منصور العمري
ناشد 14 وزير خارجية أوروبيًا النظام السوري وداعميه وقف الحرب ومواصلة المفاوضات، في عمود صحفي في “اللوموند” الفرنسية، نُشر في 26 من شباط الحالي. لا أعتقد أن هناك دليلًا أكبر من هذا يشير إلى العجز والتقاعس الأوروبي، والاستخفاف بدماء السوريين وآلامهم.
استخدم العمود صورة الطفل المعمد بدمائه لاستعطاف نظام الأسد وبوتين، لأن المقال موجه إليهما، وكأن كاتبي الرأي هؤلاء لا يعلمون أن الأسد قتل أكثر من 30 ألف طفل وطفلة بالقصف والكيماوي وتحت التعذيب، وأن طائرات بوتين تستهدف المدارس والمشافي بشكل منهجي.
أحبائي كتّاب الرأي الصاعدين الأوروبيين، من شروط كتابة مقال الرأي الإلمام بالسياق، وغالبًا ما يكتبه خبير في شأن ما، ويكون ذا منظور فريد في مسألة معينة.
تحول أصحاب القرار الأوروبي إلى كتّاب رأي، بدلًا من اتخاذ إجراءات حقيقية لإسعاف مئات آلاف المهجرين في مناطق إدلب.
ما لم يكن ذلك المقال مقدمة لتغيير في السياسة تتبعه خطوات ملموسة، رغم أنها متأخرة، يعتبر هذا المقال اعتذارًا، وتبريرًا للتقاعس عن العمل تجاه مئات آلاف النساء والأطفال المهجرين في مناطق إدلب، وتجاه آلة جرائم الحرب التي يرأسها الأسد وبوتين.
لو فرضنا أن الأزمة الإنسانية الحالية لمليون مهجر أغلبهم من الأطفال والنساء في إدلب، هي الفعل الإجرامي الوحيد للأسد، فستكون كافية لوسم هذا الفصل من تاريخنا البشري بعار مظلم على كل أولئك الذين لم يحركوا ساكنا لإيقافه، وتركوا مليون إنسان في معاناة شديدة ومواجهة آلة جرائم حرب الأسد وحدهم.
ومع ذلك، لا أرى هذا التخاذل مفاجئًا، لو نظرنا إلى الإبادة الجماعية للروهينغيا، التي وقعت تحت نظر المجتمع الدولي، الذي لم يفعل شيئًا لوقف ذلك. رغم أن هذا لا يفاجئنا لكنه يحرق قلوبنا كسوريين (ومؤمنين بالمسؤولية عن الحماية والقيم الإنسانية المشتركة) عندما نرى أن التقاعس أصبح هو القاعدة في عصرنا، وأن التخاذل تجاه ضحايا إدلب يعزز هذه القاعدة أكثر فأكثر.
تتحدث مقدمة المقال بشكل بموجز عن وضع إدلب، ويدعو فيها الاتحاد الأوروبي الأسد إلى التوقف! ثم تذكر عقوبات الاتحاد الأوروبي كوسيلة للضغط على الأسد! هذه العقوبات ضرورية لكنها لم تردع الأسد لسنوات من ذبح السوريين والتنكيل بهم، وآخرها في إدلب.
ثم يذكر الإسهامات المالية للاتحاد الأوروبي للسوريين، ولكن معظمها يتدفق عبر الأمم المتحدة التي تعمل بشكل رئيس في المناطق التي يسيطر عليها الأسد.
أتابع عن كثب أنشطة مكاتب الأمم المتحدة في “سوريا الأسد”. الأمم المتحدة لديها الآن إمبراطورية في سوريا. كل ذلك بإسهامات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية واليابان، بينما يتجمد النازحون في مناطق إدلب حتى الموت.
في خاتمته، يشرح المقال جهود الاتحاد الأوروبي لتحقيق العدالة للسوريين: “سنواصل عملنا لإحالة القضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية”. هل يعني أنهم سيضغطون على روسيا لعدم استخدام “الفيتو” ضد إحالة سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية! إذا لم يكن كذلك، فما العمل الذي يتحدثون عنه! هل تمت إحالة أي قضية متعلقة بسوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية!
أنا آسف لأني أقول هذا، لكنني حقًا لم أستطع أن أمنع نفسي من رؤية هذا المقال على أنه مهزلة تلخص تقاعس الاتحاد الأوروبي تجاه الضحايا داخل سوريا منذ سنين، وأنه يشكل غطاء للأولويات الحقيقية لسياسة الاتحاد الأوروبي، بما فيها الجدران والحواجز القانونية والخرسانية في وجه أولئك الذين يريدون النجاة، وفي مواجهة أولئك الذين هم بالفعل في الاتحاد الأوروبي، بما يجعل حياتهم أكثر بؤسًا، لا سيما في الدنمارك والسويد.
أردت أن أكتب أكثر للرد على هذا المقال، لكنني وبكل صدق ليس لدي دافع أو وقت، ولكن، أولًا: أرجو منكم عدم التطفل على مهنتي ومهنة كتّاب الرأي الحقيقيين، وممارسة مهنتكم الحقيقية. لكن ربما بعد فتح تركيا حدودها للاجئين تجاه أوروبا، ستنهون تطفلكم على كتّاب الرأي وتتجهون إلى ممارسة مهنتكم.
–