قانون “قيصر” وطرق سوريا الدولية.. عقوبات جاهزة وشركات قد تعيد حساباتها
عنب بلدي – تيم الحاج
يستميت النظام السوري، بدعم روسي جوي وإيراني بري، للسيطرة على الطريقين الدوليين “M5″و”M4″، اللذين يقطعان مسافات واسعة من مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة في الشمال السوري، ومنذ منتصف كانون الثاني الماضي حتى شباط الحالي ساعدت العمليات العسكرية النظام على الاقتراب من تحقيق هدفه.
تخلّف العمليات العسكرية في ريفي إدلب وحلب أضرارًا جسيمة بحق المدنيين، ليصل عدد النازحين إلى أكثر من 800 ألف شخص بحسب أرقام الأمم المتحدة، وأمام معاناتهم لم تبادر أمريكا والاتحاد الأوروبي إلى التدخل بشكل جدي للجم النظام عن مسعاه.
إلا أن تركيا هي البلد الوحيد الذي تعكس تحركات جيشه على الأرض اعتراضها على تصرفات النظام، حتى إن الرئيس، رجب طيب أردوغان، أعطى النظام مهلة حتى نهاية شباط الحالي، كي يتوقف عن عملياته ويتراجع إلى حدود اتفاقية “سوتشي” المتعلقة بمنطقة إدلب.
وتلقت تركيا خلال الأيام الماضية، وخاصة بعد مقتل جنود لها على يد النظام في إدلب، بعض المواقف الدولية الداعمة، وتحديدًا من حلف شمالي الأطلسي (ناتو) الذي هي عضو فيه، إضافة إلى الموقف الأمريكي الذي تحدث علانية عن وقوف واشنطن إلى جانب أنقرة. لكن هذا الموقف استبعد الخيار العسكري، وفق ما جاء على لسان مبعوث أمريكا إلى سوريا، جيمس جيفري.
وأمام هذه المعطيات يبرز سؤال ملح حول جدية واشنطن في التدخل لوقف عمليات النظام العسكرية، وسط توقعات بتدخل أمريكا لمعاقبة النظام عبر حرمانه من الاستفادة من الطرق الدولية، وذلك عبر تفعيل قانون “قيصر”.
“قانون قيصر”.. سيف مسلّط
يرى كبير المفاوضين في وفد المعارضة السورية إلى اجتماع “جنيف 4″، محمد صبرا، في حديث لعنب بلدي، أن أهمية قانون “قيصر” تكمن في أنه وضع كل اقتصاد النظام تحت المجهر الأمريكي، وبالتالي فإنه من غير الممكن لأي شركة أن تدخل في علاقات تجارية الآن مع النظام خوفًا من شمولها بالقانون، مضيفًا أن هذا الأمر بدا واضحًا قبل أشهر عندما نصح الأمريكيون غرفة التجارة والصناعة في عمان ألا تقدم على خطوات تجارية مشتركة مع النظام.
وأوضح أن تطبيق قانون “قيصر” لا علاقة له بالسيطرة على الطرق الدولية، واستدرك قائلًا “لكن بعد دخول القانون حيز التنفيذ فإن الطرق الدولية تفقد قيمتها الاقتصادية، وتبقى قيمتها بالنسبة للنظام رمزية فقط”.
أرباح الترانزيت
روسيا والنظام كانا يرغبان بإعادة تشغيل الطرق الدولية، وذلك لعودة تنشيط الترانزيت البري الرابط بين أوروبا والخليج العربي عبر تركيا ومن ثم سوريا باتجاه الأردن، وفق صبرا، الذي أوضح أن خط التجارة البرية هذا كان يؤمّن للنظام موردًا مهمًا من العملة الصعبة كرسوم مرور.
ولفت إلى أن معبر نصيب الحيوي الرابط بين سوريا والأردن لا يمكن أن تتم الاستفادة منه إلا بعد إعادة تنشيط تجارة الترانزيت، التي كانت تستخدم طريقي النقل الأساسيين في سوريا وهما الـ”M4″ و”M5″، إضافة إلى أن النظام كان يرغب بتأمين مجموعة من احتياجاته المختلفة من المعدات ومواد البناء وبعض المواد الأولية عبر هذه الطرق البرية، “أي إعادة ربط اقتصاده باقتصادات دول الجوار، وذلك سيسهم من وجهة نظر النظام بتطبيع علاقته مع تلك الدول انطلاقًا من بوابة الاقتصاد والتجارة”، بحسب صبرا.
ويرى صبرا أن روسيا تريد من وراء العمليات الأخيرة في إدلب وحلب تحقيق ثلاثة أهداف، منها هدفان يتعلقان بالحالة السورية، وهما إعادة ربط النظام باقتصادات دول الجوار، وأيضًا تبديل أطراف الصراع من صراع محلي إلى دولي، بمعنى أن يصبح النظام بمواجهة دولتين هما تركيا في غرب الفرات وأمريكا في شرق الفرات.
ولفت إلى أن ذلك سيسهم بإعادة تأهيل النظام، لأن الدولتين ستضطران للدخول في ترتيبات معه، تتعلق بوجودهما في سوريا، وهو ما تأمل روسيا الوصول إليه.
فضًلا عن الهدف الثالث الذي ترغب روسيا بتحقيقه، وهو وضع حلف “ناتو” أمام اختبار الإرادة والجدوى، وهذا يخرج عن نطاق الحالة السورية، لكنه يهم روسيا جدًا في استراتيجيتها العامة بمواجهة الحلف.
حجم الأرباح
وفقًا لبعض لتقديرات، التي نقلها الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، محمد العبد الله، في حديث إلى عنب بلدي، فقد تجاوز حجم تجارة الترانزيت عبر طريقي “M5″ و”M4” قبل عام 2011 حاجز الثلاثة مليارات دولار أمريكي سنويًا.
وقال إنه في حال تمكنت روسيا من السيطرة على هذين الطريقين، فستفرض كمرحلة أولى الرسوم على تجارة الترانزيت، ما سيحقق لها عوائد مالية كبيرة جدًا، يلي ذلك استفادة روسيا من هذه الطرق لتثبيت وجودها كجهة سيادية ذات تأثير كبير على الحركة التجارية في هذه المنطقة، وربطها بطرق دولية أخرى في الدول المجاورة.
ولفت العبد الله إلى أنه بالنظر إلى حجم الصادرات التركية إلى سوريا، على سبيل المثال، التي بلغت في نهاية عام 2018 ما يقارب 1.34 مليار دولار أمريكي، على الرغم من مرور أعوام على اندلاع النزاع في سوريا، فقد اقتربت تركيا من أرقام صادراتها إلى سوريا قبل عام 2011.
وهذا ما يؤشر إلى أهمية هذه الطرق للصادرات التركية التي خسرت العديد من أسواقها العربية نتيجة توقف هذه الخطوط، حيث كانت أغلبية الصادرات التركية تجد طريقها من سوريا إلى دول المنطقة من خلال خط النقل السريع “M5″، وفق العبد الله.
هكذا ستستفيد روسيا
في هذا الإطار، يرى العبد الله أن روسيا ركزت منذ انخراطها في الملف السوري على أجنداتها الاقتصادية، سعيًا للسيطرة على أبرز القطاعات الحيوية التي يمكن أن تحقق لها عوائد اقتصادية مجزية في أقصر فترة زمنية.
ولفت إلى أنه نظرًا لتموضع سوريا جغرافيًا في عقدة استراتيجية لحركة النقل التجاري البري، أولت روسيا الطرق الدولية أهمية كبيرة للسيطرة عليها، وبرز ذلك جليًا في الاتفاقات السياسية التي شارك بها الروس من حيث إدراجها في خارطة هذه الاتفاقات، والمعارك العسكرية التي خاضتها وتخوضها في عموم المناطق السورية التي تمر بها هذه الطرق.
ومن جانب آخر، تسعى روسيا من خلال السيطرة على هذه الطرق لإعادة تعويم النظام السوري وتخفيف وطأة الضغوط الاقتصادية الكبيرة التي يرزح تحتها في الوقت الحاضر، وفق العبد الله.
وتابع، “لذا فإن السيطرة على هذه الطرق ستتيح تحقيق عوائد كبيرة من الترانزيت لروسيا، ومن المرجح ألا تتمكن روسيا من تحقيق المكاسب الاقتصادية المباشرة بالسيطرة على هذه الطرق والتمكن من تأمينها في الوقت الحاضر، إلى جانب إقرار الولايات المتحدة قانون قيصر، لكنها تعول على المستقبل في حال تم رفع هذا القانون لعدم تحقيقه النتائج المرجوة منه، واستخدام روسيا نفوذها الدولي للحد من تأثيره”.
ومن جهة أخرى، فإن السيطرة على هذه الطرق سيضمن لروسيا موطئ قدم كبير للاستفادة من عملية إعادة الإعمار في سوريا، في حال التوصل إلى حل سياسي، نظرًا للاعتماد الكبير المتوقع على هذه الطرق من قبل الشركات التي ستنخرط في عملية إعادة الإعمار، وفق العبد الله.
عقوبات أمريكية
في هذا الإطار يتفق العبد الله مع صبرا في أن العديد من الشركات والتجار في الدول المجاورة لسوريا سيعيدون حساباتهم في عقد صفقات مع النظام في حال استعاد الطرق الدولية.
ويرى العبد الله أن العقوبات الأمريكية هي عقوبات موجهة نحو النظام وبعض المؤسسات والأشخاص المرتبطين به، معتبرًا أنه في حال تم تشغيل خطوط النقل الدولي فستطال العقوبات الشركات في الدول المجاورة وغير المجاورة، من حيث طبيعة المواد التي يتم تصديرها إلى سوريا والجهة المتعامل معها ومدى ارتباطها مع الحكومة.
في حين قال صبرا، إن فرض عقوبات أمريكية على النظام يتوقف على طبيعة التقرير الذي سيعده وزير الخزانة الأمريكية فيما يتعلق بنشاطات المصرف المركزي في دمشق، وهل سيبقى المصرف المركزي جزءًا من النظام المصرفي العالمي أم سيتم إخراجه منه، كما حدث مع النظام المصرفي الإيراني بعد تطبيق العقوبات الأمريكية عليه.
وتابع، “أظن أن جميع الشركات والتجار الأفراد في دول الجوار وبقية دول العالم سيعيدون حساباتهم الآن في أي عقد أو علاقة تجارية يمكن أن يكون النظام طرفًا بها، سواء كان طرفًا أصيلًا أو وكيًلا “.
وتوقع أن الجميع في حالة انتظار حتى الشهر السادس من العام الحالي (2020)، لصدور اللوائح الإجرائية وتقارير الخزانة الأمريكية والهيئات الفيدرالية المكلفة بتنفيذ قانون “قيصر”.
ما هو قانون “قيصر”
قانون “قيصر” هو مشروع قانون أقره مجلس النواب الأمريكي، في 15 من تشرين الثاني 2016، ووقع عليه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 21 من كانون الأول 2019.
وينص القانون على معاقبة كل من يقدم الدعم للنظام السوري، ويلزم رئيس الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول الحليفة للأسد.
وتعود تسميته باسم قانون “قيصر” إلى الضابط السوري المنشق عن النظام، والذي سرّب 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل عام 2014، قتلوا تحت التعذيب، أكد مكتب التحقيق الفيدرالي (FBI) صحتها، وأثارت الرأي العام العالمي حينها، وعُرضت في مجلس الشيوخ الأمريكي.
ويشمل القانون كل من يقدم الدعم العسكري والمالي والتقني للنظام السوري، من الشركات والأشخاص والدول، حتى روسيا وإيران، ويستهدف كل من يقدم المعونات الخاصة بإعادة الإعمار في سوريا.
ويدرس القانون شمل البنك المركزي السوري بالعقوبات المفروضة، مع وضعه لائحة بقيادات ومسؤولي النظام السوري المقترح فرض العقوبات عليهم، بدءًا من رئيس النظام، بشار الأسد، بتهمة انتهاكات حقوق الإنسان.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :