بقلم: أسامة آغي
أصدرت وزارة الخارجية البريطانية بالاشتراك مع حكومات فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة بيانًا، بمناسبة الذكرى التاسعة للثورة السورية، جاء فيه: “الحل السياسي الذي يأمل النظام السوري تحقيقه، لن يؤدي إلى إحلال السلام، بل إن الوصول إلى حل سياسي تفاوضي هو السبيل الوحيد لإنهاء العنف والصعوبات الاقتصادية، إلى جانب ضمان تسوية دائمة للصراع”.
وأوضح البيان المذكور، الصادر في 16 من آذار الحالي، “أن حكومات فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ستواصل دعمها لعملية جنيف بقيادة الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن لإحلال السلام والاستقرار في سوريا، وترسيخ الأراضي المحررة بعد هزيمة داعش على الأرض”.
هذا البيان وبعد قراءة متمعنة فيه، يُظهر أن لا جديد على الموقف الغربي حيال الصراع السوري، فقرار مجلس الأمن الذي تعتبره المجموعة الغربية أساسًا لحل سياسي عبر التفاوض، لم يشهد نشاطًا فاعلًا من هذه المجموعة لجعله ممكنًا، بل يمكن القول، إن هذا القرار الدولي، لعب دور جدار تتلطى خلفه هذه المجموعة الدولية، للتنصل من مسؤوليتها الأممية، لا سيما أن ثلاث دول منها، هم أعضاء دائمون في مجلس الأمن الدولي.
قراءة البيان تحيل إلى رؤية أخرى، تريدها المجموعة الغربية دون بذل جهود حقيقية لإنهاء الصراع، هذه الرؤية تتمثل بغرق أطراف الصراع الرئيسين فيه، وهم “بقايا النظام السوري، وميليشيات شيعية أتت بها إيران، وميليشيات تابعة لروسيا، إضافة لفصائل المعارضة السورية المسلحة، ومن خلفها تركيا”.
الرؤية الغربية، تعتمد على استنزاف جميع الأطراف المذكورة، ولا تستند إلى مسؤوليتها الدولية كدول ضامنة للسلام في العالم. وهي بذلك، تدفع الروس شيئًا فشيئًا إلى الغرق في المستنقع السوري، وذات الأمر ينطبق على إيران، أما بالنسبة لتركيا، فالأمر يتعلق بحدين مهمين لها، الحد الأول يتعلق بالأمن القومي التركي، إذ لم يعد نظام الأسد، أو الميليشيات الحليفة له، ضامنًا لحدوده مع سوريا، والحد الثاني يتعلق باستراتيجية الدولة التركية حيال الصراع بين الغرب والشرق، الذي تتخذ فيه الدولة التركية موقفًا وسطًا بين حديه المتنافرين والمتناقضين.
الرؤية الغربية تنطلق من قاعدة نظرية سياسية، تتمثل بوجود القطب السياسي العالمي الواحد (الولايات المتحدة الأمريكية)، كقائدة للنظام السياسي العالمي، ولهذا يرفض الغرب الموقف التركي الوسطي، الذي يبتعد بمسافة مدروسة عن حدود الصراع بين الشرق والغرب، ويريد الغرب أن تكون تركيا في المعطف الغربي دون تهديد معلن أو غير معلن لبنيته الحالية، والذي تسببه الطموحات التركية بتطور اقتصادي متقدم ومنافس، إضافة إلى ما يستتبع ذلك من حضور تركي إقليمي ودولي يزعج الغرب.
هذه القراءة، تفسر لنا امتناع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية الأعضاء بحلف “الناتو” عن مساعدة ملموسة لتركيا، حين تواجهت القوات التركية مع قوات روسيا الداعمة لهجوم النظام على إدلب، وتهديد الدولة التركية، وهي قراءة تريد أن تقول، إن طموحات تركيا بقيادة حزب “العدالة والتنمية”، يجب مراجعتها في العمق، وهو يعني تخلي الأتراك عن سياق تنميتهم الشاملة المقلقة لأوروبا عمومًا، وللمركز الرأسمالي الدولي الأكبر (الولايات المتحدة الأمريكية).
هذه الذهنية الأمريكية والغربية، هي ما يوجه سياسة هذه المجموعة الدولية حيال الصراع في سوريا ومآلاته، وهي ذهنية تقول بضرورة تآكل قوة الأطراف المتنافسة والمتصارعة على الحلبة السورية. وكذلك يمكن تصنيف هذه الذهنية، بأنها ذهنية انتهازية ضيّقة الأفق، لأنها تحسب الصراعات وفق قيمها المؤقتة وليس وفق قيمها الاستراتيجية.
تقاعس المجموعة الغربية صاحبة البيان (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) عن القيام بدورها ومسؤوليتها بحفظ السلام العالمي، يكشف عن عدم جديتها حيال ما جرى ويجري للسوريين المدنيين، فهي تمتلك أكبر قوة اقتصادية وسياسية دولية، ومع ذلك لم تستخدم هذه القوة لوقف صراع دموي، سيترك آثارًا مدمرة في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم. صراع حوّل السوريين إلى موجات نازحين ومهاجرين ومعوقين ومعتقلين وشهداء.
هذه الرؤية الغربية من سيصدقها؟ ومن سيقتنع بجدوى تهديدات الأمريكيين باستخدام قانونهم الشهير المسمى قانون “سيزر”، لا بل من سيصدقهم وهم يريدون من الناس أن تموت تحت القصف المدمر لقوات النظام السوري وحلفه الروسي- الإيراني، دون مساعدتهم بوقف هذه الهجمات، أو مساعدتهم بقبولهم كلاجئين في أوروبا.
وفق هذه القراءة يمكننا القول، إن المجموعة الغربية، كانت تريد من الثورة السورية أن تصير بؤرة جاذبة لصراعات إقليمية ودولية، صراعات مهمتها الرئيسة، استنزاف الأطراف المنخرطة فيها، ما يُفرغ الثورة من طاقتها الحيوية بالتغيير، ويسمح بتحويل هذه الطاقة إلى طاقة تدمير، وهو ما جرى فعلًا.
لقد تحولت سوريا بفعل هذه السياسة الغربية إلى دولة فاشلة، مهددة بالتقسيم، وكذلك سمحت هذه السياسة بترسيخ فهم لدى شعوب المنطقة، أن الغرب لا يهتم بحقوق الإنسان إلا في نطاق جغرافيته السياسية، وفي نطاق ما يستفيده من اتهامات يوجهها لأنظمة حاكمة سيئة.
هذا الفهم يدعونا للقول، إن الغرب لا يزال يمتلك هامشًا زمنيًا لمنع فرض حل سياسي في سوريا، وهو يتلطى كما أسلفنا خلف ضرورة تنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بالصراع في سوريا. الهامش الزمني المذكور يساوي بقيمته الإجرائية مزيدًا من استنزاف قدرات المنخرطين بالصراع دون حساب ما يلحق بالشعب السوري من أذى فاق كل تصور.
لهذا لا يمكن أن يكون بيان الرباعية الغربية أكثر من جدار جديد تتلطى خلفه هذه المجموعة كي لا تقوم بواجبها الأممي حيال المأساة السورية، وهو جدار يخفي خلفه قيمًا غير أخلاقية بترك المدنيين الآمنين عرضة للقتل والتهجير بلا رحمة على أيدي نظام يعترف الغرب أنه نظام ارتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
كان بإمكان هذه المجموعة الدولية ومنذ سنوات الدعوة لعقد مؤتمر دولي خاص بسوريا يخرج بقرارات ملزمة ويوقف الحرب فيها، قرارات يمكنها رسم مسار انتقال سياسي هادئ دون أن يكون قد هُدر هذا الحجم الهائل من دماء المدنيين الأبرياء.
فهل يستيقظ ضمير المجموعة الغربية وتدعو لمؤتمر دولي لحل الصراع في سوريا بعيدًا عن “فيتوهات” روسيا والصين، أم أن الأرض السورية لا تزال بحاجة لدماء أخرى؟