أسماء رشدي
المال واحد من أهم أسباب النزاع والخلاف في الحياة الزوجية، والتي يمكن أن يكون أصعبها حلًا. فالأزواج عندما يتجادلون حول كيفية إنفاق المال فهم لا يناقشون مسألة في متناول اليد، مثل مصروف العائلة كل شهر، إنهم بذلك يعبرون عن مشاعر القلق اللاواعي المجهول بالنسبة لهم، وقد تكون هذه المشاعر لها علاقة بفقر عاشه أحد الشريكين خلال مرحلة ما، يسهم في جعله يكره إنفاق المال مثلًا.
الخبرات والتجارب السابقة يمكن أن تؤدي إلى عواقب غير مقصودة في وقت لاحق. مثلًا أحمد، يقول إن تجربته الأولى في إنفاق المال كانت من خلال خمس ليرات كان قد حصل عليها من عمّه في الرابعة من عمره، وتركت أثرًا عميقًا في نفسه بعد أن أخذتها منه والداته على الفور لكي تحتفظ له بها. ربما كان تصرف الأم حكيمًا في ذلك الوقت، ولكن الشيء الذي تعلمه أحمد حينها أنه في المرة القادمة التي سوف يحصل فيها على النقود، سيقوم بصرفها فورًا، لأنه لا يريد أن تؤخذ منه.
كيف يمكن للأزواج أن يجدو مخرجًا آمنًا وسليمًا وبدون مشاكل في كل مرة يتحدثون فيها عن فواتيرهم أو ميزانيتهم؟
هناك مكان واحد للبدء، وهو أن نعترف بأن الجميع يتفاعل عاطفيًا مع المال، ومن ثم لابد من التعرف إلى الذكريات والخبرات المبكرة لكل من الزوجين، والتي تدفعهما إلى سلوك ما.
مثلًا إذا أدركت الزوجة أن زوجها قد نشأ وتربى في حال من الفقر، وكنتيجة لذلك فهو يعاني دائمًا من خوف شديد من عدم وجود مال كاف لديه، فذلك سوف يساعدها في تفهم نقاشات زوجها عن المال.
ليس هناك قواعد موحدة وصارمة للتنبؤ حول كيفية تأثير أحداث معينة على مبدأ الشخص في تعامله مع المال. كما قلنا، فبعض الأشخاص قد يحاولون بكل طاقتهم توفير وجمع النقود بسبب الفقر الذي عانوه في طفولتهم، لكن هناك أيضًا آخرين بالرغم من فقرهم إلا أنهم لا يوفرون قرشًا واحدًا، لأنهم يعتقدون أنه لن يأتي يوم يكون هناك ما يكفي من النقود، لذلك: ما الفائدة من التوفير؟
فيما يلي بعض الأمثلة عن الخلافات التي تنشأ بين الأزواج حول الأمور المالية وكيفية حلها:
كيف يتم التعامل عندما يكون أحد الزوجين منفقًا والآخر مدخرًا؟
يعتبر هذا الخلاف المصدر الأكثر شيوعًا للتوتر المالي في العلاقة الزوجية، فأحد الزوجين يميل للإنفاق باندفاع ودون التفكير في المستقبل، بينما الآخر يريد أن يقتصد.
عندما اقترحت هدى على زوجها أحمد تناول الطعام في الخارج، كانت ردة فعله غاضبة. أحمد نشأ وترعرع مع شعور أنه لا يوجد ما يكفي، عاش فقيرًا ويعلم أن هناك أشخاص أغنياء. عاش على نحو بسيط قبل الزواج، وكان يعمل على توفير قسمًا كبيرًا من دخله وبشكل دائم، بينما تربت هدى في عائلة ذات مستوى مادي جيد، ولم تضطر للعمل قبل زواجها، ولم يسبق ووفرت قرشًا واحدًا. كانت تعتقد أن هناك وقت لاحق لذلك.
خلال فترة الزواج أرادت الزوجة شراء أريكة، ما سبب الكثير من الضغط والتوتر في علاقتها مع زوجها، فكل تفكيره يتركز حول احتمال أن يحدث له مجددًا ولأطفاله ما عاناه في طفولته. هناك الكثير من الصراعات حول الأمور المالية بينهما، وقد يبدو الأمر وكأن الزوج فقير جدًا الآن، إلا أنه في الواقع ليس كذلك، والسبب أنه اعتاد على العمل والادخار.
في هذه الحالة قد يكون من المفيد تعلّم الزوجين كيفية الاستماع لبعضهما. على هدى إعطاء الفرصة لأحمد للتكلم عن مخاوفه التي تجعله بحالة قلق تدفعه للتوفير بشكل غير طبيعي. ما هي خبراته المؤلمة والسعيدة في طفولته مع المال؟ ماذا تعلّم من والديه عن النقود؟ لقد أجاب أحمد بوضوح أنه لا يريد العودة إلى حياة الفقر مجددًا عن طريق صرف النقود.
قد يخفف من حدة الخلاف بين الطرفين أيضًا وضع أهداف محددة على المدى الطويل، وخطة مالية تكون كافية لتقليص معدل مدخرات الزوج بنسبة 20 بالمئة، وتقليل معدل صرف الزوجة بنسبة 20 بالمئة، بدلًا من قضاء وقتيهما في نقد وجهات نظر بعضهما الآخر، ليثبت كل طرف خطأ نظيره.
كيف يُدار الخلاف عندما يتحكم أحد الزوجين بالموارد المالية؟
غالبًا ما تحدث النقاشات والجدالات بين الأزواج لأنهم لم يتناقشوا أبدًا حول الكيفية التي سيتم بها اتخاذ القرارات المتعلقة بالمال، سواءً قبل الزواج أو بعده. ولكن على الرغم من أنهم لا يتحدثون بهذه المواضيع، إلا أن هناك من يتخذ القرارات المالية، وبالتالي تستمر التوقعات غير المعلن عنها بين الشريكين.
ولكن عندما يكون كلا الطرفين لديهما توقعات متضاربة، فإن أول خلاف حقيقي بينهما يتحول إلى ارتباك ومشكلة كبيرة، فالأزواج المثاليون يعتقدون أنهم طالما يحبون بعضهم فيجب أن تكون لديهم نفس الأهداف.
يمكن أيضًا أن تنشأ الصراعات عندما يكون هناك فرق كبير في دخل الشريكين، فيعتقد صاحب الدخل الأكبر أن لديه الحق في اتخاذ القرارات المالية.
ماذا يحدث عندما تختلف أولويات كل من الشريكين في المصاريف؟
يقول خبراء إن مفتاح الحل الوسط في هذه الحالة هو الإقرار والتحقق من حقيقة احتياجات كل طرف للآخر والتعاطف. ويتحقق ذلك بالسماح لكل طرف بالحديث والاستماع بإصغاء و إظهار التعاطف مع كلامه.
يجب ألا ننسى أن هناك اختلافات كبيرة بين الطرفين عند التعامل مع النقود، وذلك يعود لاختلاف طريقة تنشئة وتربية كل منهما فيما يتعلق بكيفية التعامل مع المال. هنا قد يفيد الأزواج أن يفكروا بخبراتهم وتجاربهم المتعلقة بالأموال خلال مراحل نموهم، لا لكي يحكموا على هذه التجارب ويصنفوها لتجارب سيئة وأخرى جيدة، وإنما لمساعدتهم على معرفة أنفسهم أكثر وكيف يفكرون بالأمور المالية.