جمع الإعلان عما يعرف بـ”صفقة القرن” بين رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، وعقدا مؤتمرًا صحفيًا في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
المؤتمر استمر لأكثر من ربع ساعة، الثلاثاء 11 من شباط، وبدأه محمود عباس بالترحيب بأولمرت واصفًا إياه بـ “الصديق العزيز”.
وأكد عباس خيار “حل الدولتين”، والذي يجبر إسرائيل على الانسحاب إلى ما قبل حدود عام 1967، وهو العام الذي شهد حربًا بين الدول العربية وإسرائيل، واحتلت الأخيرة إثرها الجولان السوري والضفة الغربية وسيناء والقدس، مشيرًا إلى أنه يريد القدس الشرقية عاصمةً للدولة الفلسطينية، ويعيش جنبًا إلى جنب مع الإسرائيليين.
من جهته، وصف أولمرت عباس بأنه “شريك السلام الوحيد”، دون أن ينتقد بشكل مباشر “صفقة القرن”، والتي تتيح للإسرائيليين الحصول على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية.
لقاء بعد جمود
سبق لأولمرت أن تولى رئاسة بلدية القدس في عام 1993، وعمل على تشجيع الاستيطان فيها، وبقي في منصبه عشر سنوات، كما أسس مع رئيس الوزراء الآخر، آرييل شارون حزب “كاديما”، بعد انشقاقهما عن حزب الليكود (الذي يرأسه بنيامين نتنياهو حاليًا)، احتجاجًا على إخلاء المستوطنات في قطاع غزة.
في عهد أولمرت كرئيس للوزراء، خاضت إسرائيل حربين في عامي 2006 و2008، الأولى في جنوب لبنان والثانية في غزة، وتمت تنحيته عن منصبه في عام 2009 على خلفية قضايا فساد، أودع إثرها السجن، كأول رئيس وزراء إسرائيلي تتم محاكمته وتنفيذ الحكم عليه.
هذا اللقاء هو الثاني بين الطرفين منذ توقف المفاوضات بينهما عقب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فيما عرف بعملية “الرصاص المصبوب” في عام 2008، إذ سبق أن التقيا في عام 2018 في العاصمة الفرنسية باريس، وقال أولمرت ما يقوله اليوم “محمود عباس هو رجل السلام الوحيد الذي يمكننا التعامل معه”.
ونقلت وسائل إعلام فلسطينية محلية في وقت سابق، عن وسائل إعلام إسرائيلية، قولها إن إيهود أولمرت ألغى زيارة إلى سويسرا في عام 2019 خوفًا من اعتقاله وتعرضه للاستجواب بشأن الحرب على غزة، وهو ما أكده موقع “روسيا اليوم“.
ردود الفعل على تحركات أولمرت الجديدة، والذي كان قريبًا من عقد اتفاق سلام مع الفلسطينيين قبل عزله، لم تتوقف، وجاءت من أعلى المسؤولين، إذ هاجمه صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، والذي يوصف بأنه مهندس “صفقة القرن”، بشكل مباشر، واصفًا إياه بـ”المتطفل الذي لم يعد ذا صلة”، بحسب ما نقلت صحيفة “القدس العربي” في 7 من شباط.
انتقادات كوشنر جاءت من مبدأ أن على كوشنر المساعدة في حل المشاكل لا انتقاد التحركات الرامية للسلام، معتبرًا موقفه بمثابة “الحسد” على ما لم يستطع فعله بنفسه.
انتقاد وانتقاد مضاد.. صفقة القرن أزمة سياسية؟
بدأت الانتقادات الموجهة لرئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو، قبل إعلان صفقة القرن بأيام، من سياسيين وصحف إسرائيلية، باعتبار أن الصفقة تغطية على قضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو.
واعتبرها رئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، أفيغدور ليبرمان، “محاولة لإنقاذ نتنياهو المحاصر بقضايا الفساد” وتعزيز آماله في الانتخابات المقبلة، في 2 من آذار المقبل.
استغل نتنياهو لقاء عباس- أولمرت ليهاجم الأخير، معتبرًا أن الاجتماع مع عباس هو “نقطة منخفضة” في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي، بحسب ما نقل موقع “Times of israel“، أمس 11 من شباط.
واتهم نتنياهو أولمرت “بتقويض خطة السلام الأمريكية”.
أولمرت نفسه، انتقد “صفقة القرن” في بداية شهر شباط الحالي، معتبرًا إياها مجرد إنجاز في العلاقات العامة لنتنياهو، ولن تؤدي إلى تسوية حقيقية للصراع، بحسب ما نقلت صحيفة “معاريف الإسرائيلية“، معربًا عن خوفه من “بكاء إسرائيل لاحقًا”، بحسب تعبيره.
وانتقد سفير الاحتلال الإسرائيلي في الأمم المتحدة، داني دانون، تصريحات أولمرت.
وقال دانون إنه “في اليوم الذي فشل فيه أبو مازن في مناورة سياسية في الأمم المتحدة، اختار أولمرت أن يقدم زوبعة للفلسطينيين، وهو ما يضر إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية”، بحسب ما نقلت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية.
وأعلن عباس أمام الأمم المتحدة، أمس 11 من شباط، رفضه لصفقة القرن، داعيًا إلى مفاوضات جديدة تحت مظلة اللجنة الرباعية، واصفًا الصفقة بأنها اقتراح غير شرعي من جانب واحد وبكافئ إسرائيل على عقود من الاحتلال، بحسب ما نقلت صحيفة “Newyork Times”.
دانون نفسه حذر أولمرت من لقاء عباس، وذلك في مقال له في صحيفة “The Jerusalem post” قبل لقائهما بيوم واحد، بتاريخ 10 من شباط.
واعتبر دانون في مقاله أن أولمرت “سيجلس إلى جانب عباس في اليوم الذي يدعو فيه الأخير إلى العنف ضد الإسرائيليين”، طالبًا منه عدم القدوم إلى الأمم المتحدة.
واعتبر دانون أن عباس يجبر شعبه على مستقبل “من الرفض والإرهاب”، وسيذكره التاريخ كرافض عظيم للسلام، على عكس أنور السادات رئيس مصر الأسبق والملك حسين بن طلال، ملك الأردن.
وسبق أن وقعت مصر اتفاقية سلام مع الاحتلال الإسرائيلي في عام 1979، تبعها الأردن في عام 1994.
ونقلت صحيفة “هآرتس”، في 27 من كانون الثاني الماضي، عن وزير الدفاع الإسرائيلي، نفتالي بينيت، قوله إن إسرائيل “لن تسمح بقيام دولة فلسطينية بأي حال من الأحوال”، على خلفية الإعلان المرتقب عن بدء العمل بالصفقة حينها.
عامل التوقيت في صفقة القرن
ونشرت وكالة “الأناضول”، في 27 من كانون الثاني، تقريرًا مطولًا اعتبرت فيه أن التوقيت يأتي لمصلحة نتنياهو وترامب أيضًا.
وسبق أن تعرض الرئيس الأمريكي لمحاولات عزله على خلفية تهم تتعلق بسوء استغلال للسلطة، قبل أن يقرر الكونغرس الأمريكي الحكم ببرائته مطلع شهر شباط الحالي.
فيما لم تنته قضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو حتى اللحظة، وهي القضايا المعروفة باسم القضية (1000) والقضية (2000) والقضية (3000).
ويواجه نتنياهو تهم تتعلق بالفساد وتلقي الرشاوى.
وأعلن الرئيس الأمريكي، في مؤتمر صحفي عقده في واشنطن، رفقة نتنياهو، في 28 من كانون الثاني، تفاصيل خطة “صفقة القرن”.
ووفق التفاصيل المعلنة، تتضمن الخطة إنشاء “دولة فلسطينية” على مساحة 70% من الضفة الغربية على أن تكون عاصمتها بلدة شعفاط، شمال شرقي القدس.
وسيتم ربط العاصمة الجديدة بقطاع غزة عبر نفق أرضي، وهو ما سيسمح لإسرائيل بضم ما يقارب 40% من أراضي المنطقة “ج”، التي تشكل بدورها 61% من مساحة الضفة الغربية.