عنب بلدي – فاضل الحمصي
بعد نحو شهر ونصف من تعيين ميكيل أرتيتا مدربًا لفريق أرسنال، يكاد يجمع الخبراء على أنها الخطوة الأفضل التي يقوم بها النادي منذ رحيل آرسن فينغر، فالفريق الذي عانى من تدهور المستوى، والانهيار التكتيكي، أعاد اكتشاف نفسه مع أرتيتا، وبات مرشحًا لدخول نادي كبار إنكلترا مجددًا، كما أعاد الثقة إلى جماهيره بأنه يسير على الطريق الصحيح، وأنه بصدد بناء فريق قادر على حصد الألقاب التي طال انتظارها من جماهير الفريق.
بدأ “الجانرز” موسمهم الحالي بشكل سيئ للغاية، وفقدوا كثيرًا من النقاط، وابتعدوا عن رباعي الصدارة بفارق كبير، حتى إنهم قد يكونون فقدوا حظوظهم منذ ذلك الوقت بالتأهل لدوري أبطال أوروبا في الموسم المقبل، مع أن الحديث عن ذلك يبدو مبكرًا.
نتيجة لذلك، لم تتأخر الدعوات لإقالة أوناي إيمري، وقاطعت الجماهير الملاعب، أما من حضر منهم فكان يأتي لرفع لافتات تطالب برحيل المدرب، ولم تتوانَ إدارة أرسنال عن إقالته، وعينت بدلًا عنه ميكيل أرتيتا، المدرب الإسباني الشاب الذي لعب مع أرسنال لسنوات عديدة، والذي لم يسبق له التدريب من قبل، وتقتصر خبرته التدريبية على العمل كمساعد لغوارديولا في مانشستر سيتي.
تولى أرتيتا مهامه في 20 من كانون الأول 2019، وبدأ الفارق يظهر على أرسنال منذ المباراة الأولى، ورغم خسارته مع تشيلسي بهدفين لهدف، إلا أن أداء أرسنال كان ممتازًا، وحظي بكثير من التصفيق من جمهوره، الذي شعر بالفارق الكبير بين المدرب المُقال والمدرب الجديد.
ردود الفعل على تعيين أرتيتا
بعد تولي أرتيتا مهمة تدريب أرسنال، وصفت إحدى الصحف الإنجليزية تعيينه بأنه “خطأ كبير”، بينما قالت أخرى إنها “مقامرة عالية”، لكن بعد عدة مباريات نال ميكيل احترام الجميع، وبدأت الأقلام بالكتابة عن مدى حنكة المدرب الشاب، وعن المستقبل العظيم الذي ينتظره برفقة “الجانرز”.
وفي مؤتمر صحفي سبق مباراة أرسنال مع تشيلسي، سأل صحفيون مدرب تشيلسي، فرانك لامبارد، عن رأيه بما قدمه أرتيتا خلال شهر واحد مع أرسنال، فأجاب بالقول، “كان تأثيره سريعًا ومفاجئًا للغاية، وشعرنا بذلك منذ مباراته الأولى معهم، وسوف يحتاج كثيرًا من الوقت، وهو مدرب جيد وسيحصل على وقته”.
ربما تلخص إجابة لامبارد النظرة الإيجابية عمومًا من قبل المدربين والمتابعين للدوري الإنجليزي، فالرجل تبدو بصماته واضحة، وتبشّر جماهير أرسنال ببناء فريق قوي قادر على العودة للمنافسة خلال السنوات المقبلة.
ماذا فعل ميكيل؟
يجمع معظم الخبراء والمراقبون أن معاناة أرسنال الكبرى خلال فترة أوناي إيمري كانت عدم ثبات التشكيل، والتغيير المتواصل للخطط التكتيكية. ويبدو أن أرتيتا أدرك هذا الأمر على الفور، وبدأ بالعمل على إصلاحه منذ الأيام الأولى.
وخلال المباريات التي لعبها الفريق تحت قيادته، حافظ أرتيتا على خطة 4-2-3-1، ورغم تغيير بعض الأسماء من مباراة لأخرى، إلا أن التشكيل بقي ثابتًا، وأظهر تغيرات فورية على مستوى النتائج.
المشكلة الأخرى التي عانى منها أرسنال كانت الضعف الواضح في خط الوسط، الذي كان ينقصه السرعة والتمركز الجيد، والضغط على الخصم، ومنع الهجمات من الوصول إلى منتصف ملعبه.
بعد قدوم أرتيتا تغير الوضع جذريًا، وبدأنا نرى تحركًا جيدًا دون كرة من قبل لاعبي خط الوسط، وتناغمًا واضحًا بين خطوط الدفاع والوسط والهجوم، مع تقليل المسافات بين الخطوط وانتشار كثيف يجعل الضغط على لاعبي الخصم متواصلًا طوال مراحل المباراة.
وفي الوقت ذاته، عمل أرتيتا على رفع معنويات اللاعبين، وأعاد بعضهم للعطاء بعد أن كاد الجمهور يفقد ثقته بهم، وأبرز أولئك كاد مسعود أوزيل، الذي انقلب حاله 180 درجة بعد رحيل إيمري وتولي أرتيتا، وعاد لاعب الوسط للمعان مجددًا، وظهرت نسخة أوزيل القديمة، ذلك اللاعب الذي لا يمل من الركض المتواصل، والقادر على صناعة الحلول وتمويل المهاجمين بالكرات، وصناعة الفرص السانحة للتسجيل.
وحافظ وصول أرتيتا على العديد من اللاعبين الذين كانوا ينوون الرحيل، فقبل وصول أرتيتا تسربت معلومات عن نية بعض اللاعبين مغادرة أرسنال في حال بقاء إيمري، ومن أبرزهم نجم الفريق أوباميانغ، لكن وصول أرتيتا أزال الشكوك، وبدأت الكتابات عن رغبة اللاعبين بالبقاء وصناعة الانتصارات مع أرسنال.
كذلك عمل أرتيتا على زيادة تماسك الفريق، وحرص على العمل الجماعي، وقال في تصريحات صحفية نقلتها صحيفة “إيفننج ستاندرد” البريطانية، ”قُلت للاعبين إنه من دونهم لن أكون قادرًا على فعل شيء”، وتابع، “قُلت لهم عليكم فتح الباب والإيمان بأنني يُمكن أن أضيف شيئًا مُختلفًا للنادي، علينا جميعًا كفريق عمل أن نؤمن بذلك أيضًا”.
سوق شتوية هادئة
بعد أكثر من شهر من توليه مهمة التدريب، لم يتسرع أرتيتا بعقد الصفقات، وأصر على التعرف إلى أفراد الفريق بشكل جيد قبل أن يقرر من يستحق البقاء من عدمه.
وخلال فترة الانتقالات الشتوية، اكتفى أرتيتا بترميم الصفوف التي تعاني من النقص، وتعاقد مع لاعبَين فقط، هما سيدريك سواريس وبابلو ماري، وقال ميكيل في تصريحات لشبكة “سكاي سبورتس”، “حاولنا التحرك بنشاط في سوق الانتقالات لحل المشاكل التى مررنا بها خلال الأسابيع القليلة الماضية، ووجدنا لاعبَين نعتقد بأنهما سيكونان مفيدين من ناحية تحسين الفريق بالموارد التي كنا نمتلكها، ونحن سعداء بما قمنا به”.
مساعد الفيلسوف قد يصبح فيلسوفًا أيضًا!
منذ قدومه إلى أرسنال، عمل ميكيل أرتيتا على تغيير أسلوب لعب أرسنال، واعتمد أكثر على السيطرة والاستحواذ والتحكم بسير المباراة، بالإضافة لعدم السماح للخصم بأن يكون صاحب المبادرة في أي مرحلة من مراحل المباراة، وقد حقق أسلوبه النجاح في عدد من المباريات، وأخفق في أخرى، لكن مواصلته اللعب بذات الطريقة يبشر بولادة أرسنال جديد قادر على التطور.
الأسلوب المتبع من قبل أرتيتا يذكر بفلسفة غوارديولا القائمة على الاستحواذ والسيطرة على المباراة في جميع مراحلها، ويبدو أن أسلوب أرتيتا قابل للتطور أيضًا، وقد نشاهد مساعد غوارديولا وتلميذه النجيب قد أصبح فيلسوفًا أيضًا، وبات هناك أسلوب خاص مسجل باسمه. وبالتأكيد، الأمر يعتمد على النتائج التي سيحققها، وما يمكن أن يصل إليه مع أرسنال.
–