للغة الإنجليزية، بالحفاظ على علاقتها مع هوية بلدها من خلال ما تغرسه في أبنائها من اللهجة المحكية لأهل إدلب، ومبادئ المجتمع المحافظ هناك.

انقطاع زيارة فريدة لسوريا لم يكن لأسباب سياسية، فعلاقتها مع أقربائها لا تزال مستمرة رغم اختلاف الآراء والأفكار السياسية فيما بينهم، ولكنها ترجعه إلى عدم وجود بيئة آمنة تشبه ما كانت تعيشه في السابق.

قوة الحفاظ على الصلة

يبذل الفرد جهدًا كبيرًا في محاولاته للتكيف والتأقلم مع الحياة الجديدة في مجتمع يحمل صبغة اجتماعية مختلفة وذهنية تختلف عن تلك التي يحملها في مجتمعه الأصلي، وفق الاختصاصية الاجتماعية ندى الفوال، إذ يمكن أن يفقد الانتماء لبلده تدريجيًا ما يؤدي إلى ضياع هذا الانتماء.

لكن فريدة، التي خلقت توازنًا نفسيًا بين مجتمعها الجديد والقديم، وغابت لفترة طويلة عن سوريا، لم يؤثر غيابها على رغبتها بأن تعيش روحيًا بعقلها الباطن في كل الأحداث التي تمر بها مدينة إدلب من أزمات.

ويرى ضياء الدين الخطيب، المغترب عن سوريا لأكثر من 35 عامًا، أن الانتماء للوطن الأم هو شعور فطري عاطفي، والاغتراب عن الوطن كاغتراب الإنسان عن حضن أمه، إذ يصاب المرء بالضيق والحنين.

انتماء اجتماعي وثقافي

عاش ضياء الدين (45 عامًا) تجربة الاغتراب مرتين، الأولى كانت في منطقة الخليج، حينها، كان لديه اهتمام بإحياء الروابط الاجتماعية السورية بينه وبين أصدقائه برحلاتهم الدورية، وزياراتهم التي كانت الأحاديث فيها تتمحور حول ذكريات كل منهم في سوريا.

كذلك حين سافر ضياء الدين إلى ألمانيا، ليعيش المغترب بصبغة مختلفة، حيث زاد مستوى الاغتراب من الناحية الاجتماعية، ليضم معه الجانب الثقافي، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

تعلم اللغة الألمانية خلال إقامته في ألمانيا منذ ثلاث سنوات، ومن خلال تعلمه لها تعرف إلى القيمة الجمالية للغته العربية، فمن خلال ترجمة بعض المصطلحات الألمانية إلى العربية، اكتشف كم المفردات التي لم يكن يستخدمها في حياته اليومية قبل وصوله إلى ألمانيا. “عندما تعلمت الألمانية، زاد افتخاري أكثر باللغة العربية” يقول ضياء الدين.

وفي مدن ألمانية عدة يتحدث ضياء الدين عن مدى انتشار المطاعم السورية التي تنمي الطقوس الشعبية التي غابت عن ذاكرته طوال سنوات الغربة، “هناك تعزيز من قبل بعض السوريين لهويتهم في ألمانيا من خلال أعمالهم المختلفة”.

استطلاع رأي

في استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي عبر صفحتها في “فيس بوك”، ووجهته للمغتربين السوريين منذ أكثر من عشر سنوات، أكد 57% من المشاركين أنهم ما زالوا يشعرون بالانتماء لبلدهم، رغم مرور عقود على غيابهم عنها، في حين يؤكد 43% من المشاركين فقدهم الشعور بالانتماء لسوريا.

وشارك بالاستطلاع نحو 1400 شخص، وقال عدد من المعلقين على منشور الاستطلاع، إنهم يشعرون بالحنين إلى سوريا دون حكم النظام السوري، وإن انتماءهم ما زال قائمًا لها بكل وقت، بينما نفى آخرون تعلقهم بالبلد.

اندماج أم انصهار؟

يرى المغترب ضياء الدين أن بعض الشباب السوريين في ألمانيا وأوروبا بشكل عام، “يتعمدون إخفاء هويتهم الثقافية والاجتماعية السورية” حين يُسألون عن أصلهم، وهذه السلوكيات حين يتم تكرارها تعتبر “سلخًا للانتماء”، فحين تُكشف أصولهم السورية من خلال طريقة تحدثهم، تظهر عليهم علامات الانزعاج.

تفسر الاختصاصية الاجتماعية ندى الفوال ذلك، في حديث لعنب بلدي، بقولها إن الاندماج الطوعي في المجتمعات الجديدة لا يغلب على الانتماء للوطن الأصلي بطبيعة الحال، إنما في بعض الأوقات يقوي الاغتراب هذا الشعور.

لكن المرء ينتمي إلى الواقع الجديد ليحقق أهدافه التي يعيش من أجلها، وعندما يفقد الانتماء للوطن، يعني ذلك أنه لا يقبل النظم الاجتماعية والثقافية التي يعيش فيها مجتمعه الأول، لأن تعريف الانتماء هو قبول الواقع المحيط بالإنسان.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



English version of the article


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة