ريف حلب – عاصم ملحم
بعد نزوحه مع أبنائه من مدينة حمص إلى مدينة سراقب في الجنوب الشرقي من محافظة إدلب، توجه ماهر العويد مصطحبًا أبناءه في نزوح ثانٍ إلى مدينة الباب في ريف حلب الشرقي قبيل سيطرة قوات النظام السوري على سراقب، وبعد تأمين المنزل كانت الخطوة الثانية لماهر البحث عن مدرسة في المدينة لتسجيل أبنائه لكي يتمكنوا من متابعة تعليمهم.
لكن ماهر تفاجأ بالازدحام السكاني في المدينة إثر النزوح الأخير، إذ قصد في بداية بحثه مدرسة “عامة”، لكنه لم يجد فيها شاغرًا بسبب ضغط الطلاب عليها، ولم تكن هذه المدرسة من ضمن أولوياته لبُعدها أيضًا عن مكان سكنه الجديد، الأمر الذي جعله يبحث عن شاغر في مدارس “خاصة”، لم يستطع التسجيل بها لوجود رسوم تسجيل تتراوح قيمتها بين 100 و150 ليرة تركية (الدولار يقابل ست ليرات تركية تقريبًا)، بالإضافة إلى رسوم النقل إلى المدرسة، التي مثلت له عبئًا ماديًا لا يمكنه تحمله، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
وبينما يأمل ماهر أن يتابع ابنه الذي تأخر عن تعليمه سنتين عند عودته إلى مدينة سراقب، استطاع محمد الحمصي من أبناء مدينة حمص النازحين إلى ريف إدلب، تسجيل أبنائه الثلاثة في مدارس المدينة العامة، لكن التهجير لعب دورًا كبيرًا في “تقصيرهم الدراسي”، ما اضطره لتسجيلهم بمعاهد للدورات الخاصة ليتمكنوا من اللحاق بزملائهم و”ليستعيدوا تفوقهم”.
ويعد انقطاع الطلاب عن التعليم، نتيجة ظروف الحرب من قصف واستهداف للمدارس وتعليق للعملية التعليمية ونزوح متكرر للطلاب، أبرز الصعوبات التي يواجهها المعلمون في أثناء قيامهم بعملهم.
نذير شاويش، مدرّس الصف الثالث الابتدائي في مدرسة “محمد زين شهابي” بمدينة الباب، يحاول أن يولي الطلاب النازحين الذين دخلوا صفه مؤخرًا “اهتمامًا خاصًا”، وذلك بسبب الفارق الذي لمسه في تحصيلهم العلمي مقارنة بزملائهم من سكان المدينة غير المنقطعين عن الدراسة.
يقول نذير، في حديث إلى عنب بلدي، إنه يجد “ضعفًا” لدى طلابه من النازحين في مادتي القراءة والرياضيات، وهما “الأهم” في المرحلة الابتدائية، لذلك يركز في أثناء تدريسه لهم على هاتين المادتين.
وتزداد أعداد الطلاب القادمين من أرياف محافظة إدلب ومن الريف الغربي لمدينة حلب بشكل يومي، إذ استقبلت مدرسة “علي الكرز” ما يقارب 140 طالبًا نازحًا قدموا مؤخرًا إلى المدينة، ويتوقع مديرها، عبد اللطيف العيسى، زيادة هذا العدد “بشكل أكبر” بداية آذار المقبل، بعد أن أصدرت مديرية التربية تعميمًا يقضي باستقبال جميع الطلاب الجدد دون التقيد بعدد محدد، حتى لو تجاوزت أعدادهم في الشعبة الواحدة 50 أو 60 أو 70 طالبًا.
كما زُودت كل مدرسة في المدينة بغرفتين صفيتين مسبقتي الصنع (كرفانات) مجهزة بالكامل لاستقبال أكبر عدد من الطلاب، بحسب العيسى.
يقول العيسى إن المدارس في مدينة الباب تستقبل الطلاب النازحين بإجراءات تسجيل بسيطة، إذ يُطلب لتسجيل الطالب هوية شخصية يستخرجها من المجلس المحلي للمدينة، الغاية منها إدخال الطلاب من خلال الرقم الموجود على الهوية، لنظام التعليم الإلكتروني “YÖBİS” الذي طرحته تركيا لربط جميع المدارس بمديرية التعليم ودائرة النفوس تحت نظام واحد.
ويستعاض عن الهوية في حال عدم وجودها أي إثبات للشخصية صادر عن المجلس المحلي كشهادة أو بطاقة تعريف شخصية أو بيان عائلي.
ويضيف العيسى، في حديث إلى عنب بلدي، أن مدرسته تقبل في الفترة الحالية تسجيل الطلاب بشكل شرطي بسبب الضغط المتزايد على دائرة الأحوال المدنية للحصول على بطاقات شخصية، أي إن الطالب يسجل في المدرسة ويزودها لاحقًا بالبطاقة فور حصوله عليها في فترة أقصاها ثلاثة أسابيع، وتهدف المدرسة من هذه المبادرة إلى تسهيل دخول الطلاب لمتابعة تعليمهم بأسرع ما يمكن.
وفي الوقت الذي تقدم فيه المدرسة تسهيلات لتسجيل الطلاب، تعاني من صعوبات يواجهها المعلمون في أثناء تدريسهم لطلاب منقطعين عن التعليم لمدة خمس أو ست سنوات، إذ يشير العيسى إلى إمكانية تدارك النقص لدى الطلاب وتعويضهم ما فات وإلحاقهم بزملائهم بعد تقدير مدة انقطاعهم عن العملية التعليمية وتقييم مستوياتهم الدراسية.
وللحصول على معلومات عن آلية التسجيل المتبعة مع الطلاب النازحين، وعن قدرة المدارس الاستيعابية، وأعداد الطلاب الذين التحقوا بمدارس مدينة الباب، وعن وجود برامج تعليمية تعويضية، تواصلت عنب بلدي مع كل من مدير التربية في مدينة الباب، جمعة كزكاز، ومسؤول التعليم بالمجلس المحلي، فوزي السايح، لكنها لم تحصل على إجابة.