جريدة عنب بلدي – العدد 34 – الاحد – 14-10-2012
نجح النظام إلى حدٍ ما بالتأثير على شعبية الجيش الحر وإنقاصها عند البعض، فانقسم الناس ممن كانوا يدعمون الثورة ويقفون معها إلى مؤيد للجيش الحر ومعارض له. فهناك أناس طغت مصالحهم الشخصية على مصلحة الثورة، نتيجة ما أصابهم من مصائب كالتهجير ودمار بيوتهم وخوفهم من القصف، بالإضافة إلى حزن آخرين على ما تدمر من مبان سكنية وأخرى أثرية فحمّلوا الجيش الحر ضمنًا المسؤولية، متناسين من المدمر الأساسي لهذه الأحياء.
أما القسم الآخر من الناس فما زال يدعم الجيش الحر بكل أنواع الدعم، حيث أصبح يميز بين الصالح منه والطالح (المدسوس من النظام، أو المنضم إليه لأهداف غير شريفة)، وبات الدعم يتوجه بأكثريته للكتائب التي أثبتت وجودها وإنجازاتها على الأرض وصدقت نواياها لما حققته من انتصارات عظيمة ولما سطره أفرادها من بطولات وملاحم رائعة وتضحيات عظيمة.
عرف هذا القسم الواعي من الناس أن ما يحدث من أخطاء من الجيش الحر وأن ما يتم من تدمير لأماكن وجوده، إنما هو أسلوب ممنهج ومدروس بعناية من النظام وهدفه إفقاد الجيش الحر حاضنته الشعبية لحمله على الخروج من المدينة، أو لدفع الناس لإخراجه منها، وهذه الخطط لا تنطلي على الواعي المثقف. فلقد اتبعت الولايات المتحدة الأمريكية الإستراتيجية نفسها في حربها على العراق، لتكريه الناس بالمجاهدين وتنفيرهم منهم، ولقد نجحت في ذلك بإخراج المجاهدين من المدن مما سهل من هزيمتهم، والاتحاد السوفيتي أيضًا اتبع هذا الأسلوب في حربه مع الشيشان لكنه لم ينجح بسبب تمسك الشعب بالمجاهدين مما أدى إلى انتصارهم أخيرًا.
في نوع كهذا من المعارك «قوتين غير متكافئتين بالقوة ولا العتاد» لا يمكن أن تنجح إلا إذا أخذت لمعركة شكل «حرب الشوارع» وإن خرج الجيش الحر بالنهاية من المدينة سيكون القضاء عليه أمرًا حتميًا، وسيكون ذلك كارثة على أهل هذه المدينة وعلى نجاح الثورة أخيرًا.
وأخيرًا، وإن خسر الجيش الحر إلى حد ما جزءًا من شعبيته بين الناس، فإن هذا لن يؤثر عليه عمليًا لأن المناطق التي يسيطر عليها قد خلت من معظم سكانها، أما استمرار دعم التجار له فكان له الأثر الأكبر. حيث كان عاملًا من العوامل التي ساعدت على صموده إلى الآن «إلى جانب ما يغنمه من النظام» إضافة إلى إتباعه خطة عدم التحصن بحي واحد حتى لا تتم محاصرته فيه، وإنما سيطر على مناطق واسعة متصلة بشكل مباشر مع الريف المحرر حتى تركيا، مما يصعب قطع الإمدادات عنه. أضف إلى ذلك العمل على محاولات توحيد الصفوف والجهود بين القيادات، والذي أحرز تقدمًا واضحًا إلى الآن على صعيد الكتائب، وهذا ما جعل الجيش الحر في مدينة حلب هو الأقوى إلى الآن، حيث أن دخوله إلى حلب ونجاحاته المستمرة فيها قد قلب موازين القوى، وكان القشة التي قصمت ظهر النظام لاسيما أن حلب هي العاصمة الاقتصادية لسوريا.