إدلب رهينة الضامنَين.. لمن الغلبة؟

  • 2020/02/09
  • 12:01 م

الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين (عنب بلدي)

مراد عبد الجليل | تيم الحاج | حباء شحادة

يعود مشهد خلط الأوراق وتضارب المصالح بين اللاعبين إلى الواجهة مجددًا على الجغرافيا السورية، لكن هذه المرة في ساحة إدلب وريفها، بين روسيا التي تنظر إلى المدينة بكونها “بؤرة للإرهاب” لا بد من تطهيرها وإعادتها إلى حضن النظام السوري بالقضاء على آخر معاقل المعارضة، وتركيا التي اعتبر رئيسها، رجب طيب أردوغان، في أيلول 2018، أن أمنها (إدلب) مرتبط بالأمن القومي التركي.

وخلال العامين الماضيين كان الأتراك والروس هما اللاعبين الأساسيين في الملف السوري، اختلفا في قضايا واتفقا في أخرى، كان أهمها “مسار أستانة” للحل في سوريا، الذي بدأت روسيا من خلاله تطبيق رؤيتها السياسية، وقضم مناطق المعارضة الواحدة تلو الأخرى، من حلب وصولًا إلى الغوطة الشرقية وريف حمص ودرعا، دون رد فعل تركي حقيقي يتناسب مع حجم خسارة المعارضة التي تدعمها سياسيًا وعسكريًا، لهذه المناطق.

لكن رد فعل أنقرة اختلف هذه المرة في إدلب، بعد التطورات المتسارعة التي شهدتها المدينة، خلال الأسبوعين الماضيين، ما أزعج الضامن التركي وجعله يطلق تهديدات، ويرسل أرتالًا عسكرية بمئات المدرعات والآليات، في رسالة إلى النظام والروس بعدم التنازل عن مصالحها في المدينة الحدودية، حتى لو اضطرت إلى القيام بعمل عسكري بري وجوي في المنطقة.

بين محاولة الروس تثبيت مكاسبهم على الأرض والحفاظ على المناطق التي سيطروا عليها، ومحاولة تركيا إثبات وجودها وتنفيذ تهديداتها، يبقى المدنيون الخاسر الأكبر، إذ قُتل المئات منهم وشُرد مئات الآلاف، وفق إحصائيات أممية، وباتوا ينتظرون نتائج التفاهمات الجديدة بين الطرفين.

وفي ظل الخلاف الحاصل بين تركيا وروسيا في إدلب، تحاول عنب بلدي في ملفها رصد أوراق اللعب بيد كلا الطرفين في إدلب لتحقيق مصالحهما، التي من شأنها أن تزيد من تعقيد المشهد أو تمارس أسلوب الضغط للجلوس على طاولة الحوار مجددًا، والوصول إلى تفاهمات جديدة.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (يمين) يتحدث مع رئيس روسيا فلاديمير بوتين (يسار) في مؤتمر برلين حول السلام الليبي في برلين- 19 كانون الثاني 2020 (AFP)

كارثة إدلب..

تنبؤات ما بعد درعا تتحول إلى واقع

بعد سيطرة قوات النظام السوري على مناطق المعارضة في الجنوب السوري، درعا والقنيطرة، بإجبار الفصائل على “المصالحة” في تموز 2018، بدأ النظام وروسيا بالتفكير بتوجيه المدافع والطائرات نحو إدلب وريفها بهدف السيطرة عليها، بعدما تحولت إلى أكبر تجمع للمعارضين والمقاتلين الذين رفضوا مصالحة النظام.

ورافق التوجه نحو إدلب حينها إطلاق تحذيرات، ليس من تركيا فحسب وإنما من المجتمع الدولي، إذ اعتبر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في 24 من آب 2018، أن “أي حل عسكري سيسبب كارثة ليس فقط لمنطقة إدلب وإنما أيضًا لمستقبل سوريا”.

في حين اعتبر مدير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، جون غينيغ، في 28 من آب 2018، أن “إدلب قد تشهد أسوأ سيناريو منذ اندلاع الأزمة في سوريا”، داعيًا المجتمع الدولي إلى بذل كل ما باستطاعته لتجنب حدوث كارثة في إدلب والمناطق المحيطة بها، أعقبه تحذير أمريكي من قبل وزير الخارجية، مايك بومبيو، مفاده أن “الولايات المتحدة تعتبر قصف إدلب تصعيدًا لصراع خطير بالفعل”.

ودفع رد فعل المجتمع الدولي روسيا إلى إيقاف هجومها على إدلب، بعد التوصل إلى اتفاقية مع تركيا، في أيلول 2018، تُعرف باتفاقية “سوتشي”، لتتحول إلى اتباع سياسة “القضم البطيء” لمناطق المعارضة، عبر سيناريو ثابت يبدأ بشن قوات النظام عملية عسكرية على إحدى المناطق لعدة أيام بشتى أنواع الأسلحة، ثم تبسط سيطرتها عليها، ليعقب ذلك ردود فعل واتهامات بخرق الاتفاقية وتحذيرات إنسانية، قبل التوصل إلى وقف إطلاق النار لبعض الوقت، وتثبيت نقاط السيطرة الجديدة، ثم العودة إلى نفس السيناريو.

خلال الأسابيع الماضية، وبسبب التصعيد العسكري والقصف الذي وصف بـ”الهستيري”، تحققت التحذيرات بوقوع كارثة إنسانية في إدلب، عندما بلغ عدد النازحين، منذ كانون الأول 2019، أكثر من 520 ألف مدني، بحسب ما أعلنه المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ينس لاركيه، الذي أكد في مؤتمر صحفي، في 5 من شباط الحالي، أنه “لم يعد هناك أي مكان آمن في إدلب، فالقنابل تتساقط في كل مكان”.

كما قُتل 182 شخصًا منذ 16 من كانون الثاني الماضي، ودُمرت أكثر من 120 نقطة طبية منذ مطلع العام الحالي، بحسب ما وثقه فريق “منسقو الاستجابة”، في 6 من شباط الحالي، الذي أكد أن استمرار العملية العسكرية يهدد مليونًا و200 ألف شخص بالنزوح من مركز مدينة إدلب ومحيطها.

أما عسكريًا فقد تمكنت قوات النظام من السيطرة على مدن استراتيجية مثل مدينة معرة النعمان، أكبر مدن ريف إدلب الجنوبي، وصولًا إلى مدينة سراقب بالريف الشرقي الواقعة على نقطة تقاطع الطريقين الدوليين، دمشق- حلب “M5” وحلب اللاذقية “M4”.

ورافقت تقدم قوات النظام المتسارع بدعم الطيران الروسي، “صحوة تركية” واستشعار خطر خسارة المدينة، ما دفعها إلى زيادة أرتالها العسكرية إلى المدينة وتثبيت نقاط مراقبة جديدة حول سراقب، الأمر الذي قابلته قوات النظام بالقصف، ما أدى إلى مقتل ثمانية أتراك وإصابة تسعة آخرين، بحسب ما أعلنته وزارة الدفاع التركية.

وأدى مقتل الجنود الأتراك إلى ظهور خلاف تركي- روسي، وإطلاق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تهديدات بشن عملية واسعة في إدلب في حال لم تنسحب قوات النظام السوري من المناطق المتفق عليها مع روسيا ضمن اتفاقية “سوتشي”.

وقال أردوغان، في كلمة له أمام حزب “العدالة والتنمية”، في 5 من شباط الحالي، إن “قواتنا الجوية والبرية ستتحرك عند الحاجة بحرية في كل مناطق عملياتنا وفي إدلب، وستقوم بعمليات عسكرية إذا اقتضت الضرورة”، كما هدد باستهداف عناصر قوات النظام مباشرة عند تعرض الجنود الأتراك أو حلفاء تركيا (الفصائل) لأي هجوم، دون سابق إنذار وبغض النظر عن الطرف المنفذ للهجوم.

وحدد أردوغان مهلة لقوات النظام خلال شهر شباط الحالي للانسحاب من المناطق المحيطة بنقاط المراقبة التركية، لكن النظام لم يأخذ التهديدات على محمل الجد، وتابع تقدمه وسيطر على مدينة سراقب وحاصر نقاط المراقبة التركية الموجودة حول المدينة.

وبدأت عقب ذلك الاتصالات الدبلوماسية في محاولة لتخفيف التوتر بين البلدين، ووصل وفد روسي إلى تركيا، السبت الماضي، لمناقشة مصير مدينة إدلب، وطرح أوراقهما على طاولة الحوار، في محاولة للخروج بحل يناسب رؤية كل طرف منهما، لكن ما الأوراق التي يملكها كل طرف لفرض رؤيته ومحاولة التأثير والضغط على الطرف الآخر؟

الشرعية والإرهاب.. حجة الروس للتمسك بقضم إدلب

في أيلول 2015، أعلنت روسيا بشكل رسمي تدخلها في سوريا بحجة مساندة النظام السوري لمكافحة الإرهاب والقضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” وتنظيم “القاعدة”، الأمر الذي وضع بيدها ورقة قد توصف بالقانونية، على اعتبار أن تدخلها جاء بطلب من النظام، المعترف به كحكومة شرعية في أروقة الأمم المتحدة.

وعلى مدى الأشهر الماضية، اتخذت روسيا من شرعية تدخلها ومكافحة الإرهاب شماعة لتبرير هجومها على إدلب، إذ لا يخلو اجتماع أو تصريح لمسؤول روسي دون الإشارة إلى التأكيد على قانونية الهجوم، إذ قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في مؤتمر صحفي، في 7 من شباط الحالي، إن “كل ما يتم القيام به لمحاربة الإرهابيين يجري تنفيذه بشكل قانوني”، مؤكدًا أن “أي اتفاقات لخفض التصعيد في إدلب لا تشمل الإرهابيين، لأنهم خارج القانون”.

“شماعة الإرهاب”

تلعب روسيا على وتر وجود “هيئة تحرير الشام” التي تسيطر على مساحات واسعة في إدلب وريفها، والمصنفة كـ”إرهابية” في كل من روسيا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، متخذة وجودها ورقة لاستمرار عملياتها، وكان مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، قال في جلسة لمجلس الأمن، في 6 من شباط الحالي، إن “عناصر تنظيم هيئة تحرير الشام، المصنف إرهابيًا على المستوى الدولي، كثفوا هجماتهم من إدلب منذ نهاية 2019 على القوات السورية والروسية، بما في ذلك قاعدة حميميم”.

وتؤيد تصريحات مسؤولين غربيين النظرية الروسية بضرورة مكافحة الإرهاب في إدلب، لكن يجب أن يكون استخدام القوة ضد هذه المجموعات موجهًا بشكل دقيق، بحسب ما قاله المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، في جلسة مجلس الأمن.

ومن الأوراق التي تمتلكها روسيا للضغط على تركيا، اتهامها المتكرر بعدم تنفيذ اتفاقية “سوتشي”، التي تنص على طرد المنظمات الإرهابية في إدلب، إذ قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في تصريحات لصحيفة “روسيسكايا غازيتا” الروسية، إن تركيا لم تتمكن من فصل المعارضة السورية المسلحة، التي تتعاون معها والمستعدة للحوار مع النظام السوري في إطار العملية السياسية، عن “هيئة تحرير الشام”، التي وصفها بـ”الإرهابية”.

ورقة اللاجئين

كما أوصلت روسيا رسالة إلى تركيا بإمكانية إغراقها مجددًا باللاجئين، عبر قصف مدن وبلدات ريف حلب الشمالي، التي تشرف عليها الولايات التركية القريبة من الحدود السورية اقتصاديًا وخدميًا، إذ استهدفت الطائرات بخمس غارات جوية مدينة الباب، ما أدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص بشظايا متنوعة، وإحراق جامع “الشيخ دوشل” وتدمير ثلاثة منازل، بحسب مسؤول مركز “الدفاع المدني” في مدينة الباب، أسامة الحجار، في 2 من شباط الحالي.

وجاء القصف عقب شن فصائل المعارضة عملية عسكرية في حي الزهراء بريف حلب، وهو ما اعتبره الباحث في “مركز عمران للدراسات”، معن طلاع، رد فعل على محاولة المعارضة فتح جبهة جديدة في حلب لتخفيف وطأة المعارك وتقدم قوات النظام في إدلب، لكن البلدين تدخلا بشكل سريع وضبطا الأمور أمنيًا.

مئات المركبات المحملة بالنازحين تتجه من ريف إدلب الشرقي إلى الحدود التركية 4 شباط 2020 (عنب بلدي)

إدلب.. مكسب استراتيجي لتركيا

ما أوراق الضغط التي تملكها

“حقبة جديدة في سوريا لتركيا”، هو وصف أطلقه الرئيس التركي، في 5 من شباط الحالي، لصد قوات النظام في إدلب، بعد ساعات من حديثه مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، وإبلاغه بأن القوات التركية “ستقوم بما يلزم” إذا لم تنسحب قوات النظام السوري إلى المناطق المحددة باتفاقية “سوتشي”.

ويعكس تصعيد اللجهة التركية أهمية إدلب بالنسبة لتركيا، إذ تعتبر المحافظة آخر نقطة صراع بين النظام والمعارضة، وبالتالي هي وسيلة لتركيا كي يكون لها دور في مستقبل سوريا والعملية السياسية، بحسب الباحث معن طلاع، الذي أكد أن “هذا لا يعني تطابقًا بين الشرط الوطني للمعارضين وبين الشرط التركي، كون الحاكم أصلًا في هذه الاتفاقات هو حسن العلاقة مع روسيا كونها الفاعل الأكثر تسيدًا في الشأن السوري”.

تحديث “اتفاقية أضنة”

تأتي أهمية إدلب لتركيا كون مصير “الإدارة الذاتية” عبر عصبها الرئيس “حزب الاتحاد الديمقراطي” لا يزال غير واضح بالمعنيين الإداري والأمني، وبالتالي تعتبر إدلب نقطة دفاع متقدمة لإنهاء الوضع الإداري والتموضع الأمني للإدارة، خاصة أن كل الاتفاقات سواء في شرق الفرات أو في إدلب هي اتفاقات قلقة، بحسب الباحث معن طلاع، الذي تحدث عن إرادة تركيا في تدخلها بإدلب بتحويل مكسبها الآني إلى استراتيجي والتوصل إلى اتفاقية جديدة غير “اتفاقية أضنة” القديمة.

وقال طلاع إن تركيا تحاول فرض شروط جديدة من أجل الحصول على اتفاقية جديدة تسمح لها التدخل بمساحة أكبر من المساحة وفق “أضنة”، المحددة بخمسة كيلومترات فقط، في محاولة لمنع التواصل ما بين كانتونات “الإدارة الذاتية”.

وتكرر تركيا أن وجودها في سوريا وفق “اتفاقية أضنة”، وبرر أردوغان، الأسبوع الماضي، دخول قواته إلى إدلب بالقول إن “النظام السوري لم يقم بدعوة أي من الأطراف الفاعلة حاليًا في سوريا باستثناء روسيا وإيران، بينما تركيا لديها الحق الشرعي في التدخل لحماية أمنها بموجب اتفاقية أضنة”.

لكن النظام السوري رد على أردوغان عبر مصدر في وزارة الخارجية نشرته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في 5 من شباط الحالي، أن “اتفاقية أضنة تفرض التنسيق مع الحكومة السورية باعتبارها اتفاقية بين دولتين، وبالتالي لا يستطيع أردوغان، وفق موجبات هذه الاتفاقية، التصرف بشكل منفرد”.

وأوضح المصدر أن اتفاقية “أضنة” هي لضمان أمن الحدود بين البلدين، وتهدف إلى “مكافحة الإرهاب”، معتبرًا أن ما “يقوم به أردوغان هو حماية أدواته من المجموعات الإرهابية التي قدم لها، ولا يزال، مختلف أشكال الدعم”.

وتمكن أهمية إدلب لتركيا بأنها منطقة حدودية، وتشكل هاجسًا لها بتأثيرها على أمنها القومي، بحسب القيادي في “الجيش الحر”، عبد السلام عبد الرزاق، إذ إن سيطرة النظام على إدلب تجعل مناطق ريف حلب الشمالي وعفرين، التي سيطرت عليها تركيا بعمليتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، على طاولة المفاوضات، لأن روسيا تسعى للسيطرة على كامل التراب السوري، إلى جانب خسارة تركيا لورقة مهمة في سوريا تستخدمها لأجل ملف شرق الفرات، وقد تخرج من معادلة الصراع والمصالح في سوريا.

الرتل التركي المكون من 25 آلية وهو يدخل الأراضي السورية في مدينة الأتارب- 3 من شباط (عنب بلدي)

ما أوراق تركيا؟

حول الأوراق التي تملكها تركيا في الساحة السورية، يرى القيادي في “الجيش الحر”، عبد السلام عبد الرزاق، أنها “تدخل إلى الشمال السوري بشكل قانوني وفق اتفاقية أضنة، وتدخل في عمق حاضن وصديق لتركيا ويطالب بدخول الجيش التركي، إضافة إلى أنها تدافع عن حدودها، وتهدف لإنهاء أزمة اللاجئين الذين ربما يصلون إلى أوروبا”.

كما لوحت تركيا بفتح جبهة ريف حلب الشمالي، بحسب عبد الرزاق، إذ استطاع “الجيش الوطني”، المدعوم من تركيا، بوقت قياسي تحرير ثلاث قرى قبل انسحابه، الأسبوع الماضي، في حين سيطرت الفصائل على جمعية الزهراء بمعركة قصيرة المدة في ريف حلب الغربي، إلى جانب جبهة الساحل التي تعتبر منطقة استراتيجية للنظام السوري بسبب وجود حاضنته، وأهميتها بالنسبة لروسيا حيث توجد قاعدة حميميم ومركز القيادة والعمليات الروسية.

كما برزت مؤشرات، خلال الأيام الماضية، لإمكانية دعم الولايات المتحدة الأمريكية لتركيا في موقفها في إدلب، عبر تصريحات مسؤولين أمريكيين، وهو ما يمثل ورقة ضغط على روسيا التي تخشى من خسارة حليفها التركي في المنطقة، والتحول إلى الحليف الأمريكي التي قد تستخدمه أنقرة في مواجهة موسكو كأحد الخيارات.

وقال الممثل الأمريكي الخاص للشأن السوري، جيمس جيفري، بحسب موقع “الحرة“، في 6 من شباط الحالي، إن الولايات المتحدة تبحث سلسلة خيارات لمواجهة التطورات في محافظة إدلب، مؤكدًا أن واشنطن تسأل الأتراك عن أي مساعدة يحتاجونها، وقال “إن لدى الأتراك جيشًا قادرًا وكفئًا، وهم الآن يعززون مواقعهم، ولا نرى أي مؤشر على أن الأتراك سينسحبون من نقاط المراقبة في إدلب”.

وترى روسيا مؤشرات حقيقية لعودة فاعلة لأمريكا في المنطقة، بحسب الباحث في “مركز عمران للدراسات”، معن طلاع، من خلال الحركة الدبلوماسية سواء في أوروبا أو حتى لممثليها، بهدف عرقلة الروس وعدم إعطائهم أي ذريعة للتدخل أكثر في إدلب، إضافة إلى قانون “قيصر” ومعاقبة كل من يرفض العملية السياسية في إطارها الذي أقره قرار مجلس الأمن 2254.

“أستانة” مهدد.. تركيا “تكسب”

التهديد الأكبر الذي أطلقه أردوغان كرسالة إلى موسكو هو إعلانه موت “مسار أستانة”، إذ قال أردوغان للصحفيين في أثناء عودته من السنغال، بحسب “TRTHABER” ، في 29 من كانون الثاني الماضي، إنه “لم يتبقَّ شيء اسمه مسار أستانة”، مطالبًا بالتحرك من أجل إحيائه مجددًا والنظر فيما يمكن فعله.

انطلق “مسار أستانة” بداية عام 2017، بمشاركة من ممثلي النظام السوري والمعارضة، وبضمان كل من روسيا وتركيا وإيران، وأنشأ ما يسمى مناطق “تخفيف التوتر” التي سيطرت عليها روسيا لاحقًا.

وضم اجتماع “أستانة 4″، في أيار من عام 2017، كامل محافظة إدلب مع أجزاء من محافظات اللاذقية وحلب وحماة وحمص ودمشق (الغوطة الشرقية) ودرعا والقنيطرة، بمناطق “تخفيف التوتر”، برعاية من الأطراف الضامنة، لوقف تبادل النيران، مستثنيًا العناصر “الإرهابية” فيها، من “هيئة تحرير الشام”، وتنظيم “الدولة الإسلامية”.

يعتبر المحلل السياسي التركي المختص بالشأن السوري، طه عودة أوغلو، أن المنطقة على أعتاب إعادة صياغة إطار جديد لـ “مسار أستانة” بين أنقرة وموسكو، من خلال “رسم خطوط تماس جديدة”، معبرًا عن أمله بأن يسهم ذلك في “إعادة الاعتبار لموقف المعارضة السورية”.

ويعتبر “مسار أستانة” هو المكسب الأكثر أهمية التي تحاول تركيا الضغط من خلاله، بحسب الباحث معن طلاع، على اعتبار أن “أستانة” تمكن من تثبيت أمني لمناطق محددة وتم البناء عليها سياسيًا (الغوطة الشرقية والجنوب السوري)، ما جعل فعالية المتدخلين، سواء تركيا أو روسيا، أكبر في المشهد السياسي، حتى انعكس ذلك على مسار جنيف الذي تأثر ببوصلة “أستانة”.

ويعتقد طلاع أن التلويح بانتهاء “أستانة” يعني التلويح بإنهاء الضبط الأمني، وبالتالي استعصاء في رؤية الروس، وهذا قد يؤدي إلى الذهاب من “أستانة” إلى “جنيف” والعودة إلى الرؤية السياسية وفق القرار الدولي 2254.

سيناريوهات تنتظر إدلب

دفع إصرار النظام السوري ومن خلفه إيران وروسيا، للسيطرة على الطرق الدولية “M5” و”M4″، وقضم مناطق كثيرة من محافظة إدلب، إلى التساؤل عن المصير الذي ينتظر المحافظة الحاضنة لقرابة أربعة ملايين إنسان، بانتظار اتفاق جديد بين الضامنَين، وسط تخوف من التصعيد العسكري بينهما.

وبحسب الرئيس المشترك لـ”الجنة الدستورية”، هادي البحرة، فإن هناك كثيرًا من التساؤلات والمخاوف تثار حول محافظة إدلب وريفي حلب الجنوبي والغربي، وكتب البحرة عبر حسابه في “فيس بوك” مجموعة من السيناريوهات التي تنتظر محافظة إدلب، في ظل الحملة العسكرية عليها.

ومن أحد مآلات إدلب، وفق البحرة، سيطرة النظام على “M5” و”M4″، مع منطقة أمان محددة ومحدودة على جانب الطريقين شمالًا وغربًا، مشيرًا إلى أن هذا ما تسعى إليه روسيا، أما تركيا التي وصفها بـ”الصديق”، فستبقي نقاطًا من الطريقين تحت رقابتها ونفوذها، لافتًا إلى أن طريق “M4” سيتميز بترتيبات خاصة.

وفي السيناريو الثاني، توقع البحرة أن يتم إعادة تفعيل التفاهم السابق حول إدلب، أو التوصل إلى تفاهم جديد يتيح تخفيض العنف ووقف للأعمال الهجومية، لفترة لن تقل عن ستة إلى ثمانية أشهر، يتم خلالها التفرغ لحل مشاكل وجود “هيئة تحرير الشام”، بسبل لا ينتج عنها أعمال تتسبب بنزوح أو مخاطر كبيرة على المدنيين.

أما السيناريو الثالث، فسيتم خلاله تعزيز العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية على النظام، مع محاولات خرق لها، وسيتضمن نافذة لتفعيل التفاهمات السياسية دوليًا وإقليميًا ومحليًا، ووفق نتائج ونسبة نجاح أو فشل تلك التفاهمات، سترسم ملامح المرحلة التي تليها، والتي اعتبر البحرة فشلها بمثابة “عودة لأعمال العنف والصدامات العسكرية لإعادة فرض واقع نفوذ عسكري جديد”.

وفي حال لم تدعم أمريكا الموقف التركي، قد ينتهي الأمر بصيغة تنفيذ “اتفاقية أضنة معدلة”، ليصبح النفوذ التركي بعمق 20- 30 كيلومترًا على كامل الشريط الحدودي، وهذا يشكل الحد الأدنى الذي قد تقبل به تركيا، إن كانت الظروف تجبرها على ذلك.

عناصر قوات النظام السوري في تل طوقان بريف إدلب- 5 من شباط 2020 (AFP)

خلافات تكتيكية لحوار جديد

المحلل السياسي السوري المختص بالشأن الروسي محمود حمزة، أكد وجود توتر حقيقي بين تركيا وروسيا، بالاختلاف على فهم اتفاقيات “أستانة” و”سوتشي” التي لم يلتزم بها النظام السوري بدعم من روسيا.

وفي المقابل لم تقم تركيا بإبعاد المقاتلين المصنفين في خانة الإرهاب (هيئة تحرير الشام)، وفصلهم عن فصائل المعارضة المعتدلة، بحسب حمزة، موضحًا أن تركيا قد تقوم باستخدام هؤلاء المقاتلين كورقة لابتزاز روسيا حتى تحقق مكاسب أكثر.

وقال حمزة إن الطرفين ليس لديهما استعداد للتفريط بعلاقاتهما، و”هذه العلاقات أكبر من إدلب وأكبر من مصالحمها في سوريا”، واصفًا الخلافات بينهما حول إدلب بالتكتيكية، مشيرًا  إلى أنهم سيتفقون مجددًا على حلها، وقد تكون هذه الخلافات مبررًا لعقد صفقات جديدة بين الطرفين، وفق قوله، معتبرًا أن كل اتفاقيات “أستانة” و”سوتشي” هي عبارة عن صفقات لم يستفد منها الشعب السوري في شيء.

وأضاف أن إدلب في المحصلة تخضع لمحاولة النظام وروسيا السيطرة على الطرق الدولية، ومجرد أن يسيطرا عليها ستهدأ المعارك، لأن روسيا والنظام السوري ليست لديهما القدرة على دخول مدينة إدلب، لأن فيها كثافة سكانية هائلة، وعددًا كبيرًا من المقاتلين.

من جانبه، يرى المحلل السياسي التركي باكير أتاجان، أن تركيا لن تتخلى عن العمق الاستراتيجي، المتمثل وفق تعبيره بـ”الشعب السوري، الذي إذا خسرته أنقرة ستخسر مصالحها في الشرق الأوسط وكل المنطقة”.

وحول الخطوات التي يمكن أن تتخذها تركيا حيال تقدم النظام في إدلب، بالتزامن مع تهديد أردوغان بإيقاف النظام عسكريًا، لفت المحلل التركي في حديثه لعنب بلدي، إلى أن أنقرة ستتمسك بالحوار مع روسيا، بينما تهدد بالقيام بأعمال عسكرية على الأرض لدفع الطرف الآخر للجلوس على طاولة الحوار، لعقد اتفاقيات جديدة حول المنطقة.

“أستانة منقوص” أم “درعا جديدة” في إدلب؟

الباحث السوري معن طلاع، يرى أن إدلب بانتظار واحد من سيناريوهين، الأول تثبيت الخريطة العسكرية كما هي بعد سيطرة قوات النظام على مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي، والسيطرة على الطريق الدولي دمشق- حلب بالكامل، والعودة إلى إطار “أستانة” لإنجاز اتفاق أكثر تفصيلًا يتعلق بتحديات ما بعد المرحلة الحالية.

أما السيناريو الأكثر قابلية للتحقق بحسب طلاع، فهو تطبيق نموذج المصالحات في مدينة إدلب، وسيكون قائمًا على أمرين، الأول عدم عودة كاملة للنظام أمنيًا، والعودة فقط رمزيًا لمؤسسات الدولة، وهنا سيكون لتركيا دور مهم.

وحول مصير “هيئة تحرير الشام” و”الحزب الإسلامي التركستاني” يعتقد طلاع أن هذا الملف سيؤجل إلى المراحل الأخيرة من الصراع في سوريا، لأن الملف  لا يزال قابلًا للاستثمار من كل الأطراف ما عدا الأطراف السورية.

مقالات متعلقة

في العمق

المزيد من في العمق