عنب بلدي – صالح ملص
تصف “أم قاسم” بحسرة تغريبتها من قرية شمون بريف إدلب الجنوبي، ليطوي نزوحها باتجاه المجهول حقها هي وعائلتها بالعيش حياة دون قصف صاروخي يأتي من طائرات النظام السوري وحلفائه، كما عبّرت لعنب بلدي.
لم تكن “أم قاسم” الوحيدة التي تركت منزلها، فهجوم قوات النظام السوري على بلدات جنوبي إدلب، نتجت عنه موجات متقطعة من نزوح جماعي لأهالي المنطقة، لتلاحق السوريين من جديد لعنة النزوح الداخلي وسط جغرافيا عائمة في الصراعات.
إلى شمالي إدلب، اتجهت أنظار السوريين، عقب سيطرة قوات النظام على مناطق في جنوبي المحافظة، كانت أبرزها معرة النعمان، في 28 من كانون الثاني الماضي، بانتظار الخطوة الجديدة للنظام عسكريًا.
ومنذ مطلع العام الحالي شهد شمال غربي سوريا نزوح 28 ألفًا و852 عائلة، بمجموع 167 ألفًا و131 نسمة، بحسب بيان صدر عن فريق “منسقو استجابة سوريا” عبر صفحته الرسمية على “فيس بوك”، في 28 من كانون الثاني الماضي.
وبالإضافة إلى تراجع قيمة الليرة السورية، ارتفعت الأسعار في المنطقة، ما أدى إلى زيادة الأعباء على النازحين، وعدم قدرتهم على تحمل تكاليف السلع والخدمات الأساسية، ما يؤدي بالتالي إلى تفاقم الوضع المعيشي والاعتماد على المساعدات الإنسانية من قبل المنظمات الإغاثية.
يقول مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، محمد حلاج، لعنب بلدي، إن النزوح المتواتر الآن تحول إلى كارثة دولية وليست محلية فقط، ما يتطلب تدخلًا واسع النطاق لضمان توفير الاحتياجات الإنسانية للنازحين الجدد.
تزيد ظروف فصل الشتاء من ضعف النازحين، ويحتاج كثير ممن فروا جراء القصف الجوي، إلى المأوى والتدفئة والتغذية المناسبة.
ويرى مدير الفريق أن الاستجابات من قبل المنظمات المعنية بدعم الوضع الإغاثي، في شمال غربي إدلب، لا تتناسب مع ما يحتاجه النازحون.
وينوه حلاج إلى أن حصر العمل الإغاثي، اليوم، بتقديم بعض المعونات للنازحين، يفقده أهميته، معتقدًا أن هناك مسؤولية كبرى على المنظمات المعنية لتحسين البنى التحتية لمناطق النزوح، وإعادة بناء مراكز الإيواء المهدمة.
كما يترتب على المنظمات الإغاثية، بحسب حلاج، إيجاد حلول للمشاكل الصحية التي تجبر كثيرًا من الحالات المصابة على الذهاب إلى تركيا، الأمر الذي يثقل كاهل بعضهم بالمصاريف العالية بسبب قدرتهم المالية الضعيفة.
ونشر موقع “ReliefWeb”، المتخصص برصد المعلومات الإنسانية في جميع أنحاء العالم، تقريره الخاص حول الوضع الإنساني في إدلب، في 29 من كانون الثاني الماضي.
وبحسب التقرير، فإن 80% من النازحين في شمال غربي سوريا هم من النساء والأطفال، ومن المرجح ازدياد عدد النازحين بشكل كبير في الأيام القليلة المقبلة.
ويشير التقرير إلى أن معظم العائلات النازحة تقيم بشكل مؤقت في المباني العامة والمساجد والمدارس، وعائلات أخرى تقيم في منازل غير مكتملة ودون المستوى الإنساني.
مدير قسم الاستجابة في منظمة “بنفسج”، عبد الرزاق العوض، يوضح لعنب بلدي أبرز المسؤوليات التي زادت على المنظمة في ظل موجة النزوح الجديدة على شمال إدلب، وهي توفير مراكز إيواء تناسب عدد العائلات النازحة، وتأمين بطانيات للوقاية من البرد.
وبسبب ضعف الإمكانيات، فإن الآلية التي ستتعامل بها المنظمة مع النازحين، بحسب مدير قسم الاستجابة، هي إخلاء النازحين من مناطق “النزاع النشط” مثل بلدة أريحا، وجبل الزاوية، وسراقب.
وتتوفر سبعة مراكز إيواء مؤقتة للمنظمة، متوزعة من إدلب إلى دارة عزة شمالًا، ويحاول فريق المنظمة تطوير الخدمات فيها، “من ضمنها توزيع معونات مالية للعائلات”، بحسب ما قاله العوض.
يثير ارتفاع عدد النازحين المدنيين الأسبوع الماضي مخاوف جدية، بحسب تقرير ““ReliefWeb، في ظل سيطرة النظام السوري على 35 مجمعًا سكنيًا ضمن المنطقة الشمالية من سوريا، خلال الفترة الواقعة بين 15 و21 من كانون الثاني الماضي.
هذه التطورات كلها، تثير القلق والمخاوف من أن يظل المدنيون متأثرين بشدة الأعمال القتالية، مع استمرار المكاسب الإقليمية على حساب المناطق المدنية المأهولة بالسكان.