بين أيلول 2018 وآذار 2020.. اتفاقان غيرا شكل إدلب
عنب بلدي – تيم الحاج
شهدت محافظة إدلب ومناطق أخرى من شمال غربي سوريا خلال نحو 18 شهرًا، منذ أيلول 2018 حتى آذار 2020، عدة هجمات عسكرية لقوات النظام السوري بدعم بري من قبل الميليشيات الإيرانية، وجوي من قبل روسيا.
أفرزت هجمات النظام الأخيرة اتفاقين بين أنقرة وموسكو، أحدثا تغييرًا جذريًا في شكل السيطرة على المناطق التي شملاها، لتتراجع سيطرة الفصائل لمصلحة تقدم قوات النظام، بالإضافة إلى خلو مدن كبيرة من آلاف السكان، بعد مجازر نفذتها الطائرات الروسية جعلت الحدود التركية- السورية تكتسي باللون الأبيض الذي يمثل لون مخيمات النازحين من إدلب ومحيطها، الذين هربوا من عمليات القصف.
أيلول 2018
كانت روسيا وقوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية قد أكملت استعداداتها لشن هجوم عسكري على محافظة إدلب في أيلول 2018، التي تسيطر عليها فصائل المعارضة و”هيئة تحرير الشام”.
إلا أن اتفاقًا جرى بين الرئيسين، التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين، في 18 من الشهر نفسه، أوقف ذلك الهجوم.
ونص الاتفاق حينها، على الإبقاء على منطقة “خفض التصعيد” في إدلب، وتحصين نقاط المراقبة التركية واستمرار عملها، وإقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15- 20 كيلومترًا داخل منطقة “خفض التصعيد”.
كما نص على سحب جميع الدبابات وقاذفات الصواريخ المتعددة الفوهات والمدفعية ومدافع الهاون الخاصة بالأطراف المتقاتلة، من داخل المنطقة المنزوعة السلاح بحلول 10 من تشرين الأول 2018، وقد التزمت الفصائل بهذا البند في حين لم يلتزم النظام بذلك، وفق المعطيات على الأرض.
كما تقوم القوات المسلحة التركية والشرطة العسكرية الخاصة بالقوات المسلحة التابعة للاتحاد الروسي، بدوريات منسقة وجهود مراقبة باستخدام طائرات من دون طيار، على امتداد حدود المنطقة المنزوعة السلاح.
ومن بنود “سوتشي” أيضًا، تتكفل تركيا بإبعاد جميع الجماعات التي وصفها البيان بـ”الإرهابية الراديكالية” عن المنطقة المنزوعة السلاح، بحلول 15 من تشرين الأول 2019.
واستخدمت موسكو هذا البند كورقة ضغط على تركيا، واتهمتها بعدم الالتزام بإخراج “المجموعات الإرهابية”، وهو ما ظهر جليًا في تصريحات المسؤولين الروس مؤخرًا في أثناء الحملة الأخيرة على إدلب، في كانون الثاني وشباط الماضيين، لتبرير هجوم النظام.
ولعل من أهم بنود الاتفاق، هو استعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين “M4″ (حلب- اللاذقية) و”M5” (حلب- حماة)، وضمان حرية حركة السكان المحليين والبضائع، واستعادة الصلات التجارية والاقتصادية، وهو ما لم يتم تطبيقه وفق الجدول الزمني للاتفاق، إذ كان محددًا بحلول نهاية عام 2018، ما جعل معظم المراقبين يتوقعون أن تسعى روسيا لتفعيل هذا البند لاحقًا، وهذا ما حصل في الحملة العسكرية الأخيرة.
وعند توقيع اتفاق “سوتشي” كانت فصائل المعارضة تسيطر على مناطق واسعة في محافظة إدلب، أبرزها مدن رئيسة تقع على الطريق الدولي “M5″، كمدينة خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب، بريف إدلب الجنوبي، بالإضافة إلى مورك وكفرزيتا بريف حماة الشمالي، إلى جانب وجودها في ريفي حلب الغربي والجنوبي اللذين يشرفان على نفس الطريق.
آذار 2020
منذ نوقيع اتفاق “سوتشي” المتعلق بإدلب، شنت روسيا والنظام السوري خمس حملات عسكرية، بدأت أول حملة بعد شهر من توقيت الاتفاق، أي في تشرين الأول 2018، في حين بدأت الأخيرة في كانون الثاني الماضي، وانتهت باتفاق جرى توقيعه في موسكو بين أردوغان وبوتين في 5 من آذار الحالي.
وبالنظر إلى الخريطة التي أفرزها الاتفاق ومقارنتها مع الخريطة التي أفرزها اتفاق “سوتشي”، يلاحظ أن المعارضة السورية خسرت مناطق واسعة من أرياف حلب وحماة وإدلب.
وباتت سيطرة المعارضة في إدلب محصورة بعدة مناطق قريبة من الشريط الحدودي مع تركيا، مع احتفاظها بمدن تقع عى الطريق الدولي “M4″، وسط توقعات باستكمال روسيا حملتها في المنطقة وانتزاع هذا الطريق من المعارضة، استنادًا إلى التصريحات السابقة للمسؤولين الروس، التي تتحدث عن ضرورة استعادة النظام لكامل الجغرافيا السورية.
ونص اتفاق آذار الذي جاء عقب محادثات استمرت خمس ساعات بحضور كبار المسؤولين من روسيا وتركيا، على وقف إطلاق النار في إدلب على خط التماس الذي تم إنشاؤه وفقا لمناطق “خفض التصعيد”، وإنشاء ممر آمن بطول ستة كيلومترات إلى الشمال وجنوب الطريق”M4” في سوريا.
إضافة إلى العمل على توفير حماية شاملة لكل السوريين وإعادة النازحين، وتسيير دوريات تركية وروسية، ستنطلق في 15 من آذار الحالي، على امتداد طريق حلب- اللاذقية (M4) بين منطقتي ترنبة غرب سراقب، وعين الحور بريف إدلب الغربي.
ويشير الاتفاق إلى عدم انسحاب قوات النظام السوري إلى حدود اتفاق “سوتشي” السابق، وتثبيت الواقع العسكري الحالي.
وكان أردوغان صرح مرارًا بأن تركيا تريد تراجع قوات النظام السوري إلى خلف نقاط المراقبة التركية، التي رسمها اتفاق “سوتشي” الموقّع في أيلول 2018.
ومطلع شباط الماضي، أعطى الرئيس التركي مهلة لقوات النظام كي تنسحب من المناطق التي سيطرت عليها خلال الحملة الأخيرة على أرياف إدلب وحلب وحماة.
ومن أهم المناطق التي سيطر عليها النظام السوري ولم ينسحب منها، وفق الاتفاق الحالي، خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب في ريف إدلب، إضافة إلى ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :