بالحلال.. بالحرام.. كيف يعيش الموظفون في دمشق هذه الأيام؟
دمشق – نور الهدى خياطة
لطالما تعلن التقارير الصحفية عن تكلفة العيش والحياة في “أقدم عواصم العالم”، وأتعسها وأفقرها، وربما من أخطرها.
وتتحدث الأرقام التي تحتاجها الأسرة السورية للبقاء على قيد الحياة عن 325 ألف ليرة سورية على الأقل، بحسب صحيفة “تشرين” الرسمية، دون أن تتضمن أجور المنزل لآلاف العوائل المهجّرة.
ونشرت الصحيفة الحكومية التقرير قبل عام من الآن، وحينها كان سعر صرف الدولار حوالي 500 ليرة سورية، أما اليوم، فقد تضاعف سعر الصرف، وتضاعفت معه الأسعار، مع ارتفاع طفيف أو يكاد لا يُذكر، طرأ على الرواتب الشهرية في القطاعين العام والخاص (زيادة 20 ألف ليرة سورية).
يبلغ متوسط الرواتب الشهرية للموظفين الحكوميين حوالي 80 ألف ليرة، وقد يبلغ بأفضل حالاته 120 ألف ليرة مع جميع الحوافز والمكافآت التي قد يحصل عليها الموظف.
أما في القطاع الخاص، فالوضع ليس أفضل بكثير، إذ تتراوح الرواتب الشهرية بين 120 و150 ألف ليرة في أحسن الأحوال.
وبالنسبة للمناصب الإدارية، فقد تصل الرواتب إلى 200 ألف ليرة في أحسن الحالات، فكيف يعيش الناس؟ ومن أين ينفقون على أسرهم؟
وظيفة واحدة لا تكفي!
قد يكون من السذاجة أن يعتمد الموظف أو العامل على وظيفة واحدة، بل صار العمل في مكانين أو ثلاثة أمرًا شائعًا في دمشق، ويضطر العامل أن يخرج من عمل، ليلتحق بعمله الآخر، أو سائق الأجرة مثلًا بات يعمل بدوامين وربما ثلاثة، فترة صباحية، وفترة مسائية، وفترة ليلية.
وانسحب الأمر على العاملين في قطاعات خاصة، فتجد بعضهم يعملون في وظائف أخرى بعد انتهاء دوامهم، مثل التدريس أو الترجمة.
وبذلك يحاول الموظف أو العامل توفير دخل آخر غير دخله الأساسي.
شخص واحد يعمل لا يكفي!
انتهى الزمان الذي يعملُ فيه ربّ الأسرة، ويؤمّن كل مستلزمات عائلته، وجاء الزمان الذي يعمل فيه الجميع، الزوج والزوجة والأبناء والبنات، كلّ حسب استطاعته، وتتجمع الرواتب الشهرية في سلة واحدة، كي تكفي العائلة، أو على الأقل كل فرد من أفراد الأسرة يكفي نفسه وينفق شيئًا يسيرًا في صندوق العائلة.
وصار عمل الطلاب أيضًا أمرًا شائعًا، فوقت الطالب ليس للدراسة فحسب، بل عليه البحث عن عمل مسائي أو ليلي، ومساعدة أسرته في بعض الإنفاق.
العمل داخل العمل
واحدة من طرق الحصول على أجر إضافي، هي العمل داخل العمل، لا سيما في الوظائف الحكومية، فيأتي الموظف ويسجل اسمه في سجل الدوام أو يضع بصمته على آلة تسجيل الدوام، ويخرج لعمل آخر حتى وقت الظهيرة، ليعود ويسجل اسمه أو يضع بصمته مرة أخرى ظهرًا.
وبالتالي يجني راتب وظيفته الأساسي، ويحصّل راتبًا آخر من العمل الذي عمله خلال هذا الوقت.
الفساد والسرقة
لا تستطيع العبور بأي ورقة حكومية، وإمضاء أي توقيع عليها، دون أن “تبيّض الفال” وتدفع “المعلوم” للموظفين، وإلا فمعاملتك مصيرها “الدرج”.
وربما عادت مشاهد مسلسل “يوميات مدير عام” لنراها في الواقع مرة أخرى، ومشهد الرشاوى صار علنيًا، دون خجل أو خوف.
ويبرّر البعض الرشوة لنفسه أو لغيره، ويقول ببساطة “كيف بدو يكفينا الراتب إذا ما اخدنا إكرامية؟”
وتتراوح هذه الإكرامية من 500 ليرة وصولًا إلى ألفي ليرة للتوقيع الواحد، وبالتالي يستطيع الموظف أن يدّخر مبلغًا قد يوازي ويفوق راتبه الشهري، يعتاش فيه مع عائلته.
ولا تقتصر الرشاوى على الوظائف الحكومية، بل انتشرت حتى في الوظائف الخاصة، فيمكن أن ترشو سكرتيرة طبيب الأسنان من أجل تقريب دورك، أو تقدم رشوة لموظف التأمين، من أجل زيادة مخصصاتك.
واحتلت سوريا المركز قبل الأخير في قائمة التقرير السنوي لمؤشرات “مدركات الفساد” الذي تصدره “منظمة الشفافية الدولية”، والذي يرصد حالتي الشفافية والفساد، في 180 دولة حول العالم.
وصنفت “منظمة الشفافية الدولية” في تقريرها السنوي الصادر، في 23 من كانون الثاني الماضي، سوريا في المرتبة 178 برصيد 13 نقطة، تلتها جنوب السودان والصومال في المرتبة الأخيرة، برصيد تسع نقاط.
السرقة والخطف
انتشرت أيضًا مظاهر السرقة والنشل والخطف، وذلك مع انتشار الفقر ووصوله إلى مستوى غير مسبوق، وتتراوح مجالات السرقة من سرقة حاجيات من مكان العمل مثل القرطاسية والأثاث والأدوات الكهربائية، وصولًا إلى سرقة ملايين الليرات لقاء صفقات مشبوهة أو عقود وهمية.
أما بالنسبة للنشل، فصار شائعًا لدرجة ألا يمر يوم دون تسجيل حوادث نشل هواتف محمولة أو حقائب نسائية في الكراجات وأماكن الازدحام.
وتبدو حالات الخطف الأقل حتى الآن، لكنها تسجَّل بين وقت وآخر، ولا يكون قصد الخطف سياسيًا أو طائفيًا، بل اقتصاديًا صرفًا، فيطلب الخاطف فدية كبيرة مقابل إطلاق سراح المخطوف.
“إن خليت خربت”
تبقى هناك بعض العوائل المسحوقة التي تعتاش “بالحلال”، لكنها تعاني الأمرّين من أجل تأمين كفاف الحياة من طعام وشراب، وتلجأ عوائل أخرى إلى “بعض الحرام”، وتصف حالتها بالاضطرارية.
وبجميع الحالات، نسبة من هم تحت خط الفقر 90%، بحسب “اقتصاديين نقلت عنهم صحيفة تشرين الحكومية”، وهي أرقام تقارب ما تعلنه الأمم المتحدة عن وجود 83% تحت خط الفقر، بحسب تقييم احتياجاتها لعام 2019.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :