ديرالزور.. ترويج التنظيم وضيق الحال يحوّلان شبابها إلى قتلة مأجورين

  • 2015/06/21
  • 5:23 م

سيرين عبد النور – ديرالزور

مأتمان متجاوران، لشهيدين قضى كل منهما مع فصيل مختلف وعلى جبهة مختلفة، أو لربما على الجبهة ذاتها، كل منهما على طرف من النزاع. مشهد لم يعد غريبًا عن المدينة التي عرفت بكونها خزانًا بشريًا في المنطقة، وباتت مؤخرًا مورّدًا للمقاتلين؛ حال تلخصّه قصة الخالة أم أحمد وعبد الله؛ الأول قتله «التنظيم» والآخر زفّه لها شهيدًا.

المشهد في ديرالزور حيث يتّبع تنظيم “الدولة الإسلامية” مزيجًا من الترغيب والترهيب في محاولات حثيثة منه لاستقطاب شبانها وتجنيدهم في صفوفه، موظفًا إعلامه الترويجي ومستغلًا الضغوط الاقتصادية على الأهالي.

عقب سيطرة تنظيم الدولة على حي العمال في ديرالزور تموز الماضي، رحل أحمد مع فصائل الجيش الحر التي غادرت المنطقة، واستقر به الحال مع الثوار في ريف حلب. أما عبد الله، الشاب العشريني والأخ الأصغر لأحمد، بقي في المدينة والتحق بصفوف مقاتلي التنظيم، وقبل أسابيع ودّع أمه مسافرًا إلى «جهاد الكفرة والمرتدين» على حد تعبيره.

بضعة أشهر بعد رحيله، قضى أحمد “شهيدًا” إثر مواجهات بين الثوار وتنظيم الدولة؛ وبعده وصلت ورقة كتب عليها «سامحيني يا أمي» بخط يد عبد الله، مع تهنئة عناصر التنظيم لها بأنه قضى “شهيدًا” في مواجهة جبهة النصرة.

استنزاف بشري على كافة الجبهات

«في منطقة تعددت فيها أطراف الصراع وتنوعت التنظيمات المدعومة بغطاء ديني أو وطني»، بحسب الناشط والباحث الاجتماعي في ديرالزور طه العبد، «لم تكن هذه الحادثة الوحيدة من نوعها، فالوضع في المنطقة غيّب سؤالين هامين عن أذهان المقاتلين: من أقاتل؟ ولماذا أقاتل؟، ما حدا بالإخوة للوقوف في مواجهة ضد بعضهم أثناء المعارك، وتسبب بخسائر بشرية ومادية دون مبرر حقيقي”.

ويتابع الباحث إن ما مرت به المنطقة من اشتباكات بين فصائل محلية أسفر عن وقوع ضحايا أيضًا، إلا أن الأعداد كانت محدودة، والمواجهات كانت محدودة الأثر والتأثير.

خطر تفتت المجتمع المحلي داخليًا وانقسامه جراء تباين الانتماءات للأطراف المتنازعة لم يعد خافيًا، وإن لم تنشب بعد نزاعات ثأرًا لمن قتلوا على جبهات مختلفة؛ تتجه أصابع الاتهام إلى تنظيم “الدولة» بأنه يسعى إلى ذلك.

حتى السيدة الستينية أم أحمد، لم يسكتها الخوف من سواطير لا ترحم أحدًا في المدينة، وصرخت متسائلة «من يزرع الحقد والرصاص بين الأهل والأخوة؟ من يزرع السكاكين بين البيوت المتجاورة؟ لمصلحة من هذه الحروب العبثية؟».

لا يكاد يمرّ يوم على المدينة إلا وتسلب جبهات القتال أو سجون النظام أو التنظيم أحد أبنائها؛ وبحسب جهود نشطاء المدينة لتوثيق وفياتها خلال أيار الماضي، تجاوز عدد القتلى 225، منهم 120 قضوا على يد قوات الأسد، وأكثر من 75 على يد تنظيم الدولة، فيما بلّغ تنظيم الدولة أكثر من 20 عائلة في ريفي ديرالزور الشرقي والغربي بوفاة أبنائهم على جبهات القتال في سوريا والعراق، وقضى أكثر من 10 أفراد على جبهات القتال مع فصائل معارضة للأسد، بينما تغيب عن هذه الإحصائيات أعداد القتلى في صفوف النظام.

وتغيب الإحصاءات الدقيقة والموثوقة عن أعداد المنتسبين إلى صفوف التنظيم إثر الصعوبات التي تواجه من يعمل على ذلك، بسبب سياسات التكتم والسرية لديه وانتشار الولاء له بين أبناء المنطقة.

وفي حين تستمر الجبهات باستنزاف شباب المدينة، يبقى الهاجس الأكبر للأهالي هو استمرار سَوق قوافل من أبنائهم نحو جبهات جديدة وبعيدة، في الوقت الذي تشكو فيه بعض جبهاتها في مواجهة النظام من «الفراغ»، فتنظيم الدولة دفع بالشباب في صفوفه إلى جبهات توزعت على امتداد مناطق سيطرته، من العراق، إلى الريف الشمالي السوري، فالحسكة والرقة والبادية السورية وصولًا إلى القلمون والجنوب السوري، والاشتباكات على معظم هذه الجبهات هي مع فصائل المعارضة السورية، جبهاتٌ زج بها  شباب ديرالزور دون أن يوضح مَن عدوهم أو ما هدفهم من قتاله.

ورغم المعارك التي خاضها التنظيم ضد قوات الأسد، يبدو أن مواجهاته تتركز ضد فصائل المعارضة السورية المسلحة؛ فشمالًا، ما تزال الجبهات بين التنظيم وفصائل المعارضة مشتعلة، وفي القلمون يستمر التنظيم بعمليات الكر والفر. ويؤكد ما يوثقه ناشطو المدينة عن ضحايا المعارك ذلك، فالعدد الأكبر منهم كان ضحية اشتباكات ضد فصائل المعارضة، لا ضد الأسد.

التنظيم يروج لنفسه..

يؤكد عددٌ ممن التقتهم عنب بلدي من أهالي المدينة أن التنظيم يعمل جهده لدفع المدنيين في مناطق سيطرته للالتحاق بصفوفه، لكن ثمار جهوده «محدودة جدًا» بحسب محمد، ناشط في المدينة، «رغم محاولات التنظيم المتكررة لاستمالة الكتلة البشرية المتبقية في مناطق سيطرته وتحويلها إلى مخزون حيوي يمده بحاجته من العناصر البشرية إلا أنه فشل حتى اليوم، ولم تلقَ دعوته أي استجابة سوى على نطاق ضيق».

كذلك تقول وئام، التي ما تزال تقطن في المدينة، إن «من يلتحق بالتنظيم هم أعدادٌ قليلة فيما يبذل التنظيم جهودًا جبارة محاولًا اجتذاب أكبر عدد من الأهالي إليه»، وتوضح أن التنظيم يستغل الوسائل الدعائية والإعلانية في مناطق سيطرته بـ «أفضل الطرق»، ويوزع مجانًا مقاطع مرئية ومسموعة «موجهة»، ويستغل المواسم الدينية والخيم الدعوية لاستعطاف أكبر عدد ممكن.

«غالبًا ما تحاول النظم الشمولية استغلال مختلف المنابر لتقوم بالدعاية لنفسها محاولة تسويق بضائعها -الفاسدة في الغالب- عبر تعاطف الناس الديني، إذ يحاول المستبدون على الدوام استغلال محبة الناس لدينهم للسيطرة عليهم»، يقول عمر أحد أبناء حي الشيخ ياسين، وطالب في كلية الشريعة.

ويستغل ضيق الموارد..

وينوّه عمر أن الدعاية الدينية ليست أسلوب الضغط الوحيد الذي يلجأ إليه التنظيم، بل يسخّر معظم نواحي الحياة، الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، لدفع الأهالي نحو الانتساب إلى صفوفه.

بينما يعقب أبو خلف، وهو رجل سبعيني من قرى ريف ديرالزور الغربي، عن محدودية مصادر الدخل المتاحة «أغلب رواتب الموظفين توقفت، ومصادر الدخل باتت شحيحة، والمحاصيل الزراعية لم تعد بالإنتاجية السابقة متأثرة بارتفاع أسعار المحروقات وقلة المياه واستمرار ظروف الحرب والقصف وغلاء الأسعار وارتفاع تكلفة الخدمات الأساسية والضرائب المتزايدة التي يفرضها التنظيم»، مفصّلًا تكلفة الحاجات الأساسية للأسرة بمعدلاتها الدنيا، 1300 ليرة لتوفر الكهرباء، و600 للمياه، ومشيرًا إلى الارتفاع الباهظ في أسعار الطعام واللباس.

«غلاء فاحش وأوضاع مزرية وقلة مصادر الدخل ستدفع بمن بقي إلى الانتساب في صفوف التنظيم، ولو مرغمًا» يقول ناشط في المدينة، فالسعي لتوفير سبل العيش قد يدفع بالبعض إلى هكذا تدابير، والمدينة لم تعد الخزان الحيوي لتصدير المياه إلى غيرها من المحافظات، ولا السلة الغذائية لطيف من أجود المحاصيل الزراعية.

في ظل ضيق الحال المطبق على الأهالي، يعمد التنظيم إلى تقديم مرتبات مغرية للعاملين في صفوفه (المبايعين)، كما أنه يحاول تقديم وظائف مدنية بعيدة عن العسكرة لاستقطاب مختلف الشرائح ومنهم المهندسون والمعلمون والأطباء.

وسياسة الترهيب حاضرة

ليوازن الكفة، لا يكتفي التنظيم بالترغيب لجذب حاضنة له، فيلجأ إلى التضييق الأمني على السكان في المناطق الخاضعة لسيطرته، وعلى الشبان على وجه الخصوص، بحسب رامز، أحد ناشطي ريف الدير، «يحاول التنظيم تصوير الحياة في ظلاله بالجنة، وبخاصة للشباب نظرًا لما يوفره لهم من سلطة ومال؛ كما يصور الحياة بعيدًا عنه بجحيم لا يطاق بسبب الملاحقات الأمنية والتضييق المستمر من عناصر الشرطة العسكرية والحسبة».

ومن بين ما أصدر التنظيم مؤخرًا، قرار «بطرد كافة الذكور غير المنتسبين للتنظيم والذين لا يعيشون مع عوائلهم من أحياء المدينة»، في حين يوزع المنازل على «المهاجرين» في صفوفه، وهي خطوة يرى فيها ناشطون سعيًا لإقصاء جميع العناصر التي تشكل تهديدًا للتنظيم.

وفيما يستمر التنظيم باستغلال العمق العشائري في هذه المناطق لاستجلاب الولاءات وتجنيد المزيد، تتضاءل حاضنته الاجتماعية فعليًا، بحسب ما يرى الباحث طه العبيد، إضافة إلى ما يروى عن «زج التنظيم بالعناصر المحلية في مواجهات خاسرة وموت محتم”، فإن «نفور الأهالي من السياسات المتشددة التي يتبناها التنظيم، والهزائم التي مني بها على جبهات ريف الرقة الشمالي، ما أبعد عنه الصورة السابقة كتنظيم حديدي لا يقهر وأوجدت أملًا بخلاص قريب”.

عاملان أسهما في تشكيل «نقاط ردع» تحول دون انخراط مزيد من الشبان في صفوفه، بحسب العبيد؛ إلا أن التساؤل المطروح يبقى، أتكفي هذه العوامل لوقف النزيف البشري في المنطقة؟

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا