خطيب بدلة
إعلامي لبناني، هو نديم قطيش، كان محسوبًا على تيار المستقبل، والآن على محور الإمارات السعودية، غرد على “تويتر” مبديًا رأيه بخطاب ترامب الذي أعقب الإعلان عن صفقة القرن بطريقة ذكية. قال: إن هذا خطاب “تاريخي”. وسكت.
الرأي، في بلادنا المناضلة، لا ينظر إليه بذاته، ولا يؤخذ بحرفيته، إنما ينظر إلى قائله وخلفياته. نديم قطيش معادٍ لمحور الممانعة؟ عال، تغريدته إذن ستصب في مصلحة دعاة الهزيمة والتطبيع! مدح ترامب؟ (مع أنه لم يمدحه) إذن هو متأمرك، ومن “شيعة السفارة”. الصفقة مؤامرة على الشعب الفلسطيني، هو، إذن، معادٍ للشعب الفلسطيني.. إلخ.
المهم أن تلفزيون “الجديد”، الممانع، سارع إلى استضافة “قطيش” لمناقشة هذه التغريدة، ووضعه بين اثنين من المذيعين المتمرسين بأساليب المماحكة، فكانت نصف ساعة مثيرة للغاية.
لن أتحدث عن تفاصيل المقابلة، فهي متوفرة على يوتيوب، ويستطيع من يشاء مشاهدتها، ولكنها نبهتني إلى مسألة بالغة الأهمية، وهي أن القضايا المفلسة لا بد أن يعبر عنها إعلام مفلس.. ففي هذه الأيام العصيبة تبدو الأمور كلها “ملخبطة”، ومنذرة بغد سيئ. قانون “قيصر” آخذ طريقه لخنق نظام ابن حافظ الأسد وداعميه. الشعب اللبناني يحاصر الطبقة الحاكمة الفاسدة ويصر على التخلص من الطائفية ومن التسلط الإيراني. تشارك في مظاهرات الشعب العراقي ضد الوجود الإيراني فئات لم تكن مشاركتها متوقعة أو مأخوذة بالحسبان. إسرائيل تترصد أي وجود للقوات الإيرانية في محيط دمشق وتتسلى بقصفها، والنظام الأسدي يندد. ما يجري في إدلب يوحي بانتهاء مفعول اتفاقيات “أستانة” و”سوتشي”. هناك اصطدامات ببوز السيارة والرفراف الأمامي بين سيارة عسكرية روسية وأخرى أمريكية، ولولا لطف الله، والحكمة التي يتمتع بها سائقا السيارتين، لسارع كل منهما إلى استقدام زعرانه ومواجهة الآخر وزعرانه.. وهنا البمبكش والكلاشينكوف لا ينفعان للمواجهة، ولا بد من تشغيل الزر النووي.
القوات الروسية وبقايا جيش “أبو شحاطة” الأسدي تدفع عشرات الألوف من اللاجئين الجدد باتجاه الحدود التركية، منذرين بكارثة لجوء جديدة إلى أوروبا. وأوروبا تحبس أنفاسها وتدعو الله تعالى أن يلهم الزعران جميعهم التحلي بالحكمة وضبط النفس. النظام الرسمي العربي منهار. التكتلات الدينية أسفرت عن “داعش” و”النصرة”، وجلد ورجم وحرق وقطع أيدٍ، فزادت في سعار الحرب ضد الشعب السوري سعارًا. الكل موتور ومضطرب، وأعصابه بايظة، فعن أي منطق إعلامي معافى يمكننا أن نتحدث؟
تقول عن خطاب ترامب إنه “تاريخي”؟ ماذا تركت لنا لنصف خطابات حسن نصر الله والمرشد الأعلى وابن حافظ الأسد التاريخية؟ نريد أن نسألك: إذا التقيت بصحفي إسرائيلي في دولة أوروبية ومد يده ليصافحك هل تصافحه؟ ها ها ها.. بينت نواياك يا ابن الحرام، تصافح الإسرائيلي ولا تصافح بشار الجعفري! الصحفي الإسرائيلي لم يقتل فلسطينيًا بيده. هل شاهدته يقتل؟
لا، كذلك لم أشاهد قاسم سليماني وبوتين وحسن نصر الله وبشار الأسد وهم يقتلون الناس بأيديهم. يا أخي الشغلة، كما يقولون، بالعقل، ومن كان تحت يده ألوف الجلادين لماذا يقتل بيده؟ كبروا عقولكم وافهموا بقى. وبا.