زينب مصري | عبد الله الخطيب | صالح ملص | خولة حفظي
بمزيج من السخرية والخوف يستقبل السوريين الأخبار عن مرض “كورونا”، الذي بات يلف العالم، ويتفشى في دول مجاورة، وأخرى لا تزال الأبواب مفتوحة لها في سوريا.
تعيد المخاوف من المرض ذكرى تفشي فيروسات قاتلة أخرى حول العالم، خلال العقدين الماضيين، مثل “إنفلونزا الخنازير” و”إنفلونزا الطيور” و”سارس”، لكن الوضع مختلف الآن في سوريا، فالقدرات الطبية تراجعت، والأزمات الإنسانية تفاقمت، وتوزعت السيطرة على حكومات غير متكافئة بالطاقات الخدمية التي ستوفرها.
على المستوى النفسي، ما زالت التطمينات تُسكب على السوريين، محاولة تأخير الشعور باحتمالية انتشار الفيروس في سوريا، وعلى مستوى الإجراءات العملية، يدق أطباء وعاملون في قطاع الصحة بسوريا ناقوس الخطر، ويلمحون إلى ضرورة رفع مستوى الخوف والاحتياطات.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف احتمالية انتشار “كورونا” في سوريا، مع الإعلان عن أولى حالات الاشتباه بالمرض، كما تسلط الضوء على الإجراءات المتخذة لصده في مناطق السيطرة الثلاث.
“كورونا” يدق باب سوريا..
ما احتمالية انتشاره
عاش الشعب السوري خلال سنوات الثورة حربًا مع الأوبئة زادت من سوء واقع فُرض عليه نزاع عسكري متوتر، إذ انتشر وباء “الحصبة” في المناطق الشمالية السورية في عام 2013، مسجلًا سبعة آلاف إصابة، بحسب منظمة “أطباء بلا حدود“، التي اعتبرت حينها أن النزاعات المسلحة تؤدي إلى انخفاض في خدمات الرعاية الطبية الأساسية، وذلك في الوقت الذي تكون فيه الحاجة إلى هذه الخدمات في ذروتها.
وفي أيلول 2019، تم تحديد سلالة جديدة من فيروس “كورونا” (كوفيد-19)، من خلال استقصاء مصدر المرض عن طريق إصابة عينات مأخوذة من البيئة في سوق الجملة للأغذية البحرية في مدينة ووهان وسط الصين، لتصيب أكثر من 80 ألفًا في مقاطعات صينية، بالإضافة لعدة مدن حول العالم، ليتواصل الإبلاغ عن حالات إصابة مؤكدة جديدة، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط.
الفيروس الذي أودى بحياة أكثر من 2800 شخص حول العالم حتى الآن، بدأ بغزو الدول العربية آتيًا من إيران في الأسبوع الماضي، إذ بدأت وزارة الصحة الإيرانية إعلان تسجيل حالات الإصابة بفيروس “كورونا المستجد” على أراضيها، التي وصلت إلى 245 مصابًا، توفي 26 منهم، بحسب ما نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، في 27 من شباط الماضي.
إلى سوريا
من إيران وصل الفيروس إلى الأراضي السورية، وسط حالة تكتم كبيرة من قبل النظام السوري على الحالات التي تم إعلان الاشتباه بها.
معاون مدير الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة، هاني اللحام، أكد لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، في 29 من شباط الماضي، الاشتباه بحالتين قادمتين من إيران، تم تحويلهما إلى مشفى المجتهد وعزلهما على الفور، وتمت متابعتهما يوميًا، دون تحديد تاريخ وصولهما.
اللحام قال إن الحالتين تماثلتا للشفاء، وزالت عنهما الأعراض، وتم تخريجهما من المشفى، دون أن يجزم أن الفيروس الذي أصابهما هو “كورونا” بشكل مؤكد، لكن تتم متابعتهما حتى بعد خروجهما من المشفى.
وقال اللحام إن أي حالة مشتبه بها قادمة من مناطق موبوءة في إيران، تظهر عليها أعراض، يتم تحويلها إلى المشافي المجهزة لتلك الحالات.
وكانت عنب بلدي تواصلت مع طبيب في دمشق، وأكد وجود أكثر من حالة اشتباه بـ”كورونا” في مشفى المجتهد، لافتًا إلى تكتم كبير حتى الآن على الحالات المشتبه بإصابتها.
في دول الجوار
تضم دول محيطة بسوريا حالات “كورونا”، الأمر الذي يزيد المخاوف من تفشي المرض، إذ سجلت لبنان أول إصابة بفيروس “كورونا المستجد”، في 21 من شباط الماضي، لمواطنة لبنانية قادمة من مدينة قم وسط إيران، وأعلنت السلطات اللبنانية بعدها بأسبوع، تسجيل ثاني إصابة مؤكدة بالمرض لسيدة لبنانية عائدة إلى لبنان على متن الطائرة ذاتها التي نقلت الإصابة الأولى، وفقًا لبيان صدر عن وزارة الصحة اللبنانية.
وتخضع السيدتان للحجر الصحي بمستشفى “رفيق الحريري” في العاصمة بيروت، في حين أعلنت الحكومة اللبنانية على لسان وزيرة الإعلام، منال عبد الصمد، في 25 من شباط الماضي، وقف رحلات الطيران الجوي بين لبنان وكل الدول التي تفشى فيها الفيروس، واقتصار الرحلات الجوية على السفريات الضرورية.
وبعد تصريح الوزيرة عبد الصمد بيومين، أي في 27 من شباط الماضي، سجل لبنان الحالة الثالثة المصابة بإثبات وزارة الصحة اللبنانية.
وفي العراق ارتفع عدد الحالات المصابة إلى ست في عموم البلاد، جميعها وصلت عن طريق إيران، بموجب بيان صادر عن وزارة الصحة في بغداد عبر موقعها الرسمي، إذ أفاد البيان بإصابة طالب إيراني في محافظة النجف جنوبي العاصمة، بالإضافة إلى إصابة شاب عراقي وأربعة أفراد من عائلة واحدة كانت قادمة مؤخرًا من طهران إلى محافظة كركوك شمالي العراق.
كما ارتفع عدد المصابين بالفيروس في محافظة كركوك شمالي العراق إلى سبع حالات، في 27 من شباط الماضي، بحسب وكالة “الأناضول“.
على إثر تلك الإصابات، علّقت السلطات العراقية الدراسة في الجامعات والمدارس ومنعت التجمعات العامة، بالإضافة إلى إلزام المواطنين بعدم السفر إلى سبعة بلدان، هي كوريا الجنوبية، والصين، وتايلند، وسنغافورة، وإيران، والكويت، والبحرين.
واستثنت السلطات العراقية من هذا المنع كلًا من الوفود الأجنبية والهيئات الدبلوماسية.
كما اتخذت الحكومة العراقية إجراءات وقائية في الشركات النفطية الصينية، تمثلت بتأجيل مجيء العاملين الصينيين المتمتعين بإجازاتهم إلى العراق، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع).
إيران التي نفذت إجراءات احترازية، من تعليق للدراسة في الجامعات والمدارس إلى حظر دخول الصينيين إليها، وتنظيم فرق طبية لرش وسائل النقل بالمطهرات وتوفير أقنعة الوجه، لم تمنع هذه الإجراءات كلها من وصول الفيروس إلى مسؤولين في الدولة مثل نائب وزير الصحة الإيراني، إيرادج هريرتشي، ورئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، مجتبي ذو النور، ونائبة الرئيس الإيراني، معصومة ابتكار.
ما هو “كورونا”؟فيروسات “كورونا” هي فصيلة كبيرة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان. ويسبب عدد من سلالة الفيروس لدى البشر حالات عدوى الجهاز التنفسي التي تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد خطورة مثل “متلازمة الشرق الأوسط التنفسية” و”المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة” (السارس). ويسبب فيروس “كورونا” المُكتشف مؤخرًا مرض فيروس “كورونا” (كوفيد-19). و”كوفيد-19″ هو مرض معد يسببه فيروس “كورونا” المُكتشف مؤخرًا، ولم يكن هناك أي علم بوجود هذا الفيروس المستجد قبل تفشيه في مدينة ووهان الصينية، في أيلول عام 2019. المصدر: منظمة الصحة العالمية |
وكيف ينتشر؟يمكن أن يصاب الأشخاص بعدوى مرض “كوفيد-19” عن طريق الأشخاص الآخرين المصابين بالفيروس، ويمكن للمرض أن ينتقل من شخص إلى آخر عن طريق القطيرات الصغيرة التي تتناثر من الأنف أو الفم عندما يسعل الشخص المصاب بالمرض أو يعطس. وتتساقط هذه القطيرات على الأشياء والأسطح المحيطة بالشخص. ويمكن حينها أن يصاب الأشخاص الآخرون بالمرض عند ملامستهم لهذه الأشياء أو الأسطح ثم لمس عينيهم أو أنفهم أو فمهم. كما يمكن أن يصاب الأشخاص بالمرض إذا تنفسوا القُطيرات التي تخرج من الشخص المصاب بالمرض مع سعاله أو زفيره. ولذا فمن الأهمية بمكان الابتعاد عن الشخص المريض بمسافة تزيد على متر واحد (ثلاثة أقدام). |
رحلات طيران أسبوعية ومعابر برية بلا تنظيم
ما طرق وصول “كورونا” إلى الداخل السوري؟
تطير من سوريا وإليها ثلاث شركات طيران جوية سورية، وتصل الرحلات إلى ثلاثة مطارات مدنية حاليًا، وهي مطار دمشق الدولي في العاصمة السورية، ومطار “باسل الأسد” في محافظة اللاذقية، ومطار القامشلي الدولي.
ومؤخرًا عاد مطار حلب الدولي إلى الخدمة بعد سيطرة قوات النظام السوري على كامل مدينة حلب شمالي سوريا، بينما لم يُعلن عن تسيير رحلات من إيران إلى حلب بعد.
وتصل رحلات طيران مدنية قادمة من طهران إلى سوريا، بمعدل ثلاث رحلات أسبوعيًا، بحسب موقع “Airportia” المختص برصد رحلات الطيران المدنية والخطوط الجوية.
كما يدخل إلى سوريا من معبر البوكمال الحدودي مع العراق، في محافظة دير الزور، “زوار” إيرانيون وعراقيون، بشكل دوري، متوجهين إلى المزارات الشيعية في سوريا.
بينما يدخل من معبر غير نظامي مجاور لمعبر البوكمال، مقاتلون إيرانيون وعراقيون، في فترات متقطعة، لدعم الميليشيات المساندة للنظام السوري، وهو ما سلطت عنب بلدي الضوء عليه في تحقيق سابق بعنوان “البوكمال.. قدم إيرانية على طريق المتوسط”.
ويعتبر ضبط حركة الدخول والخروج من خلال هذه المعابر، أولوية لدى مدير المجلس المحلي في مدينة الباب بالريف الشرقي بمدينة حلب، الدكتور كاظم الحمود، في حديث إلى عنب بلدي، عن طريق تنظيمها بمعرفة الأشخاص الذين يستخدمونها خصوصًا الآتين من مناطق سيطرة قوات النظام.
وضمن مشروعها للهيمنة على القطاع التعليمي في سوريا وخاصة في محافظة دير الزور، تستقبل إيران بين الحين والآخر بعثات من الدكاترة والمدرسين في جامعة الفرات، من أجل “تبادل الخبرات والمعرفة”، بحسب ما تنشره صفحات إعلامية محلية.
ومع سيطرة قوات النظام السوري على البوكمال، بدعم بري واسع من قبل ميليشيات إيرانية نهاية عام 2017، زادت تلك الأخيرة من انتشارها في البوكمال.
وتمركزت الميليشيات الإيرانية في المدينة، التي تصل الأراضي السورية بالعراقية عبر معبر “البوكمال- القائم” الحدودي.
وتنشط حاليًا الميليشيات في إقامة مراكز لما يسمى “كشافة المهدي” مستهدفة الأطفال حيث تقوم بتدريبهم في الوحدات العسكرية، فضلًا عن غرس التربية الدينية من خلال إخضاعهم لدروس في الحسينيات.
كما تنشط حركة الخروج والدخول من وإلى سوريا، عند معبرين حدوديين مع لبنان، الذي سجل ثلاث حالات مصابة إلى الآن بفيروس “كورونا”، حيث يشهد معبرا “جديدة يابوس” الحدودي و”الدبوسية” حركة حيوية دائمة من الأشخاص الداخلين والخارجين إلى البلاد.
ويربط معبر “سيمالكا” سوريا مع عدة مدن في إقليم كردستان العراق، ويعتبر من أهم المعابر الحدودية الشمالية نشاطًا، ومن المحتمل وصول حالات إصابة بالفيروس إلى سوريا من خلاله، خصوصًا أن محافظات شمالي العراق تشهد ارتفاعًا بمعدلات الإصابة بالفيروس مثل محافظة كركوك.
الأردن الذي لم يسجل إلى الآن حالات مؤكدة مصابة بالفيروس، تقع احتمالية وصول “كورونا المستجد” إلى سوريا من خلاله في حال انتشر الفيروس فيه، من خلال معبر “نصيب” الحدودي جنوبي سوريا.
ومن الشمال، يربط سوريا مع تركيا معبران يشهدان كثافة نشطة من الحركة من قبل الأشخاص الداخلين والخارجين من سوريا وإليها، وهما معبرا “باب الهوى” و”باب السلامة”.
بنية صحية هشة وكوادر طبية “تغيب” عنها ثقافة الوقاية
كيف يتم الكشف عن “كورونا” في مناطق السيطرة السورية؟
حتى تاريخ 29 من شباط الماضي، نفت وزارة الصحة في حكومة النظام السوري تسجيل أي إصابة بفيروس “كورونا المستجد” داخل أراضيها، قبل أن تعلن “شفاء حالات مشتبه بإصابتها”، كما نفت كل من “الحكومة المؤقتة” و”الإدارة الذاتية” وجود إصابات، لكن مخاوف سوريين حول تفشي المرض إلى الداخل السوري في ازدياد.
المخبر في القاهرة
وبينما ذكرت وزارة الصحة التابعة لحكومة النظام السوري، في بيان لها في 22 من شباط الماضي، أن “الفرق الخاصة التابعة لها تعمل في ترصد المرض”، مشيرة إلى تجهيزها “مخبرًا مرجعيًا” بكل وسائل التشخيص للتعامل مع أي حالة مشتبه بها، نفى الطبيب المختص في أمراض الروماتيزم والمناعة في مدينة حلب حسام الأحمد، جاهزية المشافي السورية لإجراء التحاليل المطلوبة من أجل الكشف عن الإصابة بفيروس “كورونا المستجد”، أو حتى التمييز بينه وبين فيروس “كورونا” المسبب لـ”متلازمة الشرق الأوسط التنفسية”، المنتشر سابقًا في السعودية عام 2012.
وأضاف الأحمد في حديثه لعنب بلدي، أنه في حال الاشتباه بإصابة بأي منطقة في سوريا، يُكشف عنها بأخذ مسحة من الأنف ومسحة من البلعوم وعينة من الدم، وترسل هذه العينات إلى العاصمة، ومن دمشق ترسل إلى مختبر خاص يتبع إلى منظمة الصحة العالمية في القاهرة.
وتأخذ عملية إرسال العينات والحصول على نتائج من عشرة إلى 12 يومًا على الأقل، وعلل الأحمد طول هذه الفترة، بعدم وجود رحلات طيران جوية من سوريا إلى مصر بشكل يومي، مشيرًا إلى أن العديد من التحاليل، كتحاليل أمراض “إنفلونزا الخنازير” أو “إنفلونزا الطيور”، كانت تُرسل إلى مصر قبل عام 2011 أيضًا.
بينما قال معاون مدير الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة، الدكتور هاني اللحام، في 29 من شباط الماضي، إن “كيتات” اختبار الفيروس باتت متوفرة في سوريا، ويجرى التحليل فيها، وخلال 24 ساعة تظهر النتائج، وذلك بدلًا من إرسال العينات إلى الخارج.
لا استعدادات كاملة
تواصلت عنب بلدي مع طبيبة تعمل في أحد مشافي مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النظام السوري، (نتحفظ على نشر اسمها لأسباب أمنية)، وتحدثت عن غياب الاستعدادات في المشافي الحكومية لمواجهة الإصابة بالفيروس، وغياب ثقافة الوقاية من فيروس “كورونا المستجد” بين الكوادر الطبية العاملة في المراكز الصحية الواقعة ضمن المدينة، بالإضافة إلى غياب برامج التوعية من وزارة الصحة حول “كوفيد-19”.
أما في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، وفي ظل انعدام “شبه تام” للمراكز الطبية ونقص التجهيزات الطبية، نتيجة الاستهداف المباشر من قبل قوات النظام بمساعدة حليفته روسيا، فتستعد الكوادر الطبية هناك لمواجهة الفيروس في حال وصوله إليها من خلال توفير فحوصات أولية للتشخيص بشكل تقريبي، لتحول بعدها العينات المخبرية إلى تركيا للتأكيد النهائي، بحسب ما قاله مسؤول الرعاية الصحية الأولية في مديرية صحة إدلب، أنس الدغيم، لعنب بلدي.
بالإضافة إلى توزيع منشورات ومعلومات واضحة حول المرض على المشافي من قبل المديرية.
ويرى الدغيم أن سكان المحافظة “بأمان نوعًا ما” بسبب صعوبة الوصول من الدول المصابة إلى المحافظة حتى الآن، وأضاف أن مديرية الصحة جهزت غرف عزل صحي في بعض المشافي، مع بعض مضادات الفيروسات والعلاجات الأولية “غير المتوفرة بشكل كافٍ”.
وبحسب استطلاع رأي أجرته عنب بلدي عبر صفحتها في “فيس بوك“، أجمع أغلب المصوتين على أن المؤسسات الحكومية في سوريا ليست جاهزة لمواجهة فيروس “كورونا المستجد”.
وشارك في التصويت 2600 مستخدم، 94% منهم اعتبروا أن البلاد تعاني من نظام صحي متدهور يفتقر للاحتياجات الإنسانية، في حين رأى 6% منهم أن المرافق الصحية الحكومية مستعدة لمواجهة الفيروس.
إجراءات احترازية مختلفة.. تهافت لنفي أي حالات إصابة
سارعت مصادر طبية سورية من أطراف النزاع إلى نفي حدوث إصابات بفيروس “كورونا المستجد”، رصدتها دوائرها الطبية في المناطق الخاضعة لسيطرة كل منها.
فمديرية الصحة في محافظة اللاذقية نفت، في 28 من كانون الثاني الماضي، تسجيل أي إصابة بفيروس “كورونا المستجد” في مشافي المحافظة، بينما يعمل المستشفى الوطني على عزل حالات المصابين بالإنفلونزا، حتى التأكد من عدم إصابتهم بالفيروس.
وتكتم مدير عام مشفى دمشق (المجتهد)، الدكتور سامر خضر، على وجود إصابات بالفيروس في المستشفى، وذلك بعد أنباء تم تداولها على صفحات التواصل الاجتماعي، حول تسجيل إصابة هناك، ليأتي تأكيد الاشتباه فيما بعد عن طريق وزارة الصحة.
مشفى خاص بـ”كورونا”
وعن الإجراءات المتخذة من قبل وزارة الصحة التابعة للنظام السوري ومديرياتها، أكدت مديرة صحة دمشق، هزار رائف، أنه منذ اليوم الأول للإعلان عن حالات إصابة “كورونا” في الصين، شكلت الوزارة لجنة طوارئ (فريق كشف) من قبل مديريات الصحة وفقًا لتوزعها الجغرافي وقربها من المعابر الحدودية.
وتتمثل مهمة اللجنة بفحص القادمين إلى سوريا من المعابر الحدودية والمطارات، مثل معبر “جديدة يابوس” (المصنع) مع لبنان، و”مطار دمشق الدولي”، وجُهزت بجميع المستلزمات للوقاية الفردية ومقاييس حرارة عن بعد، إضافة إلى تدريب جميع الفرق وتنظيم محاضرات وورشات عمل تعريفية بكيفية التعامل مع الحالات القادمة.
والإجراءات الصحية الموجودة على المعابر تُطبق على كل القادمين إلى سوريا من مختلف البلدان، ولا سيما من الصين ومن دول شرق آسيا، وفق رائف، إذ يتم بعد فحصهم في المطار أو المعبر البري تعبئة استمارات بأسمائهم وأرقامهم ومكان إقامتهم ومتابعة وضعهم الصحي والتواصل معهم لمدة 14 يومًا، وهي مدة حضانة الفيروس وذلك عبر فريق طبي مختص.
ولم يتم توضيح آلية فحص الأشخاص في المطارات والمعابر أو كيفية التدقيق، وما إذا كان جميع القادمين سيخضعون لفحص طبي محدد.
بينما تناقش الوزارة فكرة لتحويل مركز “عزل الدوير” في دمشق إلى مشفى خاص بحالات “كورونا”، وتم، وفق معاون مدير الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة، الدكتور هاني اللحام، تجهيزه حاليًا ببعض المستلزمات الخاصة.
استشارة تركية
من جانبها، نفت مصادر طبية في الشمال السوري تسجيل أي إصابة بفيروس “كورونا المستجد”، بالتزامن مع إيقاف “الحكومة السورية المؤقتة” استيراد البضائع الصينية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، حرصًا منها على سلامة الأهالي في المناطق السورية “المحررة”.
وقال مدير الصحة في المجلس المحلي لمدينة الباب، كاظم الحمود، لعنب بلدي إنه يتم التنسيق مع الجانب التركي حول موضوع الفيروس، لأن انتشار المرض في أحد البلدين يهدد بانتشاره في البلد الآخر.
بالإضافة إلى وجود مستشار عن الجانب التركي، يشارك في كل الإجراءات التي تتخذها المديرية، مشيرًا إلى وجود كوادر مجهزة، وعدد “كبير” من المراكز الطبية، ومكان خُصص لعزل الإصابات في حال حدوثها، ومجموعة تضم عددًا كبيرًا من الأطباء طُلب منهم الإبلاغ عن أي حالة يشتبه بها، حتى يتم سحب عينات وإجراء تحاليل لتأكيد أو نفي الحالة.
وتعمل المديرية على تنظيم ندوة توعية صحية حول فيروس “كورونا”، تكون الدعوة فيها عامة، بغرض إيصال المعلومات لأكبر شريحة من المواطنين، وذلك بعد بدئها “منذ انتشار الخبر غير الصحيح عن وجود إصابات في مدينة الباب”.
ويسعى المجلس المحلي أيضًا إلى حملات توعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى إرسال منشورات عن طرق الوقاية من المرض عبر عدد كبير من مجموعات “واتساب” لتصل إلى عدد كبير من الناس، بحسب الحمود.
ووفقًا لتقرير لمنظمة الصحة العالمية، فإن فريق إدارة المنظمة يدعم الوضع الصحي في سوريا، بثماني طرق، أهمها كشف الأوبئة والأمراض المتفشية والتصدي لها، إذ إن انخفاض معدلات التطعيم في بعض مناطق النزاع، إلى جانب الانهيار في نظم المياه والصرف الصحي وبؤر سوء التغذية، يؤدي إلى تواتر تفشي الأمراض المميتة في سوريا بمعدلات أكبر.
نقاط طبية
قررت “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا إغلاق معبر “سيمالكا” مع إقليم كردستان في العراق.
ونشر المجلس التنفيذي التابع للإدارة عبر حسابه في “فيس بوك”، في 27 من شباط الماضي، بيانًا جاء فيه أنه سيتم إغلاق معبر “سيمالكا” الحدودي مع إقليم كردستان العراق، في 3 من آذار المقبل.
وعزا البيان سبب الإغلاق إلى الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها “الإدارة الذاتية” (الكردية)، لمنع انتشار فيروس “كورونا” (كوفيد-19) في الإقليم وفي العراق.
ولفت إلى أن إغلاق المعبر سيبقى قائمًا حتى تتم السيطرة والقضاء على الفيروس، وستتم إعادة افتتاحه بقرار من “الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي لشمالي وشرقي سوريا”.
وخلال الأيام الماضية قامت “الإدارة الذاتية” بإجراءات للكشف عن “كورونا”، وقال الرئيس المشترك لـ”هيئة الصحة” في الإدارة، جوان مصطفى، في 26 من شباط الماضي، لوكالة “هاوار” الرسمية، إنه تم اتخاذ عدة إجراءات من أجل الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين في مناطق “الإدارة الذاتية”.
وأضاف مصطفى، “قمنا بفتح نقاط طبية على المعابر الحدودية لمناطق الإدارة، وتزويدها بأجهزة فحص لجميع الوافدين إلى مناطق شمال شرقي سوريا، من خلال فحص درجات الحرارة عن بعد”.
وأوضح أنه في حال تم الاشتباه بالإصابة، يتم عزل المصابين في أماكن تم تجهيزها لمثل هذه الحالات.
ووهان ثانية.. بل “أسوأ”
ما خطر انتشار “كورونا” داخل سوريا
في حال وصول فيروس “كورونا المستجد” إلى سوريا عامة، والمناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة خاصة، سيكون الوضع أسوأ مما هو عليه في مدينة ووهان الصينية التي تعتبر حاضنة الوباء، بسبب ضعف المنظومة الصحية والكثافة الكبيرة للسكان، بحسب ما قاله منسق شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة في الشمال السوري، محمد الصالح، إلى عنب بلدي.
وفي حال وصوله إلى مخيمات النزوح في شمالي سوريا، سواء الشرقي (في محافظتي الحسكة والرقة) أو الغربي (في ريف حلب الشمالي وإدلب)، فمن المتوقع أن يكون هناك انتشار للحالات الوبائية بشكل أكبر وأسرع من غيرها، باعتبارها أماكن مزدحمة، وبشكل خاص إذا لم تتوفر إجراءات وقائية كافية، بحسب الصالح.
ووصلت أعداد العائلات النازحة في شمال غربي سوريا منذ تشرين الثاني عام 2019 حتى 23 من شباط الماضي، إلى 177 ألفًا و78 عائلة (مليون و93 ألف شخص)، منهم 844 ألفًا و763 نازحًا ومهجرًا قسرًا، بحسب التقرير.
بينما يحوي شمال شرقي سوريا مليونًا و27 ألفًا من النازحين، يتوزعون على مخيمات، أبرزها مخيم “الهول” الذي يضم أكثر من 69 ألفًا من اللاجئين، بينهم أشخاص لديهم أمراض مزمنة، وجزء منهم نساء حوامل أو مرضعات.
الصالح تحدث لعنب بلدي عن الوضع المأساوي الذي يعيشه من في هذه المخيمات بجميع المجالات (الصرف الصحي، النظافة، الاهتمام، الازدحام السكاني، الخدمات المشتركة)، وهو ما يجعله من ناحية صحية، أكثر خطورة من الأماكن الأخرى في سوريا.
وأوضح الصالح أن الإصابة بالفيروس لا تعني دائمًا أن النتيجة كارثية، إنما الكثير من المرضى ذوي البنية السليمة والعمر المتوسط يشفون دون اختلاطات، وهي النسبة العظمى في مصابي “كورونا المستجد”، كما هو الحال في مرضى الإنفلونزا.
ويرى الصالح أن العامل النفسي والخوف من المرض هو “القاتل الأول”، وحتى الآن لم تتعدَّ نسبة الوفيات الناجمة عن فيروس “كورونا المستجد”، ما نجم منها عن فيروسات الإنفلونزا (الخنازير، الطيور)، معتبرًا أن هذه الحالة ليست من أجل الاطمئنان وإنما هو واقع طبي.
وعلى الرغم من مساعدة منظمة الصحة العالمية لمواجهة فيروس “كورونا المستجد”، ودعمها للبلدان النامية بإعطائها أجهزة وقائية طبية، لم تقدم إلى شبكة الإنذار المبكر أو المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة حتى الآن أي دعم من هذا النوع، بحسب الصالح، لكن التخطيط في الفترة المقبلة فعال بشأن التدريب على التشخيص المخبري، ومناقشة المستشفيات التي ستحتوي نقاط عزل وعناية مشددة (حجر صحي).