السوريون في ملاعب الدول الأخرى
إبراهيم العلوش
تفاقم الوضع السوري مجددًا بعد مقتل أكثر من 30 جنديًا تركيًا في منطقة إدلب السورية، وبدأت التوقعات والصراعات الدبلوماسية والعسكرية تنهال في وكالات الأنباء والصحف العربية والغربية، في تمرين سياسي يتناسى مأساة مليون مهجر جديد في إدلب، يرزحون في البراري منذ شهرين أو أكثر.
لا يزال العالم يصم آذانه ويغلق عيونه عن المأساة السورية، ويحولها إلى مشكلة لاجئين مرة، وإلى توازنات استراتيجية وغير استراتيجة مرات أخرى، ويبقى السوريون في العراء هم وأطفالهم بانتظار قرارات الدول التي ينام قناصلها وعملاؤها بانتظار فناء السوريين لإعادة رسم سياسات جديدة بأدواتهم البالية التي ورثوها عن عصور “سايكس بيكو” والدولة العثمانية والاتحاد السوفيتي، وما إلى ذلك من العصور التي تتجاهل البشر وتتعامى عن معاناتهم باعتبارهم مخلوقات طارئة بالنسبة لخرائطهم ولخططهم التي يتفقون عليها ويتفننون برسمها في الكواليس المظلمة!
ما يحصل على الأرض من تصعيد بين تركيا وروسيا لا يأبه من قريب أو بعيد بالشعب السوري، فلاعبو الشطرنج لا يأبهون للقطع التي ينتصرون بها، وهي بالنسبة إليهم مجرد أدوات خشبية أو بلاستيكية بديلة عن الجنود وعن القلاع لتحقيق الخطط التي تتنامى في رؤوس المتبارين الأذكياء والاستراتيجيين!
تركيا حرّكت الصراع باتجاه أوروبا حينما منحت الشبان السوريين فرصة للوصول إلى الحدود الأوروبية منذ عدة أيام، واندفع آلاف الشبان بالباصات إلى الحدود الأوروبية ليتخلصوا من الموت في المدن التي لا تعترف بشرعية وجودهم، ومن المصانع التي تقلل من آدميتهم وتحولهم إلى مجرد آلات رخيصة تستنزف جهودهم بشكل ظالم.
الروس الذين دفعوا بقطعان الشبيحة والميليشيات الإيرانية لتهجير الناس من قرى إدلب، شاركوا بمقتلة الجنود الأتراك، وخططوا لها انتقامًا من سيطرة الأتراك و”الجيش الوطني السوري” المدعوم من قبلهم على مدينة سراقب، وإعادة سيطرة تركيا على الطريقينM 4 وM5، وهذا ما أثار حفيظة العسكريين الروس وجعلهم يوجهون السجادة النارية باتجاه الجنود الأتراك، فالقصف الروسي لم يترك حتى سيارات الإسعاف من نيرانه، واستهدف الجنود الأتراك المتراجعين، مساء يوم الـ27 من شباط الماضي، إلى أحد المباني، ليدمر المبنى بكل من فيه، وهذا هو الأسلوب الروسي الذي تستعمله ضد السوريين وضد المدارس والمستشفيات، وتتبجح دبلوماسيتها بأنها تحارب الإرهاب!
حلف “الناتو” يطمئن تركيا بأن لديه رادارات متطورة، وهو يراقب الوضع جيدًا، ويعدُّ الطائرات ويعدُّ غاراتها وما إلى ذلك من دور المتفرج الذي يقوم به منذ بدء القتل ضد السوريين دون أن يفعل شيئًا إلا الطلب من الأطراف الهدوء، وكأنه تحوّل إلى منظمة خيرية، أو مؤسسة إحصائية، متناسيًا القيم الكاذبة في الدفاع عن حقوق الإنسان، والقيم التي ادعى “الناتو” أن الغرب يقاتل من أجلها منذ أكثر من سبعين سنة، وكـأنما كان عليهم أن يكتبوا في وثيقة الحلف استثناء السوريين -المجاورين لأوروبا- من كونهم بشرًا ولا يستحقون وقف القتل ضدهم!
الرئيس الأمريكي وقادة أوروبا يتشفون بالمصير الذي حل بالتحالف الروسي- التركي، والذي هدد وجودهم في المنطقة، رغم أنهم يطلقون التصريحات المتعاطفة والمتباكية على وضع تركيا، ولكنهم يشعرون بالتشفي من الأتراك عقب المأساة التي حلّت بجيشهم، بعد غدر الروس بهم، فالأوروبيون والأمريكيون استخدموا تركيا كخندق متقدم ضد الروس طوال الحرب الباردة (1945-1991) وكانت في كل أزمة مهددة بالضرب بالقنابل النووية والصواريخ الاستراتيجية، وهم اليوم يتخلون عنها بحجة شراء تركيا لصواريخ “400S” الروسية.
الشبان السوريون والعائلات السورية التي تتجمع في حدائق اسطنبول بانتظار الحافلات التي تقلهم إلى الحدود اليونانية والبلغارية، ينتظرهم مصير مجهول ورحلات محفوفة بالموت، في البحار والغابات، وعند حواجز لدول تصاعدت الأنظمة اليمينية فيها، و”الناتو” طمأن اليونان بأنه سينشر عددًا من قطعه البحرية لحمايتها من اللاجئين السوريين، وبدأت النقاشات العنصرية في الأوساط الأوروبية بدلًا من إطلاق نظام لجوء عادل، أو حملة سياسية تجبر الروس والإيرانيين على وقف الحرب ضد السوريين، ومنع تهجير الناس من بيوتهم ومن قراهم ومدنهم، فالسوريون في أغلبيتهم يرغبون في البقاء في بلدهم والعيش بحرية وبكرامة إذا تم التخلص من النظام الأسدي ومن أجهزته القمعية التي تحولت اليوم إلى ميليشيات يديرها المحتلون.
السوريون لا يقبلون العيش في ظل نظام الأسد، وهم يفضلون الموت على البقاء في ظل هذا النظام الفاشي، وهم أيضًا يريدون أن يبنوا وطنهم لا أن يعملوا بأجور بخسة في أوطان الآخرين، وبدلًا من كل هذه الأكاذيب والتلفيقات في محاربة الإرهاب، وإطلاق الصواريخ، والطائرات، وبناء القواعد، وبدلًا من أن يتعذب “الناتو” بعمليات الإحصاء المعقدة لعمليات قتل السوريين، أليس من الأفضل للدول المتضايقة من وجود السوريين فيها، أو المتخوفة من وصول السوريين إليها، فرض حل سياسي وعسكري يطبق قرارات الأمم المتحدة وآخرها القرار رقم 2254 والتنفيذ النزيه له، وبالتالي وقف الحرب وعودة جزء كبير من النازحين والمهجرين إلى بيوتهم، وإذا صرفت الدول عُشر أثمان الصواريخ والطائرات والعتاد العسكري والقواعد التي تعج بها سوريا على عملية الإعمار، فإن ذلك كافٍ لإعادة البنية التحتية وبدء مسيرة إعمار سوريا من جديد، سوريا المبنية على السلم والتوافق بين مكوناتها، بدلًا من سوريا الأسد المبنية على التعذيب والقتل والتهجير، والتي يعتمدها المحتلون لمحاربة الإرهاب!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :