قبل ثلاثة أشهر قال مدير وكالة المخابرات المركزية جون برينان للجنة الكونغرس إن الإدارة تخشى سقوط حكومة الأسد في دمشق، ما يمكن أن يؤدي إلى استيلاء “المتطرفين الإسلاميين”، بمن فيهم تنظيم “الدولة الإسلامية” وجبهة النصرة وعناصر القاعدة على السلطة بعد انهيار النظام.
“سمعت مخاوف مماثلة خلال حضوري لجلسة الاستماع في الكونغرس 17 حزيران الجاري”.
روبرت فورد – معهد الشرق الأوسط
نُشر في 19 حزيران 2015
تولّي “المتطرفين” بدلًا عن الأسد، قلق مشروع حتى لو أنه بعيد عن أن يكون واقعيًا، إذ لا “الدولة الإسلامية” ولا النصرة ولا أي فصيل مسلح آخر يمكن أن يسيطر على السلطة بشكل كامل بعد انهيار حكومة الأسد، التي بدأت تضعف ولكنها لن تختفي، في ظل المنافسة الشديدة بين الفصائل المسلحة، التي لا تملك أي منها القوة لتهزم البقية؛ منذ فترة طويلة والوضع على هذا الحال.
حرب المعارضة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”
المثال الأكثر حداثة هو تحرك “الدولة الإسلامية” شمال شرق حلب نهاية أيار الماضي ومهاجمة مقاتليها وتقدمها في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل الإسلامية والعلمانية الأخرى.
وكان هجوم مقاتلي التنظيم مخططًا له أو صدفة “رائعة” ليحظى من الغارات الجوية للحكومة السورية، التي هاجمت الفصائل نفسها التي يقاتلها التنظيم.
تقدم مقاتلو تنظيم “الدولة” قرابة 8 كيلومترات في المنطقة، فيما نقل مقاتلو المعارضة الذين يعملون ضد التنظيم معركتهم من غرب حلب إلى الريف الشمالي الشرقي وبدؤوا هجومهم المضاد ضده، ليبعدوا التنظيم بعد أسبوع من بعض المناطق ويسيطروا على مواقع جديدة.
ومن المهم وضع القتال العنيف بين مقاتلي التنظيم وعناصر جبهة النصرة والمقاتلين الإسلاميين الأكثر اعتدالًا الذي جرى في المعركة بعين الاعتبار.
وبالمثل في مخيم اليرموك بدمشق، وهو حي للاجئين الفلسطينيين يبعد حوالي 10 دقائق بالسيارة عن القصر الرئاسي للأسد، كان هناك هجوم للتنظيم أوائل نيسان الماضي وسيطرة شبه كاملة على الحي في غضون أيام قليلة، لتأتي مرة أخرى الفصائل المسلحة الأخرى، والمقاتلون الفلسطينيون هذه المرة جنبًا إلى جنب مع مجموعات أخرى عاملة ضد التنظيم تدعى الجيش الإسلامي وتشن هجومًا مضادًا وتدفعه ببطء خارج المخيم.
حتى وقت كتابة هذه السطور، لازالت “الدولة الإسلامية” تسيطر على بعض المناطق في المخيم، بينما تسيطر الفصائل الفلسطينية والسورية على البقية.
وكان جيش الإسلام سبق وقاتل ضد التنظيم في أحياء أخرى من دمشق مصممًا على بسط سيطرته التامة على الضواحي الشرقية للعاصمة.
أخيرًا، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، أوقف عناصر الجيش السوري الحر جنوب سوريا تدفق التنظيم الذي كان يتجه شمالًا نحو دمشق من المحور الغربي، في حين أعلن فصيل مسلح آخر ولاءه للتنظيم وهو لواء شهداء اليرموك (اسم اليرموك أتى من نصر المسلمين على البيزنطيين)، وحتى وقت كتابة هذه السطور تتقدم عناصر الجيش السوري الحر تقدمًا بطيئًا ولكن بخطىً ثابتة في قتالها غير البعيد عن مرتفعات الجولان.
ومن غير المرجح أن تنهار حكومة الأسد بشكل مفاجئ كما جرى مع نظام صدام حسين، إذ لا تزال قوته الجوية صلبة، ووحداته الأمنية الموالية (بعيدًا عن الخوف من شيء آخر) والدعم الإيراني موجودًا، فضلاً عن قوة حزب الله اللبناني، ومع ذلك فإن ديناميكية حرب الاستنزاف الطويلة تتحول بشكل واضح ضدها.
في نيسان 2013 كان النظام يتراجع، ولكن تدخل حزب الله مع الآلاف من مقاتليه حوّل المد إلى جزر، أما في حزيران الجاري لا يوجد أي عامل واضح جديد لعكس المد المتصاعد ضد الأسد، ما لم تقرر إيران إرسال الآلاف من قواتها البرية إلى سوريا من تلقاء نفسها.
وحتى لو فعلت ذلك، من المرجح أن يكون هناك تحريك أكبر للسلاح والدعم اللوجستي للمعارضة السورية المسلحة من تركيا والسعودية وقطر والتي أحدثت تغييرًا لصالح المعارضة.
في نهاية المطاف، حكومة الأسد وأنصارها هم الأقلية في سوريا، الغالبية العظمى من الشعب السوري لن تعود للحشد بأعداد هائلة لدعم ديكتاتورية جشعة بدأت تضعف، ولكنها ستدعم بدلًا من ذلك المعارضة، أو تقف على الهامش على أمل انتهاء الصراع الرهيب.
سيناريوهات محتملة في سوريا
هناك ثلاثة سيناريوهات لحكومة الأسد في سوريا، الأول هو أن ترسل إيران قوات جديدة كبيرة لرفع معنويات الأسد المكافح، ما يعيد التوازن بشكل تقريبي في حرب الاستنزاف الجارية مؤقتًا، ومن المرجح أن يكون هذا التدخل هو الوحيد في ظل استمرار القوى الخارجية الداعمة للسنة بدعم المعارضة المسلحة.
ومع وجود موارد مالية جديدة بعد الاتفاق النووي، من الممكن أن تُصعّد إيران من دعمها في ظل مواجهة هذا التصعيد من قبل السنة وبالتالي ستطول الحرب.
في هذا السيناريو الأول ستصبح كل من دمشق واللاذقية ساحات للمعركة ما يؤدي إلى إرسال مزيد من اللاجئين إلى الحدود السورية.
السيناريو الثاني هو أن تخفف إيران من المساعدات التي تقدمها في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الأسد، ولكنها لن تختفي على أي حال.
وفي ظل كفاحها للبقاء لن يكون لقوات الأسد مكان للهروب، إذ ربما تعاني مؤسستها العسكرية في بعض المناطق أكثر مما عانت سابقًا، ولكن الوحدات العلوية المدعومة من حزب الله ستستمر في القتال.
وضَمِن استمرارهم الفشل الذريع الذي منيت به المعارضة في الوصول إلى معاقل العلويين، (قائد النصرة أبو محمد الجولاني قال للجزيرة في أيار إن الجبهة ستقاتل العلويين حتى يتحولوا إلى الإسلام السني، مثل هذه العقلية تقلل من فرص التوصل إلى اتفاق سياسي).
السؤال الحقيقي هو ماذا ستفعل المعارضة المسلحة؟ هناك العديد من المجموعات المسلحة التابعة لعشرة تحالفات كبيرة، بعضها يحاول تطوير سياسته المشتركة.
وربما معظم الفصائل المسلحة ستتوحد في جبهة سياسية تختلف تمامًا مع “المتطرفين” كتنظيم “الدولة” وجبهة النصرة؛ عندها ربما تستطيع المعارضة ومن بقي من النظام على قيد الحياة أن تجد طريقها للتفاوض بتشجيع ودعم من القوى الإقليمية.
إذا حققت المعارضة ومن بقي من النظام اتفاقًا (ويمكن للمرء أن يتخيل كم سيكون من الصعوبة الوصول إلى اتفاق)، ربما بتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة وهذا ما يؤدي بدوره إلى حشد معظم السوريين تدريجيًا لمحاربة “المتطرفين”، ولكن هذا السيناريو يحتمل الكثير من العثرات؛ على أي حال هو غير محتمل.
السيناريو الثالث هو الأكثر احتمالًا. الفصائل المسلحة لن تتوحد في جبهة مشتركة مستدامة بل ستتنافس مع بعضها وضد من بقي من نظام الأسد، وستكون النتيجة مؤقتة على شكل تحالفات عسكرية محلية بين القوات الحكومية المنهارة وفصائل مسلحة معينة، وستسعى كل منها جاهدة على المدى القصير للحصول على أفضلية تكتيكية.
تقسيم محتمل لسوريا إلى 6 مناطق
من المرجح أن تكون النتيجة النهائية تقسيم البلاد بين الفصائل والتحالفات المختلفة إلى 6 مناطق واضحية فعليًا ومن الممكن أن تتحول إلى أكثر من ذلك أيضًا:
1- منطقة يسيطر عليها العلويون وحزب الله المدعومون من إيران وروسيا على طول الحدود مع لبنان على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
2- منطقة شمال غرب سوريا التي يسيطر عليها الفصيل المسلح المعروف باسم جيش الفتح، الذي يشمل جبهة النصرة ولكنها لا تتحكم به، والمدعوم من تركيا وقطر.
3- سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على المنطقة الشرقية التي تشكل ثلثي مساحة سوريا.
4- سيطرة الجيش السوري الحر والفصائل المرتبطة به في الجبهة الجنوبية، بدعم من الأردن والسعودية على معظم الجنوب السوري مع وجود جيوب تخضع لسيطرة جبهة النصرة.
5- دمشق تذكرنا ببيروت خلال الحرب الأهلية اللبنانية الفظيعة، كل ماذكر سابقًا من الفصائل بما فيها جيش الإسلام سيسيطرون على أحياء مختلفة في العاصمة.
6- المقاتلون الأكراد الذين استفادوا من الدعم الأمريكي الجوي سيسيطرون على مركز الشمال والشمال الشرقي.
ترسيم الحدود لمناطق السيطرة المذكورة لن تكون ثابتة وستستمر المناوشات في القتال، وستكون الهدن ووقف إطلاق النار هي القاعدة التي سيُعتمد عليها.
هذه الصورة تشير حسبما يسميه بعض من في المنطقة إلى “الصوملة” في سوريا
غياب الانخراط الأمريكي بشكل جدي
وليس أي من هذه السيناريوهات يعني سيطرة “المتطرفين الإسلاميين” كتنظيم “الدولة الإسلامية” وجبهة النصرة على سوريا بعد انهيار النظام، ولكن سيطرتها على المناطق المفتتة داخل سوريا لسنوات عديدة. من هنا سينجذب مجندون جدد ويتم تدريبهم ضد الأعداء الداخليين والخارجيين بمن فيهم الولايات المتحدة.
ومن الممكن أن تضغط تركيا على بعض الجماعات “غير المتطرفة” التي خاضت معارك ضد “الدولة الإسلامية” وتجنبت العلاقات مع جبهة النصرة لتطوير موقف مشترك حول مستقبل سوريا، الولايات المتحدة لديها القليل من المشاركة مع هذه المجموعات وتتجنب مساعدتهم ضد التنظيم.
وبدلًا من ذلك حاولت الولايات المتحدة بناء قوة سورية جديدة، من المرجح أن تظهر بعد سنة وهذا ما يزيد من الانقسام داخل صفوف المعارضة إذا نجحت في ذلك.
غياب الانخراط الأمريكي بشكل جدي مع بعض أكبر الفصائل الإسلامية غير المتطرفة التي تقاتل بالفعل على أرض الواقع سيؤدي إلى تقويض نفوذنا، ويجب اتخاذ قرار مدروس من قبل الإدارة التي وصلت إلى السلطة لبحث تعزيز المشاركة الأمريكية مع القوى غير الصديقة.
لطالما تذبذبت الإدارة متجنبة الانخراط الجدي مع أي من الإسلاميين في سوريا مستخدمةً القوة العسكرية بشكل مباشر ضد المتطرفين منهم.
طيارونا لديهم مهام قتالية في سوريا وهناك خطر شخصي عليهم، ومن الغريب أن تفضل الإدارة المخاطر التي يتعرض لها شعبنا بدلًا من محاولتها للمرة الأولى الوصول إلى حل وسطي وتمكين قوة جادة في مواجهة مشكلة التطرف وحكومة الأسد، وهذا هو السبب الجذري للمشكلة في سوريا، وبذلك تبقى الإدارة الأمريكية في سوريا تحاول تحقيق الأهم، و”الدولة الإسلامية” هي مشكلة ثانوية.
لا يمكن تحديد تعريف النجاح ضد “الدولة الإسلامية” في سوريا، أو كم من الوقت ستستمر مهمة سلاح الجو الأمريكي، لأن قوتها لا تعتمد فقط على سلاح الجو الأمريكي ولكن أيضًا على سير المعركة مع الأسد، وهذه هي المعركة التي لا تعالجها الإدارة بشكل مباشر.
سيتمنى أحد لو أن وكالة المخابرات المركزية وبقية الإدارة بدعم من الكونغرس، استخدمت أدوات سياسية إضافية كالمساعدات المادية الجدية للمعارضة الأكثر اعتدالًا، أو ربما حتى فرض منطقة حظر جوي، (وكلاهما مشروط)، وذلك للضغط على الأسد وجلبه إلى طاولة المفاوضات وللتأثير على الحلفاء الإقليميين والعناصر السورية غير المتطرفة على الأرض.
يمكن أن نحاول السير نحو اتفاق سياسي وطني في نهاية المطاف، ومن الصعب التوصل إلى هذا الاتفاق، وهذا يرجح منطقيًا سيناريوهات غير واردة كسيطرة “الدولة الإسلامية” وجبهة النصرة على سوريا، بينما نحن نطير وننفذ غارات جوية لا نهاية لها ضد أهداف التنظيم المنتشرة في الصحاري النائية.
ترجمة عنب بلدي، لقراءة المقال باللغة الإنكليزية من المصدر اضغط هنا.
–