حباء شحادة | صالح ملص | زينب مصري | قتيبة الشيخ
ألهبت العصي ظهورهم العارية، بعد أن جردهم حرس الحدود اليوناني بالسلاح من أمتعتهم وثيابهم، وانهالوا عليهم بالضرب.. شهادات وصور واردة من الحدود التركية- اليونانية، حيث تجمّع عشرات الآلاف من المهاجرين، في محاولة للعبور إلى أرض الحلم.
ترك الآلاف حياة الصعاب وراءهم في تركيا، وقبلها بلدانهم التي غادروها، وسعوا للجوء إلى أوروبا، ليجدوا أمامهم تحصينات ومقاتلين ومعارك ليسوا أهلًا لمواجهتها، وهم من عاكستهم الظروف واقتلعتهم من ديارهم، مضطرين للبحث عن وطن بديل بلا أسوار.
السوريون بينهم ليسوا الأغلبية، لكنهم جزء، ومسبب في قرارات الحركة والتوقيف التركية والأوروبية، المدفوعة بمواقف سياسية ومخاوف أمنية وتحركات عسكرية، تحكم مصيرهم ومصير بلدهم.
لكن كل ما تعرض له المهاجرون على الحدود التركية- اليونانية، لا يعني بالضرورة أنهم سيعبرون، إذ ما زالت السلطات اليونانية تحجزهم خلف سياجها الحدودي الملاصق لولاية أدرنة التركية، ليظلوا عالقين بين بينين، إلى أن تتغير المواقف الدولية.
تسلط عنب بلدي في هذا الملف الضوء على أزمة اللاجئين ع الحدود البرية بين تركيا واليونان، والسياقات والخلفيات المرتبطة بالاتفاقات التركية- الأوروبية، وما نتج عنها من سياسات متعلقة بالأمر، كما تناقش دوافع السوريين لمغادرة تركيا وأضاعهم في اليونان، ومدى قانونية السلوك اليوناني تجاههم.
باب اليونان مغلق وباب تركيا مفتوح
لاجئون رهن خيارات سياسية
في 27 من شباط الماضي، أعلنت تركيا أنها لن توقف اللاجئين الذين يحاولون عبور حدودها إلى أوروبا، المغلقة منذ عام 2016، وردت اليونان بالاستنفار وتحصين الحدود في المقابل.
أتى القرار التركي بعد توجه مئات آلاف السوريين إلى حدودها الجنوبية هربًا من تقدم العمليات العسكرية لقوات النظام وحلفائه، وهي التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين حول العالم، بنحو 3.7 مليون.
قرار كانت قد هددت به تركيا أوروبا مرارًا خلال الأشهر الماضية، التي شهدت تحركها العسكري في شمال شرقي سوريا أولًا ثم في شمالها الغربي، وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بدأ تلك التهديدات بداية أيلول 2019، مطالبًا بدعم خططه للتعامل مع اللاجئين وإقامة “منطقة آمنة” على طول الحدود السورية- التركية لتوطينهم، وتسديد ما تبقى من التزامات أوروبا المالية لدعم اللاجئين.
وبموجب القرار التركي، وصل حتى صباح 2 من آذار الحالي، نحو 1200 شخص إلى جزر شرق بحر إيجة (ليسبوس وخيوس وساموس).
وتضم المجموعات المهاجرة مواطنين سوريين وأفغانيين وإيرانيين وسودانيين وغيرهم من الجنسيات، بما في ذلك نساء وأطفال وعائلات بأكملها، يصلون إلى الحدود البرية وهم في أوضاع “مزرية”، بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
ورصدت منظمة الهجرة الدولية ما لا يقل عن 13 ألف شخص يتجمعون على الحدود الرسمية بين بازاركوليه (على الجانب التركي)، وإبسالا (على الجانب اليوناني) وغيرهما من المعابر غير الرسمية.
واجهت اليونان موجات اللاجئين الأخيرة بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والأسلاك الشائكة، مع إيقافها قبول طلبات اللجوء الجديدة مدة شهر، وإعلانها عن ترحيل كل من يصل إليها بطريقة غير شرعية دون فحص طلباتهم.
تلاعب تركيا وأوروبا باللاجئين أثار حفيظة المنظمات الحقوقية والإنسانية التي أشارت إلى ما تمثله إجراءات الطرفين من خرق لاتفاقية اللاجئين الموقعة عام 1951 وللقوانين الأوروبية والدولية، وللواجبات الأخلاقية تجاه الأشخاص الفارين من العنف والفقر في بلادهم.
المصلحة “الأوروتركية” على حساب اللاجئين
قطع مئات الآلاف رحلة اللجوء الأخطر عالميًا للوصول إلى أوروبا منذ سبعينيات القرن الماضي، بعد فرض تأشيرات الدخول على شرائح كانت معفاة سابقًا، خاصة العمال من تركيا وشمال إفريقيا بعد ارتفاع مستويات البطالة في الدول الأوروبية عقب أزمة النفط عام 1973.
إلا أن أكبر موجات اللجوء ارتبطت بالنزاع السوري، الذي صدّر أكبر أعداد اللاجئين حول العالم منذ عام 2014، شهدت خلالها أوروبا وصول أكثر من مليون طالب لجوء إلى شواطئها الجنوبية خلال عام 2015، كان معظمهم من السوريين.
توصل مسؤولو الاتحاد الأوروبي مع المسؤولين الأتراك، في 18 من آذار عام 2016، إلى اتفاق لضمان إبعاد اللاجئين عن العتبات الأوروبية، وحصلت بموجبه تركيا على مجموعة من الامتيازات.
بنود الاتفاق التركي- الأوروبي 2016
– استعادة تركيا كل طالبي اللجوء الواصلين إلى اليونان بطريقة غير شرعية، أي إغلاق طرق التهريب عبر بحر إيجة.
– مقابل كل طالب لجوء معاد إلى تركيا ستستقبل أوروبا سوريًا آخر من المخيمات التركية، وهو ما كان من المفترض أن يتم تفعيله مع إيقاف طرق التهريب.
– تقديم الاتحاد الأوروبي مبلغ ستة مليارات يورو لمساعدة اللاجئين السوريين في تركيا، التي كانت أعدادهم تصل إلى 2.7 مليون.
– تسهيل حصول الأتراك على تأشيرات الدخول لدول الاتحاد الأوروبي، ودفع ملف قبول تركيا لتصبح من دوله الأعضاء.
قبل الاتفاق: “أهلًا باللاجئين”.. بعده: “فلنرفع الدرع”
أثارت نتائج الحرب السورية تعاطفًا عالميًا، بعد أن وثق الناشطون السوريون ما تعرض له المدنيون من القصف والحصار والتجويع أمام أعين العالم الذي وقف مكتوف اليدين، مقابل استخدام روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد أي مشاريع من مجلس الأمن للتحرك ضد النظام السوري.
توجه آلاف الأوروبيين إلى شواطئ المتوسط وإلى محطات القطارات حاملين الملابس والألعاب والأطعمة واللافتات العريضة التي كتب عليها “أهلًا باللاجئين” معبرين عن تعاطفهم ووقوفهم مع ضحايا “الكارثة الإنسانية الأكبر في القرن الواحد والعشرين”، وفق الوصف الأممي.
وفي حين كانت سياسة السويد في التعامل مع اللاجئين هي الأكثر جذبًا للسوريين بداية، إلا أن تغريدة ألمانية حولت مسارهم.
فبعد أن سُربت مذكرة داخلية من وكالة الهجرة الألمانية توضح استثناء السوريين من بعض شروط “معاهدة دبلن” كُتبت التغريدة التي جعلت ألمانيا الخيار الأول للمهاجرين.
معاهدة “دبلن” اعتمدتها دول الاتحاد الأوروبي عام 2003، وهي آلية لتحديد الدولة العضو المسؤولة عن فحص طلبات اللجوء، وغالبًا ما تكون تلك الدول هي دول الدخول الأولى، لكنها قد تكون أيضًا الدولة التي قدمت تأشيرة دخول لشخص قرر طلب اللجوء فيها بعد وصوله.وفي حين تسمح المعاهدة للدول الأعضاء باستقبال طلبات اللجوء من بعضها، لكنها لا تتضمن آلية لمحاصصة اللاجئين بعد قبولهم، ما يلقي مسؤولية معالجة طلبات اللجوء على عدد بسيط من الدول. |
وذكرت التغريدة المنشورة في 25 من آب عام 2015، من حساب وكالة الهجرة الألمانية عبر “تويتر”، “إجراءات دبلن للمواطنين السوريين لم تعد متبعة في هذا الوقت بشكل فاعل”.
غادر عشرات الآلاف من هنغاريا بعد يوم من التغريدة، متخلين عن جوازات سفرهم عند الحدود، واضعين ألمانيا نُصب أعينهم، ليتحول الترحيب بعدها إلى خشية وتردد وخوف، مع تحول الانتباه الأوروبي نحو “المخاطر” الديموغرافية والأمنية.
وفرضت ألمانيا والسويد ودول أخرى بعض القيود الحدودية، التي خالفت قانون التنقل الحر بين دول الاتحاد، المتفق عليه منذ عام 1995، في حين رفعت هنغاريا وسلوفانيا ومقدونيا سياجاتها الحدودية.
وسارعت دول الاتحاد إلى طاولة المفاوضات التركية حتى حصلت على اتفاقها بداية عام 2016، الذي أغلقت بموجبه حدودها الجنوبية، التي توفي على عتباتها خلال ذلك العام 5096 شخصًا، بعد بدء تنفيذ الاتفاق.
التخلي عن المسؤولية
وكانت دول الاتحاد الأوروبي أوقفت إجراءات الإنقاذ الحكومية التي كانت تقوم بها في البحر المتوسط مع نهاية عام 2014، فاضطرت المنظمات غير الحكومية لملء الفراغ، لكن سرعان ما تعرضت للهجوم، من تحقيق أو محاكمة، وفقًا لدراسة من مؤسسة “ReSOMA” البحثية.
وأشارت الدراسة إلى أن الأحكام القضائية بحق من يساعد المهاجرين قد تصاعدت منذ بدء ما يعرف بأزمة اللاجئين عام 2015، التي شهدت وصول مليون لاجئ ومهاجر إلى أوروبا خلال عام واحد، رغم انخفاض أعداد الواصلين عام 2018 بحوالي 90%.
ورغم حصول اليونان على مبلغ 1.6 مليار يورو من المساعدات المالية من الاتحاد الأوروبي لتحمل أعباء استقبال اللاجئين منذ عام 2015، أرغمتها تبعات تطبيق الاتفاق الأوروبي مع تركيا على المطالبة بتقاسم المسؤولية مع جيرانها الأوروبيين.
ففي حين قلص الاتفاق أعداد اللاجئين الواصلين إلى الشواطئ اليونانية، لم يسمح بنقل اللاجئين من الجزر قبل البت في طلبات لجوئهم.
ومع استقبال دول الاتحاد الأوروبي أكثر من 30 ألف طالب للجوء من اليونان وإيطاليا، بين عامي 2016 و2018، لكنها لم تتفق على آلية لتوزيع اللاجئين والحصص.
وأعلنت اليونان عن خططها في تسريع عملية النظر في طلبات اللجوء وإعادة المرفوضين، إلا أن نقص كوادرها، مع ارتفاع أعداد الواصلين منذ منتصف عام 2019 زاد من الضغوط التي تعانيها.
اليونان.. “درع” أوروبي ضد اللجوء
عمدت الحكومة اليونانية منذ فتح الحدود التركية نهاية شباط الماضي إلى استخدام نهج “الدفاع”، وهو ما دعمها به القادة الأوروبيون، حتى دعتها رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسلا فون دير لين، في 3 من آذار الحالي، بـ”الدرع” وتعهدت بتقديم الاتحاد لليونان دعمًا ماليًا بقيمة 700 مليون يورو، مع سبع سفن لخفر السواحل ومروحيتين وطائرة وآليات، وتوفير مئة من حرس الحدود الأوروبيين.
وسارعت ألمانيا لتوضيح موقفها من اللاجئين هذه المرة، بتغريدة جديدة من وزير الخارجية، هورست زيهوفر، الذي كتب عبر حسابه في “تويتر”، في 3 من آذار الحالي، “نحتاج إلى النظام على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. سوف ندعم اليونان بكل ما أوتينا من قوة في هذا الصدد. إن حدود أوروبا ليست مفتوحة أمام اللاجئين من تركيا، وينطبق هذا على حدودنا الألمانية أيضًا”.
لماذا يرغب اللاجئون بمغادرة تركيا؟
تغيب صورة مستقبله وعائلته في تركيا عن ذهنه، ويرسم قرار فتح تركيا حدودها أمام اللاجئين للذهاب إلى أوروبا، ملامح مستقبل جديد، فيترك زوجته وأبناءه الأربعة ويغادر العاصمة التركية، أنقرة، مكان إقامته منذ أربع سنوات ونصف، نحو الحدود التركية- اليونانية.
ينتظر رياض (35 عامًا) المنحدر من محافظة الرقة، منذ عشرة أيام في معبر “بازاركولي”، على الجانب التركي من الحدود، آملًا في تحرك يوناني أو أوروبي لفتح الباب والسماح للاجئين بالعبور إلى دول الاتحاد.
رياض شاب وحيد في عائلته بين خمس أخوات إناث، لجأ وعائلته إلى تركيا بعد أن رفض حمل السلاح في سوريا، يقول في حديث لعنب بلدي، إن تزايد “العنصرية” من قبل الأتراك، بعد مقتل جنودهم في إدلب، “وعلى الرغم من تعاطف السوريين معهم” من الأسباب التي دفعته إلى التفكير بالذهاب إلى أوروبا.
ومن الأسباب الأخرى، عدم وضوح المشهد السياسي والاقتصادي في تركيا، إذ يتخوف رياض من وصول الأحزاب المعارضة إلى سدة الحكم في تركيا، ما سيؤدي، من وجهة نظره إلى “تهديد حياة السوريين”.
وتزايدت تلك المخاوف الأمنية والقانونية بعد القرارات التركية التي اتُّخذت العام الماضي، وبدأت السلطات التركية في حزيران 2019، في ترحيل اللاجئين الذين لا يملكون أوراقًا رسمية إلى مراكز الإيواء المؤقتة، كما رحّلت السوريين المقيمين في اسطنبول الحاملين لبطاقات حماية مؤقتة (كيملك) صادرة من ولاية ثانية إلى الولايات التي استصدروا منها أوراقهم.
وتقدر المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية في موقعها الرسمي مجموع اللاجئين “المخالفين” في تركيا لعام 2020 بـ38 ألفًا و17 لاجئًا، تراجعت أعدادهم بنسبة 91% عن العام الماضي، إذ كان مجموعهم 454662، بينهم 55 ألفًا و236 سوريًا.
وبينما ينتظر الآلاف مع رياض على الحدود اليونانية- التركية، اختار الشاب عابد حوري العودة إلى ولاية اسطنبول التركية، بعد 14 ساعة أمضاها على الحدود، تحدث في أثنائها مع أحد عناصر الشرطة اليونانية، الذي أوضح له أن فتح الحدود أمر “مستحيل”، وعاش تجربة البرد واستنشاق الغاز والتخييم في العراء، وشهد في أثناء محاولته على استهداف اللاجئين بالغاز المسيل للدموع.
البحث عن الاستقرار وعن مكان أفضل للدراسة دون التفكير بالضغوط المادية وتزايد موجة العنصرية، من الأسباب التي دفعت عابد للتوجه إلى الحدود أملًا في الوصول إلى أوروبا، بعد قضائه ثلاث سنوات في تركيا، وفق ما قاله لعنب بلدي، لكن فكرة الهجرة ما زالت حاضرة، لكنه يبحث عن طرق “شرعية” أخرى للذهاب.
ينصح عابد (21 عامًا) في منشور كتبه على صفحته الشخصية في موقع “فيس بوك” الأشخاص اللذين لا يزالون يفكرون بالذهاب إلى الحدود بعدم خوض التجربة لئلا يخسروا “وقتهم وأموالهم وصحتهم”، إذ يرى أن اليونان لن تفتح حدودها.
وعلى الرغم من نصائح نُشرت لناشطين ولاجئين وصلوا إلى الحدود وشهدوا على الأحداث الحاصلة هناك، يتوالى وصول لاجئين، إذ بلغت أعداد المغادرين من الأراضي التركية إلى الحدود اليونانية 142 ألفًا و175 شخصًا، بحسب تغريدة لوزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، عبر حسابه الرسمي على موقع “تويتر”، في 6 من آذار الحالي.
ورغم أن المهاجرين ليسوا سوريين فقط، لكن الإعلام التركي سلّط الضوء على وجودهم أكثر من غيرهم لارتفاع أعدادهم في تركيا، حيث يقيم في تركيا ثلاثة ملايين و587 ألفًا و266 لاجئًا سوريًا تحت الحماية المؤقتة (لا يحصل أغلبيتهم على أي مساعدات)، ويحتلون المرتبة الثالثة بعد العراقيين والتركمانستانيين من حيث أعداد الأجانب المقيمين في تركيا بموجب تصريح إقامة، بمجموع 117 ألفًا و579 سوريًا، وفق إحصائيات المديرية لعام 2019.
في حين يحل السوريون في المرتبة السادسة من حيث إقامتهم بموجب تصاريح إقامات عائلية، إذ بلغ عددهم لعام 2019، 2913 سوريًا، وتبلغ أعداد الحاصلين على إقامات سياحية قصيرة الأمد 101 ألف و742 سوريًا.
ويقيم ثمانية آلاف و400 سوري وفق تصاريح عمل، في حين يقيم أربعة آلاف و133 طالبًا سوريًا في تركيا بموجب الإقامة الطلابية.
“معتقلون” داخل اليونان..
مصير السوريين رهن البيروقراطية الأوروبية
“يعطونك خيمة وغطاء ويقولون لك تستطيع الخروج، لترى مشهدًا مزريًا، وترابًا وقمامة ووضعًا لا يطاق، لا أعرف كيف سأبدأ بالشرح، حتى النزوح في الداخل السوري أهون من هنا”.
تفاجأ أبو فادي، الذي تحفظ على نشر اسمه، بما وجده في اليونان، بعد أن خاض رحلة كادت أن تودي بحياته وحياة زوجته في البحر، رأى فيها “الموت” قبل الوصول إلى شاطئ جزيرة كيوس.
غادر تركيا بعد أزمة “الترحيل” خلال الصيف الماضي، رغبة في الحصول على حياة أفضل، لكن حال المخيمات اليونانية كان “أسوأ” مما استطاع احتماله، وبعد أربعة أشهر بدأ أبو فادي يفقد الأمل، وغادر مخيم “فيال”، مجازفًا بإثارة غضب السلطات.
واجهت حكومة اليونان النقد من المنظمات الحقوقية والإنسانية، على حال مخيماتها التي تنوعت أوصافها من “المروعة” و”المزرية” و”اللاإنسانية” و”شبيهة الجحيم”، وهي تضم 36 ألفًا في منشآت مصممة لإيواء 5.4 ألف شخص فقط، وفق بيانات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
رعاية صحية سيئة، غياب خدمات، بطء إجراءات اللجوء، وظروف صعبة يعيشها لاجئون سوريون في مخيمات جزر إيجة، التي أنشأتها اليونان لاستقبال القادمين عبر البحر من تركيا، وصل فيها الازدحام إلى حد تشارك كل 300 شخص بمرحاض واحد في جزيرة ساموس، وكل 506 أشخاص بحمام في مخيم “موريا”.
ظروف زادتها قوانين الحكومة اليونانية صعوبة، وهي التي تنص على إيقاف قضايا اللجوء في حال اعتُبر طالب اللجوء غير متعاون مع السلطات، لقيامه بأمور بسيطة مثل تغيير مكانه ضمن المخيم.
اضطر أبو فادي لدفع مبلغ أربعة آلاف دولار أمريكي للوصول إلى اليونان، حيث يتلقى كل لاجئ مبلغ 90 دولارًا شهريًا، في حين يحتاج طالب اللجوء إلى 100 دولار إضافية على الأقل ليعيش، حسبما قال لعنب بلدي، مضيفًا أنه “إذا لم يرسل لك أحد من خارج اليونان مالًا، لن تأكل ولن تشرب”.
في حين تمنع الحكومة عمل اللاجئين على جزرها، وهي التي لا تملك مصانع ولا فرص عمل متاحة، مع اعتمادها على السياحة كمصدر للدخل.
يخشى أبو فادي رفض الحكومة اليونانية طلب لجوئه، وهو واحد من 90 ألف طلب تدرسه اليونان، معتبرًا أن رفضه سيكون بمثابة “كارثة” له ولزوجته بعد ما مرا به وعانياه.
تجري المقابلة الأولى مع السلطات اليونانية ما إن يصل اللاجئ إلى الجزر، ووفقًا للقانون اليوناني الجديد، الذي أُقر في تشرين الأول من عام 2019، فإن أفراد الشرطة والجيش يجرون المقابلات مع طالبي اللجوء بعد أن كان يجريها الموظفون اليونانيون.
ومن خلال القانون، يكون استئناف الطلبات والاعتراض على الرفض أصعب، بعد أن منعت الحكومة مشاركة موظفي مفوضية اللاجئين بعملية إعادة التقييم، كما سمحت باحتجاز طالبي اللجوء المرفوض طلبهم حتى 18 شهرًا.
في المقابلة الأولى والثانية تؤخذ المعلومات العامة عن الشخص، ثم يدقق في معلوماته في مقابلة ثالثة، تعتبر حاسمة في مسألة القبول، يركز فيها على سبب الخروج من تركيا، لكن معظم طلبات لجوء السوريين تأتي بالرفض، والسبب، حسبما قال أبو فادي، “أنك أتيت من بلد آمن”.
الأمر مختلف بالنسبة لسوريين آخرين عالقين على الحدود اليونانية، فهم ما زالوا على أمل الوصول إلى اليونان، لخوض رحلة مشابهة للتي خاضها أبو فادي، عسى أن يصلوا يومًا إلى أوروبا.
حدود مغلقة وإجراءات أمنية “غير قانونية”
على أي أساس تستند اليونان لمنع إدخال اللاجئين؟
اتخذت الحكومة اليونانية إجراءات أمنية مشددة على الحدود، مع نيتها وضع جدار عائم يمتد 2.7 كيلومتر، ويبلغ ارتفاعه 1.10 متر، لجعل وصول طالبي اللجوء إلى أراضيها وشواطئها أمرًا صعبًا، بالتزامن مع تكثيف مراكز وأبراج مراقبة الحدود البرية مع تركيا، وزرع المزيد من الأسلاك الشائكة عليها، وفقًا لما أعلنته وزارة الدفاع اليونانية.
جاءت التدابير الأمنية هذه، عقب يومين من الاشتباكات بين مئات المهاجرين والقوات اليونانية على الحدود، وإعلان رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، منع اللاجئين السوريين على الحدود التركية- اليونانية من الدخول.
وطالبت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الحكومة اليونانية بالتحلي بالهدوء، والتخفيف من حدة التوترات القائمة على الحدود التركية مع الاتحاد الأوروبي.
وركزت المفوضية في بيان لها، في 2 من آذار الحالي، على أن أهم نقطة حاليًا هي امتناع الحكومة اليونانية عن استخدام القوة المفرطة، أو تدابير غير متناسبة، من شأنها أن تزيد من معاناة اللاجئين الأكثر ضعفًا في الوقت الراهن.
وأكدت المفوضية على أن لجميع البلدان الحق، بموجب القوانين الدولية، في السيطرة على حدودها وإدارة التحركات غير النظامية، بشرط أن تكون لدى هذه الدول أنظمة للتعامل مع طلبات اللجوء بطريقة منظمة.
ولا ينفي إجراء الدولة بحماية حدودها، الحق الإنساني المعترف به دوليًا، والمتمثل في منح إمكانية طلب اللجوء، الذي يندرج ضمن مبدأ عدم الإعادة القسرية المذكور في قانون الاتحاد الأوروبي.
منع دخول وتعليق طلبات
في 1 من آذار الحالي، رفضت اليونان النظر في طلبات اللجوء الجديدة لمدة شهر، مع تمكن مجموعات لاجئين صغيرة من الوصول إلى أراضيها، عبر بحر إيجه، وعبر الشريط الحدودي إلى داخل.
وعن رفض النظر في طلبات اللجوء، قال المحامي والناشط الحقوقي غزوان قرنفل في حديث لعنب بلدي، إن هذا القرار غير قانوني ويتعارض مع بنود الدستور اليوناني، وبالتالي يتعين على الحكومة اليونانية منح حق اللجوء لمواطني بلدان أخرى ممن يسعون إلى عبور أراضيها للوصول إلى بلدان أوروبية أخرى.
وفسر قرنفل عدم قانونية القرار، بأن اليونان هي دولة طرف في الاتفاقيات الأوروبية الخاصة بشؤون اللاجئين وحمايتهم، وتقع هذه الاتفاقيات بمرتبة أعلى من القانون الوطني اليوناني، أي لا يحق للسلطات التشريعية والتنفيذية اليونانية تشريع وإجراء أي قرار يخالف بمضمونه بنود الاتفاقيات الدولية الملزمة لليونان، كونها وقعت وفقًا لإرادتها الكاملة.
كل الأطراف مقصرة
وتعد اليونان بوابة المهاجرين الأولى نحو أوروبا، حيث شهدت تدفقًا جماعيًا عامي 2015 و2016، إلى أن تم الاتفاق بين تركيا والاتحاد الأوربي تحت اسم “إعادة القبول” في آذار عام 2016.
الاتفاق الأوروبي- التركي يفرض التزامات بين الطرفين المتقابلين، ويقتضي أن تعيد اليونان اللاجئين الواصلين إلى أراضيها بطريقة غير شرعية، وفي مقابل ذلك، تلتزم اليونان والبلدان الأوروبية باستقبال نفس عدد اللاجئين العائدين إلى تركيا، بطرق قانونية، بمعنى الذهاب جوًا إلى البلدان التي توافق على استقبالهم في القارة الأوروبية، في حال توفرت فيها كل العوامل المناسبة لإيواء اللاجئين.
أوروبا وتركيا لم تلتزما بهذا الاتفاق، وفق ما يراه قرنفل، ولم يُطبّق سوى على دفعتين فقط من اللاجئين بأعداد قليلة، منذ التوصل إليه.
إجراءات دون سند قانوني
لم تستند الحكومة اليونانية إلى أي أساس قانوني لتعليق تلقي طلبات اللجوء، بحسب اتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئ، كما ورد في موقع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
واستخدمت الحكومة اليونانية المادة 3/78 من معاهدة “أداء الاتحاد الأوروبي” تجاه اللاجئين.
هذا البند يسمح باتخاذ تدابير مؤقتة من قبل المجلس الأوروبي، بناء على اقتراح من المفوضية وبالتشاور مع البرلمان الأوروبي، في حالة مواجهة واحدة أو أكثر من الدول الأعضاء لحالة طوارئ.
تتميز هذه الحالة بـ” تدفق مفاجئ” من مواطنين من بلدان ثالثة، لكن لا ينبغي، بحسب المفوضية، معاقبة الأشخاص الذين يدخلون بصورة غير قانونية إلى أراضي دولة من الدول الأعضاء، إذا ما توجهوا بأنفسهم إلى السلطات طلبًا للجوء.
وتحولت بعض مخيمات اللاجئين إلى أشبه بالسجن، بسبب تعليمات الحكومة اليونانية لمنع خروج اللاجئين من مخيماتهم، الأمر الذي أصبح كإقامة جبرية، وفق ما نوه إليه المحامي غزوان قرنفل، وهذا يعتبر جريمة حجز حرية الفرد، التي تخالف مضامين القانون الدولي الإنساني.
ويشدد قرنفل على أهمية القضاء في هذه المسألة، إذ بإمكان الشخص المتضرر من هذه التدابير الأمنية اللجوء إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية لإلغاء مثل هذه القرارات، وأخذ حقه من العناية الطبية اللازمة الغائبة في المخيمات بالوقت الحاضر، بالإضافة لوضع الأمن الغذائي الضعيف، وتكاد المخيمات تشبه “المعتقلات النازية” بحسب تعبير قرنفل.
هل سيعبر اللاجئون؟
تشير التصريحات الرسمية والتحركات اليونانية إلى عدم النية بفتح الحدود، رغم عدم قانونية هذا الإجراء، كما توحي شهادات اللاجئين ومحاولاتهم المتكررة بعدم إمكانية الدخول إلى الأراضي اليونانية.
عنب بلدي أجرت استطلاعًا للرأي عبر صفحتها على فيس بوك، سألت فيه متابعيها عن توقعاتهم فيما يخص دخول اللاجئين إلى اليونان، لتنقسم الآراء وتميل إلى الاحتمال الأسوأ.
56٪ من المشاركين في الاستطلاع، الذين وصل عددهم إلى 4100، يعتقدون أن اليونان ستعيد اللاجئين إلى تركيا، بينما يخالفهم في الرأي 44٪.
أما الرأي القانوني فيقول إن على اليونان فتح الحدود واستقبال اللاجئين بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، حيث من المفترض أن يتم توزيعهم.
وبحسب المحامي غزوان قرنفل، لا يجوز أن يقع عبء إقامة الأماكن المخصصة الآمنة من مخيمات ومراكز إيواء للاجئين على الحكومة اليونانية وحدها، بل ولكونها عضوًا في الاتحاد الأوروبي، يجب أن تمنح البلدان الأوروبية لبعضها حصصًا من أعداد اللاجئين الموجودين على الأراضي اليونانية.
تطبيق ذلك، سيمنح اللاجئين العالقين فرصة الوصول إلى حلمهم، دون المكوث طويلًا في الأراضي اليونانية، أما العودة إلى تركيا فستؤخرهم عنه خطوة إلى الوراء.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :