نموت ليحيا المجرمون

  • 2020/03/22
  • 12:30 ص
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

الموت أملنا. الشعوب التي تحب الحياة تستحق منا العطف والشفقة.. الحكومات والمؤسسات الوطنية في الدول التي تحكم تلك الشعوب تعمل في آناء الليل وأطراف النهار ليحيا مواطنهم بأمان، وكرامة، ورفاهية، ويحلب عمره حتى آخر شطر، فإذا شعروا أن أجله قد جاء استنفروا، وبذلوا ما بوسعهم لجعله يعيش حتى ولو ساعتين زيادة، وكأنه، سيخرق الجبال، خلال الساعتين، ويبلط البحر، ويأتي بالذئب من ذيله، ثم يلوحه في الهواء، ويخبطه بالأرض، لينزل جثة هامدة.. وأما نحن، فلنا خصلة تميزنا عن كل شعوب الأرض، وهي أننا نحب الموت، نحلم به، ونتخذه نبراسًا، ونمارسه يوميًا.

نحب الموت، ونحب مَن يموت، وبدلًا من أن يدعو واحدُنا لنفسه بطول العمر، وكثرة العطاء، والحب، تراه يقول بانكسار: اللهم توفني على الإيمان، ويا رب مِن وقعتي إلى حفرتي.. عدا عن شعاراتنا الكبرى من قبيل: الموت لأمريكا، الموت ولا المذلة، واطلب الموت توهب لك الحياة، ولنا الصدر دون العالمين أو القبر، وإذا مت ظمآنًا فلا نزل القطرُ…

إذا فتحتَ سيرة الحياة والموت مع رجل في السبعين يقول لك: سيدي، بالزائد سنة، بالناقص سنتين، مو مشكلة، يعني أنا بدي آكل عمري وعمر غيري؟ وعندما بلغ زهير بن أبي سلمى الثمانين سئم تكاليف الحياة، مع أنه شاعر مبدع، فما بالك بالناس العاديين؟ وأما عوف الخزاعي فمع أنه يدعو لنا بطول العمر، يضحك على نفسه، ويسخر من سمعه الذي أمسى، مع بلوغ الثمانين، يحتاج إلى ترجمان.

شجع الحكام العربُ، عبر العصور، شعوبهم على الموت، وكان شعارهم غير المعلن هو: موتوا لأجلي! ولذلك مدوا أيديهم إلى الكتب السماوية وأخذوا منها مفهوم “الشهادة” وراحوا يعيدون إنتاجه، وتقييفه، وتزيينه، ليكون صالحًا لزمانهم ومكانهم. حافظ الأسد، مثلًا، مجرم تاريخي، دينُه المخابرات والتعذيب والقتل والسحل والنهب، ورغم هذا اختبأ في عباءة الدين الإسلامي، وأخذ منه مفهوم الشهادة، ووضعه في صدر أولويات حكمه، وجعله دفعًا للقضاء وردًا للبلاء، وفي يوم، وليلة، صار هو الراعي الأول للشهادة والشهداء، وفتح لأبناء الشهداء مدارس تُبهج النفس وتسر الخاطر، يعيشون في أجمل الأبنية، يعلمهم أقوى المعلمين والمعلمات، ويتعاملون مع أحسن المشرفين والمشرفات، في حين كانت المدارس العادية تغرق بالوسخ والاكتظاظ والضرب والزجر وقلة التدفئة، فكأنه يقول بلسان حاله لضباطه وجنوده: يا الله يا حبايبي، يا الله، هبوا إلى الجهاد والاستشهاد، سأرسلكم إلى لبنان، لكي أضرب القوى الوطنية، وأجعل لبنان امتدادًا لدولتي، وإلى العراق لأحارب تحت لواء أمريكا، وإلى حماة، لتقتلوا مَن لا ينصاع لمشيئتي، ولا تأكلوا همّ أبنائكم، كل شيء مؤمّن لهم، حتى الأب، فأنا الأب القائد.

حب شعوب هذه المنطقة الموت جلب لها، عبر التاريخ، مزيدًا من الموت والدمار.. هل قرأتم رواية أمين معلوف “سمرقند” وحكاية حسن الصبَّاح الذي اعتصم مع أتباعه في قلعة أَلَمُوت؟ كان إذا أراد أن يعطي درسًا قويًا لأحد خصومه، يقول لأحد أتباعه بحضور الخصم: اقتل نفسك. فينفذ!

هل سيأتي يوم نتبنى فيه ثقافة الحياة؟ ربما.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي