دير الزور – خالد العبد الله
لم يسلم رغيف الخبز، القوت اليومي لأهالي ريف دير الزور الشرقي، من الفساد الإداري، إذ باتت الرشاوى ضرورية لتسهيل إجراءات الراغبين في العمل والاستثمار في مجال المطاحن، في منطقة يعاني سكانها من تراجع معيشي، تعكسه المظاهرات المتكررة المنددة بسوء الأوضاع الخدمية.
عنب بلدي حاولت تسليط الضوء على ممارسات المعنيين بمنح تراخيص لاستثمار المطاحن والأفران في المنطقة، وأساليب العمل، والبنود المفروضة من قبل “الإدارة الذاتية” المسؤولة عن شؤون المنطقة خدميًا.
“المعلوم للمدعوم”
يجب على كل متقدم للحصول على ترخيص مطحنة في ريف دير الزور الشرقي، الخاضع لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، دفع “المعلوم”، بحسب تعبير صاحب مطحنة، تحدثت إليه عنب بلدي.
يقول صاحب المطحنة، الذي تحفظ على نشر اسمه لأسباب أمنية، إن دفع الرشوة بات من أساسيات الحصول على الموافقات المطلوبة، على أن تُدفع بالدولار الأمريكي.
وتصل قيمة الحصول على الموافقة إلى عشرة آلاف دولار أمريكي (نحو عشرة ملايين و300 ألف ليرة سورية)، وبعدها يؤذن بصرف حصة المطحنة الحاصلة على الترخيص من مخصصات الحبوب والمحروقات، وغيرها من مستلزمات التشغيل بسعر مدعوم، حسب قوله.
“عائلة مخلوف الصغرى”
يحيى المعزي، هو مسؤول عن إدارة المطاحن في ريف دير الزور الشرقي، ينحدر من قبيلة المعزي التي عُرفت باسم “عائلة مخلوف”، كما تصفها مواقع محلية، نظرًا لاستيلاء عدد من أفرادها على المفاصل الحيوية لاقتصاد المدينة.
فبعد سيطرة “قسد” على ريف دير الزور، منحت لعدد من أفراد العائلة مناصب إدارية ومالية، وعليه تم إسناد إدارة “سادكوب” المعنية بالمحروقات إلى نصر المعزي، والإنشاءات والتعمير إلى إسماعيل المعزي، والجمارك لعبد السلام المعزي، والنفط والآبار لبسام المعزي، لتكون المطاحن من نصيب يحيى المعزي.
وتقدر مصادر محلية من أبناء المنطقة عدد المطاحن التي في حوزة المعزي، بمطحنتين (طاحونة المعزي، وطاحونة الهدار)، إضافة إلى امتلاكه خمسة أفران، في مناطق انتشار عائلته.
شروط ولكن!
حصلت عنب بلدي على نسخة من أحد العقود المبرمة في حزيران 2019، تعود إلى صاحب مطحنة (نتحفظ على نشر اسمه لضمان سلامته)، ويُظهر العقد المبرم مع “مجلس سوريا الديمقراطية” أنه ملزم بتقديم القمح إلى المطحنة، وتغطية أجرة الطحين، المقدرة بستة آلاف ليرة سورية للطن الواحد، إضافة إلى تزويد المطحنة بـ15 ليترًا من المازوت للطن الواحد من القمح.
في حين يُطلب من صاحب المطحنة دفع تأمين قدره مليونا ليرة، والتزامه بإنتاج 77% من القمح المقدم له كدقيق، و22% منه كنخالة، و1% شوائب ومصول.
لكن البند الخامس من العقد يلزم الطرف الثاني، الممثل بصاحب المطحنة، ألا يتصرف في الإنتاج إلا بموافقة الطرف الأول.
وتشترط إدارة الأفران والمطاحن في دير الزور التابعة لـ “الإدارة الذاتية”، خصم مبلغ 500 ألف ليرة سورية من قيمة الضمان الإجمالي المقدرة بمليوني ليرة، في حال ارتكاب مخالفة أيًا كانت.
ويخصم من قيمة الضمان مبلغ مليون ليرة في حال تكرار ارتكاب المخالفة، ويلغى العقد عند معاودة ارتكاب المخالفة للمرة الثالثة من قبل صاحب المطحنة، وفق العقد الذي اطلعت عليه عنب بلدي.
حلقة فساد يدفع المستهلك ضريبتها
تلزم إدارة المطاحن والأفران في “الإدارة الذاتية” مستثمري المطاحن باستهلاك المحروقات والحبوب التي يحصلون عليها، حيث ترسل الإدارة لكل مطحنة 150 طن حب أسبوعيًا، موزعة على أربعة أسابيع، مرفقة بألفين و500 ليتر مازوت.
تحصل المطاحن على المازوت المدعوم بسعر 75 ليرة لليتر الواحد، ويبيعه صاحب المطحنة بـ120 ليرة في السوق المحلي بهدف الربح، كذلك الأمر بالنسبة إلى القمح المدعوم الذي تحصل عليه المطاحن بمئة ليرة، وتبيعه بسعر 140 ليرة في السوق المحلي.
أما بالنسبة للأفران، فهي ملزمة بدفع نحو خمسة آلاف دولار للحصول على رخصة واستقدام الطحين الجيد بسعر مدعوم، لكنها تبيعه بسعر أعلى في السوق.
تعاود الأفران شراء قمح من النوع الرديء لاستخدامه بدلًا من الجيد، ما ينعكس على جودة المنتج، ويحقق فائضًا لأصحاب الأفران من فارق سعر البيع للمنتجات المدعومة، في حلقة فساد، المستهلك هو ضحيتها الأولى.