الروس يهاجمون والأتراك يزيدون نقاطهم.. من المسؤول في إدلب؟

  • 2020/02/02
  • 9:46 ص

شاخصة على الطريق الدولي بين دمشق وحلب في مدينة سراقب بريف إدلب - 1 من شباط 2020 (عنب بلدي)

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

“احذر.. أنت على الطريق الأكثر عرضة للموت”، عبارة كُتبت على شاخصة وُضعت على الطريق الدولي (دمشق- حلب)، المعروف باسم “M5″، قرب مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي، تلخص أثر صراع الأطراف على فتح الطرق الدولية.

تعيش مدن وبلدات إدلب وريفها في الشمال السوري فصلًا جديدًا من فصول هجوم قوات النظام السوري بدعم من الطيران الروسي، منذ أسبوعين، لتضرب القوات المهاجمة بعرض الحائط الاتفاقيات الموقعة مع تركيا، التي تصفها المعارضة السورية بـ”الضامنة”، في محادثات “أستانة” و”سوتشي”.

وشهدت جبهات القتال في ريف إدلب الجنوبي تقدمًا متسارعًا لقوات النظام، وسيطرت خلال الأسابيع الماضية على 30 بلدة ومدينة أهمها مدينة معرة النعمان الاستراتيجية، واضعة نصب عينيها مدينة سراقب التي تقع على نقطة تقاطع الأوتوسترادين.

لكن الواقع الميداني في جبهات ريف حلب الغربي مختلف، فبعد عشرة أيام من إطلاق قوات النظام هجومًا عسكريًا، لم تستطيع التقدم في المنطقة، بسبب تصدي الفصائل وبدئها، في 1 من شباط الحالي، عملية عسكرية داخل مناطق سيطرة النظام في حي الزهراء بحلب، ما طرح تساؤلات حول أسباب الفرق الكبير بين جبهتي إدلب وريف حلب، ومن المسؤول عن تقدم النظام المتسارع في ريف إدلب؟

لا جدية في المعارك

مع كل تقدم لقوات النظام في إدلب، تتجه الأنظار نحو رد فعل “هيئة تحرير الشام” كونها الثقل العسكري الأكبر في المنطقة، وسط اتهامات لـ”الهيئة” بعدم وجود جدية في الدفاع عنها، في حين تضع ثقلها في جبهة ريف حلب الغربي.

والمتابع لإعلام “الهيئة”، خلال الأيام الماضية، يظهر تركيزها على جبهات ريف حلب عبر تنفيذ عمليات تفجير، ودخول مقاتلين من التركستان في المعركة، على عكس جبهات إدلب وريفها، باستثناء ما تذكره من بعض العمليات ضد قوات النظام.

وقال قيادي في “الجيش الحر” بريف إدلب لعنب بلدي، طلب عدم ذكر اسمه، إن “هيئة تحرير الشام” سحبت سلاحها الثقيل من جبهات إدلب إلى ريف حلب الغربي، خلال الأيام الماضية، في حين أكد المتحدث الإعلامي لوفد المعارضة إلى “أستانة”، أيمن العاسمي، أن “الهيئة” لم تزج بكل قوتها بالمعركة في إدلب لأنها تعتبر بأن معركتها الحاسمة لم تبدأ بعد.

وقال العاسمي، لعنب بلدي، إن “الهيئة” لم تشارك بفاعلية كبيرة في معارك إدلب، كما حاولت منع فصائل “الجيش الحر” من المرور إلى جبهات القتال، مضيفًا أن “الهيئة” لن تتحرك ما لم تشعر بخطر على مدينة إدلب.

واعتبر العاسمي أن الهيئة تتحمل الجزء الأكبر في إدلب بسبب عدم جديتها في الدخول بالمعركة، وعدم زج نخبها العسكرية، إضافة إلى عدم تحصين المواقع بشكل كبير، وهو ما بدا واضحًا عبر التقدم السريع لقوات النظام، مرجعًا ذلك إلى سببين، إما اتخاذ قرار بعدم “التدشيم” أو استهتار بقوة الطرف الثاني.

عنب بلدي تواصلت عبر مراسلة إلكترونية مع مسؤول التواصل الإعلامي في “تحرير الشام”، تقي الدين عمر، الذي اعتبر أن “جميع الفصائل الثورية تعلم حقيقة مشاركة الهيئة والثقل الذي تضعه في محاور ريف إدلب”، معتبرًا أن قوات النظام وروسيا وضعتا ثقليهما في هذا المحور.

وأوضح أن “قيادة المعركة روسية، كما تشارك قوات روسية كرأس حربة، خاصة في المحاور الصعبة، مع ضخ أعداد كبيرة جدًا من قوات النظام والميليشيات الإيرانية”.

وقال عمر إن “معركة حلب ليست بقوة معركة إدلب، وهي غالبًا مشاغلة عن المعركة الأساسية للعدو (معركة إدلب)”، مرجعًا اختلاف زخم المعارك بين المنطقتين إلى اختلاف طبيعة كل منطقة، “فريف إدلب يغلب عليه اتساع المساحات الريفية، حيث قلة الأبنية السكنية وتباعدها عن بعضها بخلاف أحياء مدينة حلب الغربية (الواقعة على تماس مع نقاط سيطرة المعارضة)، المعروفة بكثافة الأبنية السكنية المتلاصقة، ما يجعل طبيعة القتال هناك أقرب إلى قتال المدن”.

وحول سحب السلاح الثقيل، أكد عمر أنه موجود على محاور إدلب أكثر من كل المحاور الأخرى، وما أشيع عن سحبه غير صحيح، مشيرًا إلى أن طبيعة المعركة ووجود طائرات الاستطلاع وامتلاك الطرف الثاني آلية توجيه ضربات دقيقة جدًا للأهداف، أدى إلى “تغيير لوجستي في تحريك وتأمين السلاح الثقيل ونزوله في الوقت والمكان المناسب في أرض المعركة”.

القيادي في “الجيش الحر”، عبد السلام عبد الرزاق، يؤكد اختلاف جبهة ريف حلب عن إدلب، من حيث التحصين وتداخل الضواحي بين مناطق سيطرة النظام ومناطق الفصائل، ووضع روسيا كل إمكانياتها في محور ريف إدلب الشرقي، عبر الاعتماد على قوات خاصة ومجموعات اقتحام واستخدام عربات ليلية.

إلا أنه لم يخفِ وجود خلل واضح في انسحاب المقاتلين، وعدم وضع كامل القوة العسكرية في محور ريف إدلب تماشيًا مع اتفاقية “سوتشي”، بحسب تعبيره.

خريطة السيطرة الميدانية في شمال غربي سوريا – 2 شباط 2020 (Livemap)

أين الضامن التركي؟

لم توجه الاتهامات إلى “هيئة تحرير الشام” فقط، وإنما بدأت التساؤلات حول دور “الجبهة الوطنية للتحرير” المدعومة من أنقرة، وغياب دور واضح للضامن التركي، خاصة في ظل وجود نقاط مراقبة تركية عسكرية في المنطقة، حوصرت ثلاث منها في مورك بريف حماة وريف إدلب الجنوبي، ولم تبدِ أنقرة أي رد فعل على محاصرة نقاطها، باستثناء التهديد من قبل مسؤولين بالرد المباشر والفوري على أي استهداف لها من قبل قوات النظام.

وبحسب القيادي في “الجيش الحر” في ريف إدلب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، فإن أكبر خطأ ارتكبته الفصائل هو تسليم سلاحها الثقيل إلى مركزية “الجبهة الوطنية”، بعد الاتفاق التركي- الروسي بإقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب، مشيرًا إلى أن الجبهة المدعومة من تركيا بدأت بالتحكم في توفير السلاح على الجبهات، بأمر من الداعم وخاصة استخدام صواريخ “تاو”.

أما الموقف التركي فقد شابه غموض خلال تعاطيه مع تقدم قوات النظام في الريف الإدلبي، لكن التهديدات التي أطلقها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى روسيا، تعكس الخلاف بين الطرفين ورفض أنقرة لتحركات الروس في إدلب.

وقال أردوغان في كلمة خلال اجتماع موسع لرؤساء فروع حزب “العدالة والتنمية”، في العاصمة أنقرة، في 31 من كانون الثاني الماضي، إن تركيا تريد إرساء الاستقرار في سوريا، ولن تتردد في القيام بكل ما يلزم إزاء ذلك بما يشمل استخدام القوة العسكرية.

وأضاف أردوغان أن النظام السوري ما زال يريق الدماء في سوريا، وتركيا لم ولن تبقى متفرجة حيال الوضع في إدلب أو المناطق الأخرى في سوريا.

كما اتهم أردوغان، الخميس الماضي، روسيا بعدم تنفيذ اتفاقية “سوتشي” الموقّعة في أيلول 2018، وقال إن هناك بعض الاتفاقيات بين تركيا وروسيا في مسار “أستانة” و”سوتشي”، لكن “للأسف الروس لم يلتزموا بها”، وهدد أردوغان موسكو “باتخاذ إجراءات في إدلب من الآن فصاعدًا”، إلا أنه لم يحدد الخطوات المقبلة لتركيا، مؤكدًا أنه “أبلغ روسيا بأن صبر أنقرة ينفد حيال استمرار القصف على إدلب”.

التهديدات التركية رافقتها زيادة أنقرة لنقاط المراقبة العسكرية في مدينة سراقب بريف إدلب، بهدف منع تقدم قوات النظام، إذ ثبتت ثلاث نقاط حاوطت بها جبهات المدينة الثلاث.

وبحسب المتحدث الإعلامي لوفد المعارضة إلى “أستانة”، أيمن العاسمي، فإن إحدى التوصيات التي كانت المعارضة توصي بها الجانب التركي هي زيادة عدد نقاط المراقبة لأنها تقلص المسافات التي تمكن قوات النظام من الدخول منها.

واعتبر العاسمي أن النقاط الجديدة في سراقب هي من أجل إحاطة المدينة، ما يصعب عملية دخول النظام، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة لو طبقت في مدينتي خان شيخون ومعرة النعمان لمنعت دخول النظام.

وأكد العاسمي وجود خلاف واضح بين روسيا وتركيا في إدلب، بسبب عدم التزام موسكو بالاتفاقيات، إذ إن روسيا تزيد هجومها وتركيا تزيد نقاط المراقبة، مشيرًا إلى أن الخلاف أكبر مما يتصوره البعض.

وتجسد الخلاف بين تركيا وروسيا، في إعلان “هيئة تحرير الشام” والفصائل المقاتلة بدء عملية عسكرية لها في الأحياء الغربية لمدينة حلب على محور جميعة الزهراء، لا تُعلم نتائجها بعد، كرسالة إلى روسيا من أجل إعادتها إلى طاولة الحوار.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا