دفع استخدام الجيش التركي طائراته المسيّرة (الدرون) في الضربات العسكرية التي وُجهت ضد قوات النظام مؤخرًا، انتقامًا لمقتل جنوده، بالتزامن مع الكشف عن حجم هذا الاستخدام وأثره، عبر تسجيلات مصورة لوزارة الدفاع التركية، إلى التساؤل عن شكل وطبيعة استخدام هذا النوع من الطائرات في المعارك لجهتي الاستطلاع والهجوم.
ومع تزايد الحديث التركي عن كثرة خسائر قوات النظام في الضربات الأخيرة، صار يتبادر سؤال آخر إلى الأذهان، ما إذا كانت معركة ما على الأرض تُحسم نتيجة الأثر الذي تتسبب به الطائرات المسيّرة بأنواعها.
وبعد أن أخذت لاحقًا طائرات “الدرون” حيزًا كبيرًا من حديث السوريين، راح بعضهم يعلق عليها الآمال في الانتهاء من مسألة لطالما حلمت وطالبت بها الفصائل المعارضة، وهي تأمين قوة جوية لها لمقارعة النظام، وذلك يتأتى عبر أمرين، الأول عن طريق إقامة منطقة يحظر الطيران فيها، والثاني تزويدها بالصواريخ المضادة للطائرات.
وخلق استخدام “الدرون” إلى جانب المعارضة في معركة إدلب توازنًا بالقوة، انعكس بسرعة على الأرض، حيث تمكنت الفصائل من السيطرة على مساحات كانت قد خسرتها لمصلحة النظام.
استطلاع وهجوم
الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور فايز الدويري، يرى في حديث لعنب بلدي، أن طائرات “الدرون” أصبحت ورقة رئيسة في معركة إدلب.
وبرر رأيه بوصفه الخسائر التي ألحقتها الطائرات التركية بقوات النظام بـ”الكبيرة والضخمة”، مشيرًا إلى تمكنها من تدمير منظومات دفاع جوي، مهمتها بالأساس ملاحقة الطائرات والتعامل معها.
وبناء على الفوارق العسكرية التي تُحدثها طائرات “الدرون”، وخاصة التي أظهرتها التجربة التركية لها ضد قوات النظام، فإن دور هذا النوع من الطائرات ممكن اعتباره موازيًا أو يزيد على دور الطائرات المسلحة المقاتلة في المعارك.
ووصلت خسائر النظام، وفق ما أعلنه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 4 من آذار الحالي، إلى أكثر من 3000 قتيل، إضافة إلى مئات الآليات العسكرية ومنظومات للدفاع الجوي، وفق وكالة “الأناضول” التركية.
وعن أنواع الطائرات المسيّرة، أوضح الدويري أن هناك أنواعًا مخصصة للاستطلاع، ومنها ما هو مخصص للهجوم ومنها نوع يعتبر انتحاريًا (سريعة الحسم) على غرار الطائرات اليابانية من نوع “كاميكازي”، في إشارة إلي الهجوم الذي نفذه الجيش الياباني نهاية الحرب العالمية الثانية ضد القوات الأمريكية.
فعلى الرغم من معرفة اليابان حينها أن هزيمتها مؤكدة، لم تتوقف هجمات الطيارين الانتحاريين الذين يسمون “الكاميكازي” على السفن الأمريكية، ليس على أمل تغيير مجرى الحرب بل لتعويض فشلهم فى صد الهجوم.
وتابع الدويري في شرح عمل طائرات الاستطلاع بالقول، إن طائرات الاستطلاع تقوم بعمليات المراقبة والرصد وتسريب المعلومات حول طائرات وأهداف معادية تهاجم المواقع والآليات والأفراد.
في حين يعمل نوع آخر، وهي الطائرات الانتحارية، بمهمة واحدة على غرار العمليات الانتحارية.
وقال إن الفكرة من وراء استخدام الطائرات المسيّرة هي تحقيق إصابات مباشرة عن بعد من دون تعريض الجنود للخطر، حيث يمكّنها التحليق المرتفع من عدم معرفة الهدف بأنّه هو المستهدف مباشرة.
كما ترتبط فكرة اللجوء إلى “الدرون” أيضًا بكون تعرضها للإصابة من قبل قوات العدو لن يكون مكلفًا اقتصاديًا، وفق الدويري.
كيف تعمل
المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر، أوضح في حديث لعنب بلدي، آلية عمل طائرات الاستطلاع، مشيرًا إلى أنها تخضع للإدارة من غرف تحكم خاصة بها.
وأضاف أن للطائرات إمكانية رصد الأهداف واختيارها والتعامل معها بدقة، عن طريق أوامر إلكترونية ولاسلكية من غرفة العمليات.
الطائرات لا تختار الهدف الذي تريده، بل تتلقى أوامر، وفق الأسمر، لافتًا إلى أن التحكم بها يبدأ منذ لحظة الإقلاع إلى لحظة عودتها إلى مقراتها.
وأشار إلى أن دورها يقتصر على استنزاف القوات المعادية وتكبيد أكبر الخسائر فيها، كما جرى مؤخرًا من قبل الطائرات المسيّرة التركية ضد قوات النظام، حيث أصابته (النظام) بالذهول والرعب لشدة حجم الخسائر التي تعرض لها، حيث طالت كل أهدافه بما فيها الأرتال العسكرية، وفق الأسمر.
ولفت إلى أن وسائل الدفاع الجوي قادرة على التعامل مع هذه الطائرات، لكن نسبة إصاباتها قليلة.
وقال إن استخدامها في سوريا لا يقتصر على تركيا، وإن كل دولة كبيرة لديها قوات في سوريا تمتلك طائرات مسيّرة، كما هو الحال مع روسيا التي هي أيضًا تستخدمها الآن في إدلب، واستخدمتها كثيرًا في مناطق أخرى منذ تدخلها في سوريا في أيلول 2015.
وفي هذا الإطار، أوضح أن الجهد الجوي الروسي بما فيه من طائرات استطلاع هو الذي قدم المساعدة لقوات النظام، لإعادة التوازن إلى سير المعارك في سوريا، وأعانه على استعادة حوالي 70% من الأراضي السورية، حتى بات النظام لا يستطيع الصمود في المعارك في غياب الجهد الجوي الروسي لمدة دقائق، بما فيه طائرات الاستطلاع التي تراقب تحركات فصائل المعارضة وتعطي إحداثيات عن تنقلاتهم.
حسم المعركة
يتفق الخبير الاستراتيجي فايز الدويري مع المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر في أن الاعتماد على سلاح الجو في المعارك لا يحسم معركة.
وقال الدويري إن الجو لا يحسم معركة ولا بد من وجود قوات أرضية تستثمر نجاحات الضربات الجوية.
في حين اعتبر الأسمر أن المعارك لا تُحسم بالقوى الجوية، حيث يجب أن يكون هناك قوات برية ومدرعة تستطيع أن تستولي على المناطق بعد أن تحدث الطائرات المسيّرة والمقاتلة الاستنزافات في القوات المعادية.
وأضح أن المعارك تحسم بتضافر جهود عدة قوى كالبرية والمدرعة وبقية الوسائط، مشيرًا إلى أن الطائرات المسيّرة تقدم المساعدة للقوات البرية التي هي أهم عنصر في أي معركة، لأنها هي التي تسيطر على الأرض وتبني دفاعاتها فيها ضد أي هجمات قد تتعرض لها لا حقًا
طرق للتصدي
أظهرت دراسة لصحيفة “الشرق الأوسط”، بعض التكنولوجيات الجديدة التي تتعامل مع الطائرات المسيّرة والتصدي لها، من أبرزها طائرات تعرف بـ”Anti- Drone Squad 1” و ظهر هذا النوع من الطائرات في اليابان، وهي تعتمد على شبكة كبيرة لاصطياد الطائرة.
ومن أهم عوامل التصدي لهذه الطائرات، وفق الدراسة، هو التشويش على الإشارات الهوائية بواسطة “هوائي توجيهي” يجمّد الطائرة لفترة قصيرة، ليجعل مشغلها يعتقد أن فيها عطلًا، أو لمدة أطول حتى يفرغ شحنها من الطاقة وتسقط.
وتمكنت أنظمة شركة “أفتوماتيكا” الروسية من تقنية لاكتشاف طائرة مسيّرة وتتبعها وتدميرها من خلال التأثير على القنوات الراديوية الخاصة بها، بحسب الدراسة.
وأشارت الدراسة إلى وجود طريقة أخرى للتصدي للطائرات المسيّرة وهي نظام “تاران” (القبة غير المرئية)، وهي قبة واقية غير مرئية فوق الموقع، يصل مداها إلى 900 متر على الأقل تعجز الطائرة المسيّرة عن اختراقها، وهنالك أيضًا منظومة “بيشال المدمج”، وهي بندقية ذكية تزن ثلاثة كيلوغرامات، قادرة على كشف الهدف وتشويش الملاحة والاتصال على جميع الترددات.
وتكفي البطارية، التي تعمل عليها “البندقية” لمدة ساعة من الاستخدام المتواصل، إضافة إلى الطرق التقليدية لأنظمة الدفاع من البنادق الرشاشة وتقنية التصدي بالنسور المدربة.
–