عن الغارات و”كورونا” والإنترنت في دمشق

  • 2020/03/08
  • 11:57 ص

سيارات أجرة في ساحة السبع بحرات وسط العاصمة دمشق- 20 نيسان 2019 (عنب بلدي)

دمشق – نور الهدى خياطة

بشكل دوري، كل أسبوع أو أسبوعين، تدوي الانفجارات في العاصمة دمشق بشكل واضح لمدة دقائق، وغالبًا ما تكون هذه الانفجارات ليلية أو بعد منتصف الليل، ومن دون أي تردّد، يبدأ الناس في الشارع بالحديث عن “غارة إسرائيلية جديدة”.

دون أن تتمكن هذه الغارة من إيقاف “لعبة الشدة” المحتدمة في قهوة الكمال الشعبية، ودون أن يتعثر زهر النرد على الطاولة الخشبية التي تفصل بين رجلين طاعنين في السن، يضع كلّ منهما نظارة سميكة، ويستمر في لعن “أبو الحظ” العاثر، الذي لا يأتيه بالـ”شيش بيش”.

لم تعد الغارة الإسرائيلية حدثًا ذا أهمية بين سكان الشام، فالحدث حين يتكرر يفقد خصوصيته، والغارات “على قولة أهل الشام” دقيقة ولا تصيبُ المدنيين.

يقول أحدهم “الله يلعنك يا شارون” وقد توقف الزمن في ذاكرته حين كان أرئيل شارون رئيس وزراء دولة الاحتلال، ولم يعد يهتم من جاء بعد ذلك، فقد حفظ الدرس وفهمه وباتت “مسألة الصراع” واضحة في وعيه ولا وعيه.

بذات اللامبالاة وعدم الاكتراث، يواجه سكان دمشق فيروس “كورونا” بـ”طناش” فريد من نوعه، فلا الحكومة أبدت أي إجراءات احترازية، ولا الناس اتبعوا أي أنظمة وقائية، صحيًا أو غذائيًا أو حتى سلوكيًا.

المطاعم والمقاهي والاحتفالات والاجتماعات.. كلّ شيء في المدينة على حاله، وبقيت “نرابيش الأراكيل” على حالها، معلقة خلف الأبواب في المقاهي والمطاعم، تتناوب الشفاه والأفواه على ذات “النربيش”، دون أن أن يكترث أحد لـ”كورونا” أو لغيره.

بات لدى سكان الشام حالة من عدم الاهتمام، بعد ما مرّ عليهم خلال سنوات الحرب، ولا يعدّون “كورونا” خطرًا حقيقيًا أو لا يدركون هذا الخطر.

“الخطر إنه يجي شهر آذار وخالص تأجيلي.. مو الخطر إنه يجي كورونا”، يقول أحد الشبان ساخرًا من الفيروس المستجد القاتل. حال هذا الشباب يقارب حالة عشرات الآلاف من الشبان الجامعيين الذين أرسلوا أوراقهم الثبوتية والجامعية إلى شعب التجنيد منذ أكثر من شهرين، ولا تزال تلك الأوراق عالقة مع أحلامهم بورقة تأجيل جديدة، تمدد لهم الحياة عامًا إضافيًا داخل أسوار “أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ”.

يضحك مرة أخرى حين يتكرر الحديث عن “كورونا”، ويقول الشاب “الكورونا متفشية.. وهناك ألعن من الكورونا بمية مرة ولا أحد يدري.. لا والله يمكن الكل بيعرف وعامل حاله مو عارف”.

على النقيض من حالة اللامبالاة وعدم الاكتراث لقرارات وأحداث “مصيرية” تدور في الساحة السورية، كان رد الفعل “ناريًا” فيما يخص قرار تخصيص باقات محددة للإنترنت شهريًا، وصار الإنترنت “بالقطارة” وصار “اللايك” محسوبًا، والفيديو ممنوعًا، والعتب مرفوعًا.

تأفف وسباب بصوت خفي وبصيغة المجهول، تسمع في الشارع بكثرة عبارة “يلعن أبوهن كلاب”، دون تحديد السباب نحو مَن بدقة.

تعتاشُ العائلة السورية على الإنترنت، كما تعتاش على الخبز والماء، كونه الطريقة الأساسية للترفيه والتواصل، في ظل انعدام القدرة الشرائية في الإنفاق على أي وسائل ترفيه أخرى.

كان الإنترنت نافذة تقضي عليها العائلة بأكملها ساعات طويلة، تحاول فيها أن تنسى هموم حياتها الكثيرة.

وفي حال المقارنة، يجيبُ كثيرون “الإنترنت أهم بميت مرة من الكورونا وكل الضربات الإسرائيلية”.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع