تعا تفرج
لولصة في ذكرى الثورة
خطيب بدلة
“لولصة” كلمة تستخدم في بعض المناطق السورية للدلالة على عمل يقوم به شخص ما، أو مجموعة أشخاص، بهدف التسوية والإصلاح، وتكون النتيجة مزيدًا من الخراب والبهدلة، مثلما كنا نسمع بشار الأسد في سنة 2011 يتحدث عن نيته القيامَ برزمة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية، وفي اليوم التالي نرى بناء مهدمًا بقذيفة من مدفعية الجيش العربي السوري، وصاحب البيت واقفًا أمام البناء ويقول: هاي إصلاحاتك يا بشار؟!
في الحقيقة، إن اللولصة تصبح على أشدها حينما تكون القضية التي تجري معالجتها بالغة الصعوبة، أو داخلة في طريق مسدود، كالقضية السورية التي نتجت عن ثورة ما زالت تُضرب، وتُقمع، وتُمسح بها الأرض منذ تسع سنوات، ونحن اليوم لا نحتفل بذكراها، بل نتذكر تزامنَ انطلاقها مع افتتاح مجزرة وطنية مستمرة دون أي فاصل منشط، شارك فيها نظامٌ قتل مؤسسُه رفاقه، ونكل بخصومه ومعارضيه، وباع الجولان، والضفة، والقطاع، وتنازل عن الوحدة والحرية والاشتراكية والقيم الإنسانية، والأخلاق الحميدة، في سبيل الاستيلاء على البلد، وتحويلها إلى بقرة ذات ضروع عامرة بالحليب، يتصرف بها تصرف المالك بملكه، وينهبها، ويعيث فيها فسادًا، ثم يورثها لولد قاصر لا يتقن من فنون الحكم سوى القتل، والتهجير، واللت، والعجن، واللولصة، إضافة إلى قوى قادمة من أنشاح التاريخ، متسلحة بالحقد والكراهية والثارات وشهوة القتل، وعصابة إيرانية تستوطن جنوب لبنان يشوبر زعيمها بأصابعه، ويهدد بإرسال المئات من مرتزقته الطائفيين ليقتلوا السوريين ويخضعوهم، ودولة ورثت الأزرار النووية وحق النقض عن إمبراطورية فارطة، وزعيم لهذه الدولة يشبه زعماء المافيا، ودول صغيرة متناحرة تريد أن تصفّي حساباتها التافهة على أرضنا، فخلف لنا هذا كله موتًا وأشلاء وأنقاضًا وهجرات بأرقام وإحصائيات نتجنب معرفتها، ونشرها، باعتبارها مرعبة.
إذا فتحتَ اليوم أي موقع صحفي أو إخباري، واكتفيت بقراءة العناوين، ستكتشف أن اللولصة السورية واصلة لمحازم الخيل، فعلى الرغم من النقص الهائل في عدد جنود جيش الأسد أبي شحاطة، واستدعاء جيوش وعصابات وميليشيات لتشاركه الحرب على السوريين، يرسل ألفًا وخمسمئة عنصر للقتال إلى جانب الجنرال حفتر في ليبيا! ورئيس دولة يجلس في قصره الجمهوري متقلبًا على نار الشوق والجوى والفضول ليعرف ماذا تقرر في اجتماع بين دولتين متنازعتين على تقاسم النفوذ في دولته، وبجواره ترجمان خاص بترجمة بوتوكولات هذا الاجتماع لأنه مكتوب بلغات أخرى، فما إن يصل لمعرفة بعض التفاصيل حتى ينادي على الناطقة باسم قصره، ويطلب منها أن تصرح بأننا لن نوافق على وقف إطلاق النار حتى نحرر آخر شبر من تراب فلسطين! تقول له السيدة: قصدك الجولان؟ فيقول: آسف، قصدي محافظة إدلب، سنحررها حتى باب الهوى وباب السلامة.
اللولصة قطعت الطريق علينا نحن السوريين الذين وضعنا دماءنا على أكفنا لأجل أن نحصل على قليل من الحرية والديمقراطية والكرامة والتحضر، وجعلت أقصى آمالنا وتطلعاتنا أن نجد أرضًا نبني عليها كوخًا نعيش فيه دون أن تنهمر فوق رؤوسنا البراميل والقذائف!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :