ذقون الفنانين.. والبلل القادم

  • 2020/03/08
  • 11:53 ص

نبيل محمد

“هناك ممثلون ليس لديهم ما يأكلونه، فهم يحاربونهم بلقمة عيشهم”، كلمات قالها الفنان أيمن رضا في لقاء له على أثير إذاعة محلية سورية مؤخرًا، تحدث فيها عن الأوضاع المادية المزرية التي يعيشها الفنانون، وعن سلطة المنتجين، وتخفيض تعويضات الممثلين، وإجبارهم على العمل في ظروف غير جيدة.

ولم ينسَ رضا الحديث عن “البطاقة الذكية”، التي من المفترض أنها تنظم حصول المواطنين على الدعم الحكومي بمجموعة من المواد الغذائية ومواد الطاقة. تلك البطاقة التي لا يحق لرضا امتلاكها كونه يحمل الجنسية العراقية. الفنان ذاته كان قد نشر قبل هذا اللقاء صورة لعملة سورية قديمة قيمتها (نصف فرنك) وكتب تحتها أن “الكهرباء أيام النصف فرنك كانت أفضل”. “البطاقة الذكية” ذاتها استفزّت فنانين آخرين، وكانت بوابة لهجومهم على “المسؤولين”، منهم الفنانة ناهد الحلبي التي أشارت إلى مدى تأثر الفنانين بـ”الأزمة السورية” ومدى “غباء” البطاقة الذكية سالفة الذكر.

عشرات الفنانين قبل رضا والحلبي بدؤوا برفع أصواتهم مؤخرًا معترضين على الظروف المعيشية، وعلى تسلط المؤسسة الرسمية، ووصول البلل لذقن الفنان جراء تردي الأوضاع العامة، بينما بدأ بعضهم يناقش قضية الانتماء للوطن، تلك القضية التي كانت محراب صلاة أغلبية صناع الدراما السورية خلال السنوات السابقة، فكانت مخرجًا لهم من أي سؤال يُطرح عليهم لتقييم الظروف التي تمر بها سوريا، فلا تفاصيل في المشهد السوري كانت لدى أغلبيتهم سوى تفصيل “سوريا الوطن، الذي على الجميع العمل لصونه من الاعتداء”، لا هوية للمعتدي ولا للضحية بالنسبة لكثير ممن ضاقت بهم الحال اليوم، وباتوا على شفا أن يخترقوا المحظور، ورغم أن أحدًا لم يخترقه حتى الآن ممن لم يخترقوه سابقًا، إلا أن قِيم الأمس تغيرت، والخطاب القديم لم يعد مجديًا مع الظروف الحالية.

اليوم يمكن لفراس إبراهيم أن يصف الوطن بحفنة من التراب، ويقول إن المكان الذي يشعر به الإنسان بالأمان فذلك هو الوطن، بمعنى أن من خرج من سوريا سعيًا للشعور بالأمان فهو في بلده، وهو ما يتناقض كليًا مع تعقيب إبراهيم ذاته قبل سنوات على أن من هم خارج سوريا لا يعلمون أبدًا ما يجري في سوريا، فالبلاد بأمان، والناس يعيشون حالتهم بشكل طبيعي، في هذا التصريح هاجم إبراهيم أصالة نصري بكونها خارج سوريا بينما تتحدث عما يجري بلادها.

قد لا يبدو تلقف تصريحات حديثة ومقارنتها بما هو قديم أسلوبًا مواتيًا لتوصيف وضع فئة كبيرة من الفنانين السوريين اليوم، أو لوضعهم موضع التناقض، فلعل هذا التناقض كثيرًا ما أصابهم وأصاب سواهم، بمعزل عن طبيعة الموقف السياسي. لكن ما يخرج به الفنانون اليوم من تصريحات تنبئ بالحال الذي أصبحوا عليه (أغلبيتهم على الأقل)، من انخفاض بالأجور، وطغيان المؤسسة الرسمية عليهم بعد أن كانوا مستثنين إلى حد ما، وشعورهم بما يشعر به المواطن العادي، بمعنى أن تغيير آرائهم وإن بمستوى بسيط لا يعتد به حاليًا على الأقل، إنما هو إشارة واضحة إلى أن مرحلة جديدة بات من الصعب التعامل معها، ممن تعاملوا مع المراحل السابقة بسهولة خوفًا أو قناعة أو رفضًا لمغادرة البلاد.

وكما يبدو أن فئة كبيرة من السوريين اليوم، خاصة من يعيشون في مناطق النظام السوري، قد ندمت على عدم اتخاذ قرار ترك البلاد (قادرة أو غير قادرة)، فإن من يُنظر إليهم كنخبة (الفنانون) بدؤوا باتخاذ الرأي نفسه، وربما بالتفكير ولو بشكل متأخر بترك البلد، وهو ما أقدم مجموعة من الفنانين عليه مؤخرًا، تحت اشتداد قسوة الظروف المادية وضعف الخدمات، ليكون نجوم الشاشة السورية قريبين اليوم من الندم، أو المواجهة، لحقيقة كانوا من أوائل المسهمين بتغييبها، حقيقة أنهم كانوا سلاحًا في يد الجلاد، ممعنًا بسلخ الضحية خلال سنوات قاربت أن تصبح عقدًا.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي