عمر أميرلاي.. تسعة أعوام على وفاة الناجي من “الطوفان”

  • 2020/02/05
  • 5:45 م

عمر أميرلاي- 5 شباط 2020 (إنترنت)

“أعيش في بلد تسير بشكل ثابت نحو زوالها، بعد أن خانها حكامها وهجرها عقلاؤها وتخلى عنها مثقفوها”، قال عمر أميرلاي لـ”BBC“.

دمشق، 5 من شباط عام 2011، كان عمر أميرلاي على موعد مع سكتة دماغية أنهت حياته. حداد دمشقي خفي استمر لأربعين يومًا، أتمه اندلاع الثورة السورية في آذار من العام ذاته.

رحل أميرلاي قبل أن يرى انتفاضة الشعب الذي طالما كان هو صوته الحر في أعماله، وفي ثورته الفنية الإبداعية على الحزب الحاكم في سوريا.

المخرج السينمائي “العنيد” ابن مدينة دمشق من أصول شركسية، المعروف بتمرده السياسي والفكري المتجلي واضحًا في حصيلة أفلامه السينمائية التسجيلية الـ19.

درس المسرح في الجامعة الدولية للمسرح في باريس، وتعلم على يد المخرج الفرنسي العالمي جان ميلفيل، وعاد لاحقًا إلى دمشق، فعايش فترة حكم الأب والابن في “سوريا الأسد”.

ربيع دمشق المقفل

دمشق، 17 من تموز 2000، خرج الأسد الابن في أول خطاب له بعد توليه الحكم، وأعلن فيه بدء ربيع دمشق، وعهد جديد من الانفتاحات السياسية والفكرية والاجتماعية وحريات رأي، ثم ما لبث أن أحال الربيع خريفًا مقفلًا، بعد سبعة أشهر فقط من انطلاقه.

عُرف عمر أميرلاي في تلك الفترة أيضًا، إلى جانب العديد من الشخصيات السورية، فكان له دور بارز في النقاشات السياسية والثقافية والفكرية التي ما زال يتردد صداها حتى اليوم.

الدجاج المثقف

فيلم “الدجاج” أحد أفضل أفلام أميرلاي التهكمية بأسلوب السخرية المتبع فيها، عن الدجاج الناطق الذي يملك حرية التحدث، أكثر من شريحة المثقفين في سوريا.

المفارقة تكمن في كون الفيلم من إنتاج “التلفزيون العربي السوري” الحكومي، وهو يدين الحكومة السورية ويدين سياسة قمع الحريات، ولكن الرسالة وصلت متأخرة للمنتجين، فمُنع عرض الفيلم لاحقًا.

عن فيلمه “الدجاج” قال عمر أميرلاي، “اخترت أن أحكي عن البشر بلغة الحيوان، فذلك نوع من التعبير عن قهر المثقف، وعجزه عن إنطاق الناس”، في مقابلة مع قناة “الجزيرة”.

يعرض المخرج الجمل الأكثر سخرية من كلام سكان القرية، التي يتحدث عنها الفيلم، على خلفية بيضاء في مقاطع مكتوبة.

ويدرك من يقرؤها أنها كافية لمعرفة كمية التهكم الفنية في الفيلم، وقدرة عمر أميرلاي على إيصال الرسائل التي يريدها بطريقته الخاصة.

“نحن نتمنى أن تكون الدولة شريكة لنا في التربية لأن الشريك يشعر دائمًا بآمال وآلام شريكة” مربي دجاج كبير.

“إذا اضطريت اتخلى عن الدجاج فأنا معي شهادة سواقة عمومي” كبير المربين.

الغرق البعثي

“بين فيلمي الدجاج والطوفان مسيرة ربع قرن من الانزلاق التدريجي والحثيث لسوريا نحو العبث وحافة اليأس، إنها ثبات صورة عائلية شاحبة لـ18 مليون إنسان، تخشبت أبصارهم أمام عدسة المجهول، والنتيجة.. بلد معذّب، متعب، هدّه الصبر والأمل بفرج قريب”، قال عمر أميرلاي.

“الطوفان” هو إحدى الضربات “الفنية” الفاضحة لتناقضات وادعاءات “حزب البعث” التي لم يتجرأ أحد على التحدث عنها علنًا وعرضها، كما فعل أميرلاي.

يتحدث الفيلم الواقعي عن قرية “الماشي” قرب سد الفرات، ويعكس صورة مصغرة عن واقع سوريا حيث يحكم القرية شيخ العشيرة لمدة 40 عامًا متواصلة، وهو أيضًا نائب في مجلس الشعب، عيّن أحد أقاربه مديرًا للمدرسة الوحيدة في القرية.

يسرد الفيلم حديثًا طويلًا لشيخ القرية متحدثًا عن منجزات الأسد الأب وفضله الذي “أغرق” البلاد بالنعيم، ولاحقًا تظهر لقطات عن مدرسة القرية والشعارات الحزبية التي يرددها الطلاب بحماسة كبيرة.

تقول رشا عمران، الكاتبة السورية، إن عمر أميرلاي لم يخبر الشخصيات التي صورها أنه يقوم بإخراج فيلم سيُمنع من العرض، لمناهضته للنظام السوري، ومن البديهي أنه لم يملِ عليهم ما قالوا.

وتكمل، “كان خطابهم هو خطاب غالبية السوريين العلني في ذلك الوقت، ترك أميرلاي لشخصياته أن تقول ما اعتادت قوله وترداده، من دون تدخل مباشر منه”.

“الرجل ذو النعل الذهبي”

“نعل حذاء الحريري الجديد دومًا حيرني، هو مفارقة بين ما يعلنه الحريري عن رغبته في التقرب للناس، ونعاله التي ترفض أن تعرف غبار الشارع”، اقتباس من “فيلم الرجل ذو النعل الذهبي”.

الفيلم برواية أميرلاي الصوتية ولقطات عفوية بأحاديث جانبية كثيرة، يبدأ بإظهار رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، بصورة نمطية مسبقة عنه كرجل مال وسلطة يعيش بعيدًا عن حياة واقع الناس، بطريقة طريفة سرعان ما يتداركها الحريري لاحقًا، ويحاول إبعاد الأحكام المسبقة عنه.

أثار الفيلم الكثير من الجدل حوله لتناوله شخصية سياسية تعتبر مؤثرة في المجتمع اللبناني، وأدت إلى انقسام فيه بين مؤيد ومعارض لها، وإظهار هذه الشخصية للعالم من هذه الزاوية القريبة جدًا، بطريقة غير معهودة في إخراج الأفلام الوثائقية، لشخصيات سياسية في إطار عفوي.

جائزة وترشيحات

أفلام عمر أميرلاي الـ19 الوثائقية عن سوريا وغيرها عن الواقع العربي، والتي كان أولها “محاولة عن سد الفرات” من إنتاج التلفزيون السوري، حاولت تأييد التطورات والإنجازات في سوريا في عهد حافظ الأسد.

وتراجع عنها لاحقًا في فيلمه “طوفان البعث” وقبلها في فيلم “الحياة اليومية في قرية سورية” مسلطًا الضوء على أكاذيب النظام السوري، المتجلية في الإصلاحات المزعومة في النواحي التعليمية والزراعية، وواقع التعليم ومعاناة الفلاحين في مواجهة الإقطاعيين.

نال أميرلاي جائزة أفضل فيلم في مهرجان برلين السينمائي الدولي عام 1976 عن “الحياة اليومية في قرية سورية” عام 1974، ورُشح لجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان “تريبيكا السينمائي” وجائزة “مهرجان فيزول الدولي للسينما الآسيوية” عام 2005، عن “طوفان البعث” عام 2003.

لا يزال اسم عمر أميرلاي يتردد في ذكرى وفاته كل عام، وما زال سوريون ينعونه على مدار تسع سنوات من وفاته ومن عمر الثورة.

“وقبل أن يغادر تعهد أمامنا ألا يموت لاسمه رنين.. صفقنا له
طائرًا فوق الأكف.. قوة القدر
رحل عُمَرُنا قبل أن يرى مخيلته” بهذا نعى أسامة محمد، صديقه عمر أميرلاي.

مقالات متعلقة

فن وثقافة

المزيد من فن وثقافة