“الدولة الإسلامية”.. السنة الأولى مرّت
محمد محمود ولد محمدو – المونيتور
نُشر في 25 حزيران 2015
(محمد محمود ولد محمدو هو نائب المدير والعميد الأكاديمي في مركز جنيف للسياسات الأمنية، وأستاذ مساعد في معهد الدراسات العليا في جنيف)
أعلن أبو محمد العدناني، المتحدث الرسمي باسم “الدولة الإسلامية في العراق وسوريا”، في بيان بتاريخ 29 حزيران 2014، تحول مؤسسته إلى ما يسمى “الدولة الإسلامية” لإعادة بناء الخلافة الإسلامية تحت قيادة “الخليفة” إبراهيم، أبو بكر البغدادي.
وبعد بضعة أيام في الرابع من تموز، ألقى البغدادي خطبة النصر في أحد مساجد الموصل، وهي المدينة التي انتزعها مع “قوات العاصفة” التابعة له من الجنود العراقيين في العاشر من حزيران 2014.
ويمكننا استخلاص ثلاثة دروس رئيسية من أحداث عام كامل لتنظيم “الدولة” وهو عامٌ جيدٌ جدًا بالنسبة لها؛ فهناك غياب لأي استراتيجية إقليمية أو دولية مقنعة لمواجهة هذه الجماعة، إلى جانب عواقب على المدى الطويل جراء التغييرات التي تتعرض لها بلاد الشام على يد “الدولة الإسلامية”.
سقوط الموصل ثاني أكبر مدن العراق كان تتويجًا للحرب الخاطفة للتنظيم التي بدأت شتاء عام 2013 في التوسع داخل العراق وسوريا، إذ سيطر على مدينة الرقة في أيار من ذلك العام، كما كانت مقدمة لمرحلة استراتيجية أوسع حاولت فيها الجماعة تعميق وتوسيع هيمنتها في المنطقة.
وأحكمت الجماعة سيطرتها خلال أيار من العام الماضي على الموصل والرقة، وسيطرت على مدينتين أخريين في العراق وسوريا وهما الرمادي وتدمر؛ كما تشرف على اقتصاد مساحات أكثر من الأراضي في بلاد الشام مع عائدات كبيرة بسبب مبيعات النفط من الحقول العراقية التي سيطرت عليها مسبقًا.
وتحرز الجماعة تقدمًا على العشائر المحلية، وتتخذ من سكان المدن التي تسيطر عليها دروعًا وتعيث إجرامًا، تدفع رواتب جنودها بينما تهجر السكان، دون أن توقف معاركها ضدّ الحركة الإسلامية العالمية الجبارة تنظيم القاعدة.
في هذا الصدد، تلقت المجموعة الجديدة في الإطار الزمني ذاته 21 تعهدًا بالولاء والبيعة أو تعبيرًا عن الدعم الرسمي لها من قبل مجموعات عديدة في جميع أنحاء العالم.
وفي الوقت الذي أطلق تنظيم القاعدة الامتيازات على مدى ثلاث سنوات (2004-2007)، استطاعت “الدولة الإسلامية” ذلك في غضون عام، إذ جاءها المؤيديون في محافظات ليبيا (أنصار الشريعة في درنة)، نيجيريا (بوكو حرام في مايدوجوري)، ومصر (أنصار بيت المقدس في شبه جزيرة سيناء).
وولدت مجموعة جديدة واحدة على الأقل وهي، (جند الخلافة) في الجزائر خلال أيلول عام 2014، والتي حملت هجمات باسمها في فرنسا خلال كانون الثاني، وفي تونس خلال شهر آذار، وفي نيسان داخل اليمن، ومرتين في السعودية خلال أيار أيضًا.
وفقًا للأمم المتحدة فقد توافد أكثر من 25 ألف مقاتل من حوالي 100 دولة من تشيلي إلى الصين.
وأخيرًا احتلت المجموعة كافة وسائل الإعلام الاجتماعية، وبدأت بإصدار تسجيلات مصورة عالية الجودة بخطى متسارعة تشبه أفلام هوليود، وألعاب الفيديو التفاعلية وكلها بلغات متعددة.
ولم يتمكن صناع السياسات الإقليمية والدولية من تحديد استراتيجية مقنعة حتى الآن في وجه هذه المسيرة المثيرة للإعجاب، إذ اكتفوا بالتذبذب بين تجاهل غير مسؤول لتقدم الجماعة؛ فالرئيس الأمريكي باراك أوباما أشار في كانون الثاني 2014، إلى أنه “إذا وضعنا على جايفي (لاعب كرة كرة قدم أمريكية) زيّ لوس أنجلوس ليكرز، فهذا لا يجعل منه كوبي براينت”، أو الإعلان عن زواله على وجه السرعة كوزير الخارجية الأمريكية جون كيري أعلن أن المجموعة هُزمت في 1 آذار.
ركزت عقلية الحكومات في مرحلة ما بعد هجمات 11 أيلول، بدلًا من ذلك على مصير المقاتلين الأجانب وإضعاف تنظيم القاعدة.
ولا نبالغ في الحديث أنه بعد 14 عامًا من الحرب العالمية على الإرهاب، والاستثمار الدولي غير المسبوق في مكافحة الإرهاب، كان هناك عجز محض لفهمه بشكل صحيح، أقل بكثير مما يليق بمعالجة ثورة “الدولة الإسلامية”.
ومع ذلك، لم يكن صناع السياسة الوحيدين دون المستوى، فقد ركز الخبراء على أي اسم غير منطقي (هل الدولة الإسلامية في بلاد الشام أو الدولة الإسلامية في العراق والشام أو داعش؟)، أو على دين المجموعة (كيف تكون الدولة الإسلامية مسلمة؟)، وردهم الغريب “ماهي القاعدة؟” أو “القاعدة ليست موجودة”، والتي كانت عناوين عام 2000.
وفي الوقت نفسه، برشاقة خطة نابليون ووحشية متطرفة وتصريحات أعدائها، غيرت “الدولة الإسلامية” على نحو واضح الشرق الأوسط أوائل القرن الحادي والعشرين من خلال نفوذها التكتيكي واحتلالها وعقدها السيطرة وانتشارها عبر الحدود الوطنية، وقتالها التحالفات على عدة جبهات وسيطرتها على الأراضي في أكثر من دولة، بالإضافة إلى توافد عشرات الآلاف من الرجال للانضمام إليها، ولكن من غير المعقول أن تخطط لإطلاق عملتها كما أعلنت في تشرين الثاني 2014.
ظهرت “الدولة الإسلامية” في فترة قصيرة من الزمن كما يمكن القول أنها أقوى جماعة مسلحة غير تابعة لدولة في التاريخ المعاصر.
النتيجة التي يمكن استخلاصها من تقدم الجماعة المستمر في بلاد الشام هو احتمالية أن يرفرف علم “الدولة الإسلامية” فوق المسجد الأموي في دمشق، الأمر الذي لا يمكن تصوره.
بالنسبة لجميع سيناريوهات الأزمة السورية، التوجه نحو القصر الرئاسي من المحتمل أن يلوح في الأفق كخبر عاجل. وبغض النظر عن هذا الأمر فإنه من المحتمل أن يهزم من قبل إحدى الفصائل الإسلامية، كجبهة النصرة، وهناك تصور عاجل آو آجل أن تطردهم “الدولة الإسلامية” كما فعلت في مكان آخر.
وما ستجلبه معركة دمشق على أي حال، هو احتمال أكبر لمزيد من الاشتباكات بين “الدولة الإسلامية” وحزب الله وبوسائل عديدة؛ البغدادي في مواجهة زعيم حزب الله في لبنان حسن نصر الله ستكون منطقية لتلخيص المعركة بين السنة والشيعة، ليس نيابة عن الدول التي تعاني من تفكك عسكري الآن وإنما بدلًا من تحريض الجماعات المسلحة للتدخل في شؤون الدولة.
ومن هذا المنطلق لتكون قصة صناعة “الدولة الإسلامية” مفهومة؛ إنها تحوّلٌ جذريٌ جزئيٌ عن الإرهاب الجديد والمزيد من المشاريع التخريبية، تحاول بناء الدولة من خلال تخطيطٍ تصاعدي للقوة والعنف.
ترجمة عنب بلدي، لقراءة المقال باللغة الإنكليزية من المصدر اضغط هنا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :