يلجأ معظم النازحين في الغوطة الشرقية إلى جمع الأعشاب الصالحة للأكل من أراضي المنطقة في ظل غلاء السلع الغذائية واحتكار التجار لها. أم أحمد تبدأ رحلتها كل يوم مع أطفالها في جمع الخبيزة، “إن مذاقها جيد، وتسد جوعنا إلى حد ما كوننا لا نستطيع الحصول على طعام أفضل، فنحن لا نملك المال ونعيش على هذا الحال منذ سنوات”.
وكغيرها من الآلاف في الغوطة الشرقية حُرمت أم أحمد وأطفالها من تناول اللحم الغني بالبروتين الحيواني الذي تحتاجه أجسامهم، في ظل حرمانهم من الغذاء الصحي، ولكن تأمين بديل غني بالبروتين استرعى اهتمام العديد من المنظمات والمؤسسات الخيرية فسعوا جاهدين إلى إيجاد حل يضمن لعوائل الغوطة طعامًا صحيًا وبسعر مقبول.
محطة تربية الأرانب، تجربة أولى في الغوطة
داخل مزرعة على أطراف مدينة دوما بدأت هيئة الإغائة الإنسانية الدولية IHR مشروعًا لتربية أمهات الأرانب، وفق أسس علمية تضمن تكاثرًا جيدًا بمخاطر صحية أقل، في محاولة لتأمين فراخ الأرانب للمواطنين بأرخص الأسعار وتأمين بديل مناسب للبروتين الحيواني، ما يضمن غذاءً صحيًا للمحاصرين داخل الغوطة، ويشجع الأهالي على تربية الأرانب في منازلهم ليستفيدوا منها.
تضمّ المزرعة 180 قفصًا مزودًا بمعالف ومشارب وبيوتًا للولادة، تحوي بداخلها 150 من أمهات الأرانب الجاهزة للتكاثر، بالإضافة إلى 30 ذكرًا قادرًا على التلقيح.
الدكتور خالد النسرين، مدير محطة أمهات الأرانب، تحدّث إلى عنب بلدي حول أهمية المشروع وعن مصدر تأمين مستلزمات رعاية الأرانب في ظل نقصها ضمن الغوطة من مصادر متعددة:
العوائل الفقيرة في الغوطة هي الفئة المستهدفة
استمر تجهيز المحطة والأقفاص قرابة شهر، ولجأ القائمون على المشروع إلى سوق الحيوانات المعروف في المدينة لتأمين أمهات الأرانب والذكور اللازمة، وسيبدأ المشروع إنتاجه بعد 6 أشهر بالحصول على قرابة 900 أرنب شهريًا، ومن المفترض أن تغطي إيرادات بيع الفراخ الكلفة التشغيلية للمشروع إضافة لأجور العمال، ما يسمح باستمرارية المشروع دون الحاجة إلى تمويله مرة أخرى وبالتالي يصبح المشروع قادرًا على تشغيل نفسه لمدة 3 سنوات، بحسب فراس المرحوم، ممثل الهيئة في الغوطة الشرقية.
ويشير فراس إلى أن الأرانب ستُباع على شكل فراخ بعمر شهر واحد (عمر الفطام)، بسعر 5.5 دولار أمريكي للأرنب الواحد، وهو سعر جيد بالمقارنة مع السعر المحلي 8.5 دولار، وسيكون عدد العوائل المستفيدة من المشروع 300 عائلة شهريًا، أي 3 أرانب لكل أسرة.
ويعمل الكادر داخل المحطة يوميًا على رعاية أمهات الأرانب وتأمين بيئة مناسبة للحصول نتيجة جيدة تضمن نجاح المشروع، عنب بلدي التقت أبو محمود، رئيس العمال في المحطة، وتحدّث عن سير العمل اليومي فيها ومراحل توزيع الوجبات الغذائية للأرانب:
الأرانب حساسة للأمراض
الأستاذ أبو عبدالله، وهو أحد سكان مدينة دوما وحاصل على ماجستير في إدارة الأعمال، تحدّث إلى عنب بلدي عن أهمية المشروع في ظل الحصار الذي تعاني منه الغوطة، “المشروع جيد من نواحٍ عديدة، فالأرنب يملك نسبة تحويل للبروتين أكثر من باقي الحيوانات، كالأبقار والأغنام وحتى الدجاج، ويعتمد بشكل أساسي على القش في غذائه، إذ لا تتطلب رعايته علفًا مركزًا كباقي الحيوانات لذلك تعتبر تربيته هي الأفضل في منطقتنا”.
ونوّه أبو عبدالله إلى سلبيات تربية الأرانب باعتباره سبّاقًا في خوض التجربة، “إنها حساسةٌ للأمراض، كما أن السلالات الموجودة هنا غير متكيفة مع البيئة ولا يملك أحد في المنطقة خبرة في التربية”.
وتعتبر الرعاية الصحية للأرانب من أهم عوامل نجاح المشروع. يتحدث محمد صبحية، وهو طبيب بيطري يعمل في المحطة، عن ضرورة تفادي الأمراض الوبائية المنتشرة كالباستوريلا وغيرها، عبر أخذ احتياطات الأمن الحيوي الصارمة والتعقيم الدوري للمحطة مشيرًا إلى أهمية رعاية أمهات الأرانب في الفترة الأولى:
لحم الأرانب ألذ طعمًا من الدجاج
“أعرف العديد من العائلات التي اشترت زوجًا من الأرانب واعتنت بها من أجل التسلية، لكنهم بعد عدة أشهر أصبحوا يملكون عددًا أكبر من الأرانب، إذ لا يكلف الأمر كثيرًا فهم يعتمدون في تغذيتهم على مخلفات الطعام”، يقول أبو عبدالله، مشيرًا إلى أن الهواية أصبحت مصدرًا محليًا من البروتين الحيواني لهذه العوائل.
رشا، وهي مدربة تربية بدنية في إحدى مدارس المدينة اعتبرت مشروع الأرانب خطوة رائعة باعتبارها موردًا غذائيًا مهمًا وبديلًا يحتاج إلى عناية، “روح الأرانب حساسة، ويحتاج إلى مساحة ليقفز ويحفر حتى لا يموت”.
ولم تُبد رشا اعتراضًا على فكرة الاعتماد على لحوم الأرانب كبديل للحوم الأخرى، “أنا كسيدة منزل سأتناول لحم الأرانب إذا كان مفرومًا”، مضيفةً “نحتاج إلى التوعية والدعاية لتعليم طهي الأرانب حتى لا يتعرض للسواد أو المط ويفسد؛ يقولون أن الأرانب ألذ طعمًا من الدجاج”.
22 ألف عائلة مستفيدة من مشاريع الهيئة الإغاثية
تأسست هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية في حزيران 2011، وبدأت العمل في الغوطة الشرقية المحاصرة منذ أكثر من 8 أشهر، من خلال إدارتها لعدد من المشاريع والحملات الإغاثية والتنموية التي تهدف لتخفيف معاناة الحصار، بحسب فراس المرحوم، ممثل الهيئة في الغوطة الشرقية، “غطت مشاريع الهيئة ما يزيد على 22 ألف عائلة أي أكثر من 22% من سكان الغوطة الشرقية، ونُفذت المشاريع بالتعاون مع المنظمات والهيئات الدولية الشريكة لها، وكان من أحدثها مشروع محطة تربية الأرانب”.
وتستعد الهيئة للبدء بمشاريع جديدة للتخفيف من معاناة الأهالي في الغوطة، ممثل الهيئة ومدير محطة تربية الأرانب تحدث إلى عنب بلدي عن هذه المشاريع:
الزراعة هدف المجلس المحلي والحكومة تصمّ آذانها
“المشروع مهم جدًا إذ يمكن توزيع الأرانب المواليد على المزارعين لتربيتها، وبالتالي نشر نشاط تربية الأرانب في الغوطة”، يقول المهندس حسان، مدير المكتب الزراعي في المجلس المحلي لمدينة دوما، مشيرًا إلى أن المجلس حاول تنفيذ العديد من المشاريع لدعم الانتاج الحيواني في الغوطة، بالإضافة إلى طرحه خططًا لتأمين المواد الغذائية محليًّا في الغوطة الشرقية:
https://soundcloud.com/enab-baladi/wvmjjmzxcjuy
وحول دور الحكومة المؤقتة في هذا الصدد اتصلت عنب بلدي بالمعنيين في وزارة الإدارة المحلية والإغاثة وشؤون اللاجئين مرات عديدة خلال الأيام الأربعة الماضية دون أن تحصل على أي معلومات عن مشاريع الوزارة لرفد الأهالي في الغوطة الشرقية بالمواد الغذائية والإغاثية.
الأستاذ أبو عبد الله كان له رأيه حول ما يقدمه المجلس المحلي في المدينة للأهالي في ظل الحصار، “لا أعلم إن كان للمجلس المحلي أعمال مشابهة ولكن القائمين عليه يعملون على مشاريع أخرى كاستخدام المقلب (قمامة المدينة والمخلفات والأوساخ) لتوفير السماد، وهو مشروع جيد استفاد منه الفلاحون بشكل كبير، كما كان مشروع تأمين المبيدات الزراعية جيدًا أيضًا”.
أما المدربة رشا فاعتبرت أفكار ومشاريع المجلس جيدة وخاصة توزيعه للمواد التمونية بأسعار مخفضة،مشيرةً إلى أن ما ينقصه هو “الرقابة” أثناء التوزيع، راجيةً أن تتوجه المؤسسات والمنظمات في المدينة نحو رعاية مشاريع المونة المنزلية التي تجعل من المرأة فردًا منتجًا بتوفير العمل لها.
أصبح غلاء الأسعار وندرة اللحوم أمرًا مألوفًا بالنسبة لأهالي الغوطة الشرقية في ظل الحصار الذي تعاني منه منذ أكثر من عامين، بينما تحاول العديد من المنظمات والهيئات الرسمية سد النقص الحاصل من خلال رعايتها لمشاريع تنموية تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في محاولة لتأمين مصدر غذائي جيد بأسعار مقبولة للتخفيف من الواقع المأساوي الذي يعيشه الأهالي في المنطقة.
“ماما ليكي هنيك في منن”، يقول أحمد راكضًا بفرح، لعثوره على كمية صغيرة من النباتات اعتاد البحث عنها مع أخوته وأمه لتأمين وجبة طعامهم الوحيدة داخل الغوطة الشرقية في دمشق.
أعد هذا التقرير بدعم من البرنامج الإقليمي السوري