التهمة جاهزة.. استغلال مرسومي الأسد لتفريغ جيوب المواطنين

  • 2020/02/09
  • 11:19 ص

توقيف أشخاص في حلب بتهمة التعامل بغير الليرة- 6 شباط 2020 (وزارة الداخلية السورية)

عنب بلدي – ميس شتيان

حملات مكثفة بدأت بها دوريات الأمن الجنائي في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، بحثًا عن متعاملين بغير الليرة السورية، تطبيقًا للمراسيم والقرارات الأخيرة التي شددت العقوبات على المتعاملين بغير الليرة السورية.

“أبو محمد” (اسم مستعار تحفظ ذووه على نشر اسمه الحقيقي حرصًا على سلامته)،  أحد أهالي مدينة حلب وتاجر متوسط الدخل، قُبض عليه مؤخرًا بتهمة التعامل بالدولار.

مصدر مقرب من “أبو محمد” قال لعنب بلدي إنه كان يتم بعض تعاملاته بالدولار الأمريكي، وهو يسافر بشكل متكرر إلى خارج سوريا لشراء بضائع واستيرادها، ويحتفظ بكميات غير كبيرة من القطع الأجنبي في محله، الواقع في مركز مدينة حلب.

بعد المرسومين “3” و”4″ اللذين أصدرهما رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 18 من كانون الثاني الماضي، ويقضيان بتشديد العقوبات على المتعاملين بغير الليرة، أبقى التاجر على المبالغ التي يملكها لديه، ونتيجة ذلك، تعرض محله لمداهمة من الأمن الجنائي، وقبض عليه مع مجموعة من الأشخاص الذين ليست لهم أي صلة بالأمر، منهم ضيف كان في زيارة مفاجئة له.

صودرت جميع الأموال الموجودة في المحل منه ومن الموجودين، سواء بالليرة السورية أو بالقطع الأجنبي، ونشرت حينها وزارة الداخلية أنها قبضت على مجموعة من المتعاملين بغير الليرة، الذين يسهمون في إضعاف الليرة السورية.

ما زال “أبو محمد”، بحسب ذويه ينتظر المحاكمة، وهم يعتقدون أنهم صاروا مضطرين لبيع منزل يملكونه، لدفع رشاوى سمعوا أنها قد تسهم في تخفيف الحكم، ومنع حبسه، كما ينص القانون.

ورصدت عنب بلدي على الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية السورية في “فيس بوك”، توقيف دويارت الأمن الجنائي أشخاصًا وإغلاق متاجر ألبسة ومفروشات وبقاليات ومكاتب عقارية بتهمة التعامل بالدولار، في دمشق وريفها واللاذقية وحماة ودير الزور وحلب.

وأوقف قسم الشرطة في ميسلون بحلب، في 6 من شباط الحالي، 11 شخصًا، بتهمة بيع وشراء الخيط والقماش بغير الليرة السورية، وصادر أكثر من ستة ملايين ليرة  وبعض العملات الأجنبية وجهاز “لابتوب” ووثائق.

واستهجن متابعون لمنشور وزارة الداخلية في “فيس بوك“، مصادرة أموال بالليرة السورية، بينما علق أحدهم أن الخيوط والقماش مواد غير مدعومة من قبل المصرف المركزي، ومن الطبيعي أن تتم عملية الدفع بالدولار عند الاستيراد.

وفي 4 من شباط الحالي، نشرت وزارة الداخلية أن دروياتها ألقت القبض على صاحب متجر لبيع الأقمشة والمفروشات في منطقة الحريقة بدمشق، وعلى تاجر بيبع الألبسة الجاهزة في منطقة الزاهرة، وعلى صاحب مكتب عقاري في منطقة التجارة، بتهمة التعامل بالدولار.

وجاءت ردود فعل سلبية على المنشور، إذ استهجن معلقون “ملاحقة الحكومة التجار الصغار، في حين غفلت عن التجار الكبار”.

من بين الذين طالتهم الحملات ضد المتعاملين بغير الليرة، شركة “غولدن لاين” للإنتاج الفني، إذ أغلقت وزارة الداخلية، في 28 من كانون الثاني الماضي، مكاتب الشركة في دمشق بالشمع الأحمر وصادرت ممتلكاتها، واعتقلت صاحب الشركة، نايف الأحمر، والمخرج فادي سليم.

زوجة نايف الأحمر، ديالا الأحمر، قالت في حديث لإذاعة “المدينة إف إم” إنه منذ صدور المراسيم الأخيرة ضد المتعاملين بالدولار، لم تقم الشركة بأي عملية تحويل أو دفع، ولا وجود لأي إيصال يثبت مخالفة المرسوم.

وتساءلت ديالا حول بيع “المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني” الحكومية، أعمالًا تلفزيونية لشركتها بالدولار الأمريكي، مبينة أن الفنانين العرب الذين يعملون مع الشركة، يحصلون على مستحقاتهم بالدولار الأمريكي.

حملات اعتقال سابقة بحجة التعامل بالدولار

تهمة التعامل بغير الليرة السورية ليست جديدة، إذ منعت حكومة النظام في السابق التعامل بالعملات الأجنبية، وفق المادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم 54 لعام 2013، الذي كان يعاقب المتعامل بغير الليرة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.

وتطبيقًا للمرسوم، نشطت أجهزة الأمن في توقيف أشخاص متعاملين بغير الليرة، من بينهم شركات صرافة وصرافون غير مرخصين.

كان من بين الموقوفين شخص يدعى حمدي الخطيب، تم توقيفه في العام 2013، وكان يعمل صرافًا في منطقة الحريقة بدمشق، اعتقله فرع الأمن الجنائي بتهمة التلاعب بسعر صرف الليرة والإضرار بالاقتصاد السوري.

كما ألقي القبض في العام 2014 على 34 شخصًا، بتهمة التلاعب بأسعار الصرف في السوق السوداء.

ووثقت عنب بلدي حالة اعتقال عائلة كانت تقطن في حي ركن الدين جانب مجمع “أبو النور”، وتملك مدخرات بقيمة 30 ألف دولار أمريكي ثمن منزل باعته في وقت سابق، وتصرف ربة المنزل مبلغ 300 دولار شهريًا لدى أحد الصرافين في منطقة الحريقة، لتأمين المصروف الشهري للعائلة.

وبعد عملية تصريف في منطقة الحريقة بساعات، دوهم منزل العائلة من دورية مكونه من ثلاث سيارات تابعة لأمن الدولة، وتضم عشرة عناصر تقريبًا.

واعتقلت الدورية ربة المنزل وأخويها وزوجة أخيها، وصادرت مبلغ 26 ألف دولار أمريكي، إضافة إلى مبلغ 200 ألف ليرة سورية، واقتيد المحتجزون إلى مفرزة أمن الدولة في الجسر الأبيض، وبعدها بأسبوع إلى فرع الخطيب، وبقوا رهن الاعتقال مدة ثلاثة أشهر.

وبعد تدخل وساطات ودفع مبلغ قدره أربعة ملايين ليرة سورية، حُولت العائلة إلى سجن عدرا، وقرر القاضي الثاني بدمشق إخلاء سبيلها.

هل فرغت خزائن المركزي من القطع الأجنبي

قال حاكم مصرف سوريا المركزي السابق، محمد حمرة، في تصريح لصحيفة “الوطن” المحلية، في 18 من أيلول 2019، إن مصرف سوريا المركزي اتخذ قرارًا حاسمًا بعدم التدخل في السوق ولا بدولار واحد، مثل السابق، وكل موارد المركزي سوف تخصص لتمويل الدولة والسلع الأساسية.

وكان البنك المركزي في السابق يضخ كميات من الدولار في السوق، بموجب سياسة ضبط قيمة العملة المحلية وتحقيق انتعاش في قيمتها، ومحاولة السيطرة على الارتفاعات الحادة التي تشهدها مقابل العملات الأجنبية.

ولمواجهة انخفاض كمية احتياطي القطع الأجنبي، أصدر المصرف المركزي تعميمًا، في21 من كانون الثاني الماضي، طلب فيه من المواطنين بيعه الدولار بسعر تفضيلي 700 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد، من دون الحاجة لوثائق.

رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، الدكتور أسامة القاضي، وصف في تصريح سابق لعنب بلدي، مراسيم النظام الأخيرة وقرارته المتعلقة بتشديد العقوبات ضد المتعاملين بغير الليرة السورية، بأنها إجراءات هستيرية، وتدل على أن صانع القرار الاقتصادي السوري “فقد توازنه تمامًا”.

وأكد القاضي أن لا حلّ لـ”كارثة” الاقتصاد السوري إلا بوجود حلّ سياسي يعيد المعابر والنفط والأراضي الزراعية.

وحول القطع الأجنبي في خزائن البنك المركزي السوري، قال القاضي إن “خزائن المركزي باتت فارغة من القطع الأجنبي، ولم يتبقَّ فيها حسب تقديراتي إلا أقل من 200 مليون دولار أمريكي، وهذا قليل جدًا”.

على الهامش

أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد المرسومان “3” و”4″، في 18 من كانون الثاني الماضي، ويقضيان بتشديد العقوبات على المتعاملين بغير الليرة.

وينص المرسوم رقم “3” على فرض عقوبة السجن ودفع غرامة مالية للمتعاملين بغير الليرة السورية، وجاء المرسوم تعديلًا للمادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم 54 لعام 2013، الذي كان يعاقب المتعامل بغير الليرة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.

وبحسب المرسوم الجديد، فإن كل شخص يتعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات “يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات”، كما يعاقب بـ”الغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة”، إضافة إلى مصادرة المدفوعات أو المبالغ المتعامل بها أو المعادن الثمينة لمصلحة مصرف سوريا المركزي.

المرسوم رقم “4” يفرض عقوبة الاعتقال المؤقت، وغرامة من مليون إلى خمسة ملايين ليرة سورية، “لكل من أذاع أو نشر أو أعاد نشر وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة أو وهمية بإحدى الوسائل،  لإحداث التدني أو عدم الاستقرار في أوراق النقد الوطنية أو أسعار صرفها المحددة بالنشرات الرسمية، ولزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها”.

وتزامنت المراسيم مع تحذير أطلقته وزارة الداخلية من التعامل بغير الليرة السورية في التداول التجاري، وأكدت الوزارة عبر حسابها في “فيس بوك”، في 17 من كانون الثاني الماضي، تكثيف دورياتها لمراقبة الشركات والمحلات والأشخاص، في محاولة لقمع الظاهرة وضبط المخالفين.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية