صحفيات سوريات يواجهن واقعهن في إدلب
عنب بلدي – زينب مصري
بعبارة “أنا بخير، شكرًا على دعمكم الذي يعني العالم لي”، نفت الصحفية العاملة في محافظة إدلب ميرنا الحسن، إشاعة الاعتداء عليها من قبل أربعة عناصر من “الجيش الحر”، التي أطلقها النائب في مجلس الشعب السوري فارس الشهابي، عبر تغريدة نشرها في حسابه الرسمي على موقع “تويتر”، وتناقلتها صفحات موالية للنظام السوري.
بدأت ميرنا عملها في الصحافة المكتوبة والمسموعة مع بداية الثورة بشكل سري من خلال التنسيقيات، وعبر مجموعة من الشباب في المحافظات السورية المختلفة بإمكانيات “متواضعة”، وانتقلت في عام 2015 إلى العمل بشكل علني في الصحافة المرئية، إذ اختارت مهنة الصحافة لـ”تكون صوت المستضعفين وصوت الفئة الأكثر تضررًا في الحرب، النساء والأطفال”، بحسب ما تقوله لعنب بلدي.
تعرضت خلال عملها سابقًا لكثير من “الشتائم والإهانات ورسائل التهديد”، سواء من المجتمع المحيط أو من موالين للنظام، لكنها كانت تحول هذه “الإهانات” إلى “قوة” لتثبت نفسها في مجال عملها، لذلك لم تكن تصرح عنها.
تقول ميرنا، “منذ اختياري لهذه المهنة كنت أعرف أن الطريق صعب وطويل وليس معبدًا بالورود، المهنة مهنة متاعب على الرجال، فكيف تكون على النساء في مجتمع محافظ نوعًا ما”.
تعاملت الصحفية الشابة مع الحملة الأخيرة التي تعرضت لها “بكل روح رياضية”، بحسب تعبيرها، ولم تتوقع “الكم الهائل” من رسائل التشجيع والمحبة والتضامن من المجتمع المحيط القريب أو البعيد، ومن بلدان حول العالم.
وتضيف أن الحملة لم تؤثر عليها شخصيًا بشكل سلبي، لكنها تعكس على المستوى المهني صعوبة من الصعوبات التي تتعرض لها الصحفيات والعاملات في المجال الإعلامي بإدلب.
تشعر ميرنا بالفخر لأنها “تستطيع إيصال رسالة للموالين وللعالم، لممارسة عملها في مكان يقول عنه الموالون إنه مكان يضم إرهابيين ومتشددين”.
أعمال مهينة
في بيان صحفي، أدانت منظمة “مراسلون بلا حدود” الحملة التي تعرضت لها ميرنا، واصفة إياها بـ”الأعمال المهينة التي لا يمكن تبريرها تحت ذريعة الاستقطاب الإعلامي في سياق الصراع”.
كما أدانت “رابطة الصحفيين السوريين” عبر بيان على موقعها الرسمي، ما تعرضت له ميرنا، مشيرة إلى أنها “ممارسات لا أخلاقية” تنم عن “كراهية” من قبل موالين للنظام السوري.
وتضم مديرة التواصل في معهد “صحافة السلم والحرب” (IWPR)، الصحفية زينة ارحيم، صوتها إلى الأصوات التي تدين الحملة، وتقول إن ما جرى هو حملة تشويه “ذكورية” لا أكثر، لعبت على وتر الشرف الحساس في المجتمع الذي تعيش فيه ميرنا، ولا تهدف لمحاججة المحتوى الذي تقدمه، وإنما هي “مشخصنة” لدفعها لترك العمل الإعلامي.
وتصف ارحيم، في حديثها لعنب بلدي، الحملات التشويهية والمشخصنة تجاه الصحفيات والناشطات بـ”الخطيرة لدرجة كبيرة”، وذلك للمخاطر الجسدية التي يمكن أن تلحق بهن، إضافة لـ”الاغتيال المعنوي” الذي قد يدفع بالعديد منهن لترك العمل والانزواء بعيدًا عن النشاط العام.
ولا تستطيع ميرنا مقاضاة أصحاب الحملة في سوريا في ظل عدم إقامتها في بلد تحمي قوانينه حرية الصحافة، ولغياب الإجراءات التنفيذية للقوانين التي تحمي الصحفيين في سوريا.
صعوبات تواجهها الصحفيات
تواجه الصحفيات والعاملات في المجال الإعلامي بإدلب عدة صعوبات، أبرزها العادات والتقاليد التي كسرتها الصحفية العاملة في إدلب سلوى عبد الرحمن، التي بدأت عملها في عام 2015.
تقول سلوى لعنب بلدي إن أول ظهور لها أمام الكاميرا لم يكن “مزعجًا” للمجتمع المحيط وإنما كان كسرًا للعادات، الأمر الذي تقبلته عائلتها مع الخوف عليها من استهداف النظام لها بشكل مباشر.
وتضيف أنه من المخاوف التي تواجهها الصحفيات في أثناء عملهن “الاعتقال”، فمن الأمور التي تقلقهن “سؤال الأمنيين عنهن”، لكن سلوى تشير إلى أنها تجاوزت مرحلة الخوف.
وتحاول “قدر المستطاع” الموازنة بين عملها ومنزلها، وترى أن الإعلام “بحر كبير”، وليس من الضروري الإلمام بكل التفاصيل، ولكنه من المهم “اتخاذ مسار معين” واحترافه، ولا تواجه سلوى صعوبات على الصعيد المهني لأن “المجال مفتوح للتعلم” وهي تتعلم دائمًا.
تدرس سلوى الأدب الإنجليزي بعد دراستها في معهد للإعلام، وتريد إيصال رسائلها في أثناء عملها الصحفي باللغة الإنجليزية للعالم، وترى أن الإعلام “مهمة لخدمة الضعفاء وتسليط الضوء على قضايا مهمة مثل الفساد” قبل أن يكون مهنة.
ترى الصحفية زينة ارحيم وجود طبقات مختلفة من الصعوبات التي تواجهها الصحفيات الفاعلات في الشمال السوري، أبرزها إظهار الصحفية لوجهها أمام الكاميرا، وخاصة إن كانت عازبة أو صغيرة في السن، إذ إن لباسهن وحركاتهن وتحركهن المحدود ومع من يعملن “كله تحت المجهر”، وأي خطأ أو “ما يمكن أن يعتبره أحد الفصائل المسلحة خطأ ترتكبه الصحفية” من الممكن أن يودي بحياتها المهنية أو حتى حياتها الفعلية.
وفي الوقت الذي تضم فيه محافظة إدلب 60 صحفية، وفق ما نقلته منظمة “مراسلون بلا حدود” عن “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، تحتل سوريا المرتبة 174 من أصل 180 بلدًا في ذيل قائمة التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2019.
ولا تقتصر الصعوبات على العادات والتقاليد التي كُسرت من قبل العديد من الصحفيات والإعلاميات، إذ يعد الانفلات الأمني، والقصف المتكرر على مناطق المعارضة، والاستهداف المباشر للصحفيين، والمضايقات من عناصر تابعة لفصائل معينة، بالإضافة إلى الأمور اللوجستية من انقطاع للكهرباء وضعف في خدمات الإنترنت ونقص في المعدات، من الأمور التي تقف عائقًا أمامهن.
ووثق “المركز السوري للحريات الصحفية” (SCJF) في تقريره السنوي لعام 2019، مقتل سبع إعلاميات و14 حالة اعتقال من مجموع الانتهاكات الحاصلة ضد العاملات في المجال الصحفي والإعلامي في سوريا منذ بدء الثورة عام 2011 حتى العام الماضي، والبالغ عددها 35 انتهاكًا، مشيرًا إلى أن النظام السوري يحتل المرتبة الأولى على قائمة الجهات المرتكبة للانتهاكات ضد المرأة الإعلامية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :