عماد نجم حسو
مع تزايد وتيرة الصراع شمال شرقي سوريا بين تنظيم “الدولة الإسلامية” وقوات الحماية الشعبية الكردية (YPG)، حيث سيطر التنظيم على أحياء من مدينة الحسكة وهجر عشرات الآلاف من السكان هناك، في الوقت الذي تقاتل فيه قوات الحماية جنبًا إلى جنب مع قوات الأسد.
كذلك سيطرت قوات (YPG) ومعها بعض فصائل المعارضة على مدينة تل أبيض بعد انسحاب التنظيم نتيجة لعمليات قصف التحالف، وردّ التنظيم بعمليات انتحارية داخل مدينة كوباني (عين العرب) وسيطر على بعض المباني هناك، مخلفًا 120 ضحية بحسب ما أورده ناطشون أكراد في المدينة.
وبذلك، وصل الاحتقان الإثني إلى مستويات تهدد بحرب أهلية بين العرب والأكراد وبصراع دموي قد يدوم طويلًا فيهدد بتفتيت التركيبة الاجتماعية وتغيير التوزع الديموغرافي لسكان شمال شرقي البلاد.
هذا الصراع الدموي بين مختلف الفصائل والتنظيمات العسكرية كان له تداعيات خطيرة على المدنييين وعلى وحدة الشعب السوري، حيث بدأت الأطراف بتراشق الاتهامات من عمليات تهجير عرقي للعرب والتركمان في مدينة تل أبيض بعد السيطرة عليها من الـ (YPG)، إلى ربط بعض الأكراد المجازر التي يقوم بها تنيظم “الدولة الإسلامية” بالعرب هناك، واتهامهم بأنهم الحاضنة للتنظيم، وبالتالي القيام بعمليات انتقامية هدفها التهجير العرقي والعمل على خلق كانتونات كردية في سوريا.
تصريح جميل بابك قائد قوات الحماية الشعبية الكردية لـ “صحيفة الشرق الأسط”، بأن سورية متجهة نحو التقسيم، شاب كردي يقوم بحرق القرآن الكريم في فيديو تداوله النشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاحنات و شتم وتوعد بالرد في جوّ من الحقد والكراهية.
أمام هذا الانحدار على مستوى السلوك والخطاب الإعلامي الذي يهدد بدق إسفين الحرب بين الكرد والعرب في البلاد و تمزيق سوريا الوطن الواحد كحاملة لكل السوريين، كان لا بد من صوت العقل لردء الصدع و إصلاح ما تم تشوييه.
“جيجاك نحن أخوة” هي إحدى المبادرات التي نظمها مجموعة من الناشطين العرب والكرد، في سيبل التخفيف من التوتر والـتأكيد على سوريا الطرفين عربًا وأكراد، يقول الناشط جيفارا نبي وهو أحد القائمين على الحملة: “نحن كسوريين نتألم لما آل إليه الوضع السوري من حقنٍ طائفي وإثني مسمومٍ بين مكونات الشعب السوري، كان للنظام دور كبير فيه إذ ساعد باتساع الشرخ بين السوريين جميعًا؛ من المهم العمل على الكثير من الحملات والإجراءات التي تعزّز الأخوة وتنبذ الحقد والطائفية”.
يكمل جيفارا “حملة جيجاك نحن أخوة هي دعوة للمحبة والسلام بين جميع السوريين عمومًا، وبين الكورد والعرب خصوصًا لاسيما بعد تزايد الاحتقان التي ساهمت التنظيمات المسلحة فيه بشكلٍ كبير”.
أنشطة متنوعة سترافق الحملة خلال الأيام القادمة، كحملات البخ والرسم على حيطان كلٍّ من حلب وريف إدلب، واعتصامات لناشطين في تلك المناطق تأكيدًا على الأخوة العربية الكوردية والهوية السورية الجامعة، وتذكيرًا بشعارات الثورة السورية “الشعب السوري واحد، ثورة لكل السوريين”.
كما ستنظم جلسة حوارية لنشطاء سوريين تتناول أسباب الاحتقان ونتائجه وبحث سبل تفاديها، إضافة إلى دور الفصائل المسلحة في إشعال الحالة، كتنظيمي حزب الاتحاد الديمقراطي، وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وعلى نسق موازي لحملة “جيجاك نحن أخوة” أطلق مجموعة مثقفين من كتاب وشعراء وفنانين بالإضافة إلى نشطاء مدنيين في الثورة السورية عربًا وأكراد، بيان “الوحدة الوطنية الكردية – العربية في سوريا”، إذ دعا البيان أبناء سوريا عامة، والنخب الثقافية والسياسية خاصة، إلى الابتعاد عن التورط في الفتنة وفضح الضالعين فيها والمروّجين لها، والعمل على تنقية الأجواء، والتشديد على نقاط التلاقي المشتركة، وإدانة كل من يحاول المسّ بالعلاقة الكرديّة – العربيّة بهدف جرها نحو الهاوية.
وتدين الحملة كلًا من تنظيم “الدولة الإسلامية”، ومن يبرر أفعاله، إلى جانب نظام الأسد وعلاقته بحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، ومطالب بفكّ الارتباط، مستنكرةً “جرائم وممارسات الحزب بحق المختلفين عنه في الموقف والرأي والسياسة من الكرد والعرب، ومؤكدةً على سوريا الوطن الواحد على اختلاف أفكارهم وإيديولجياتهم.
لا بد إذن لأبناء الثورة السورية من العمل للحفاظ على وحدة الوطن، إذ تهدف محاولات تكريس الانقسام الإثني والطائفي إلى ضرب وطنية الثورة وتحميلها وزر ما وصلت إليه البلاد من تشرذم وصراعات وتزييف للأهداف التي قامت من أجلها، بينما المستفيد الأول من ذلك هو نظام الأسد والدول الإقليمية ومن ورائها دولٌ عظمى تحاول تسويق مشاريعها بإشعال فتيل الصراع العرقي في البلاد.