مجالس شمالي حلب.. أدوار إدارية يحكمها الظرف السياسي والعسكري

  • 2020/02/02
  • 11:27 ص
المجلس المحلي في عفرين ينفذ عمليات صيانة لمشكلة الصرف الصحي في حي الأشرفية في عفرين - 8 كانون الثاني 2020 (صفحة المجلس/ فيس بوك)

المجلس المحلي في عفرين ينفذ عمليات صيانة لمشكلة الصرف الصحي في حي الأشرفية في عفرين - 8 كانون الثاني 2020 (صفحة المجلس/ فيس بوك)

مراد عبد الجليل | ميس حمد | علي درويش

في واحد من مكاتب المجلس المحلي لمدينة الباب بريف حلب، يعمل جهاز إلكتروني ذو ضوء أخضر في حفظ بصمات المواطنين، قبل إدراجها في بياناتهم الشخصية، التي تُحفظ بـ”كود” موجود على بطاقات شخصية جديدة، مربوطة بـ”السيستم” التركي.

تلعب هذه الغرفة دور مديرية النفوس، أو دائرة الجوازات، رغم أن فكرة المجالس المحلية، التي نشأت خلال الأعوام الماضية في المناطق التي خرجت عن سيطرة قوات النظام، تقوم على تحديد دور خدمي تنموي لها، لكن مجالس ريف حلب الشمالي، وتحديدًا بعد عام 2016، لعب أدوارًا إضافية.

تنمير السيارات، تحديد الأسعار، تغيير عملة التبادل التجاري لبعض السلع، وغيرها من المهام تؤديها مجالس ريف حلب الشمالي، التي تعمل ضمن ظروف أمنية وعسكرية استثنائية، بالمقارنة مع بقية المناطق السورية التي تسيطر عليها فصائل معارضة، وظروف سياسية تتحكم بها طبيعة علاقتها مع ولايات جنوبي تركيا.

تحاول عنب بلدي في هذا الملف تسليط الضوء على دور المجالس المحلية في ريف حلب، إضافة إلى الأسباب التي وقفت في وجه توحدها تحت مظلة واحدة تابعة لـ الحكومة السورية المؤقتة”، إلى جانب الدور التركي في عمل هذه المجالس، وطبيعة علاقته بها ومستوى تدخله فيها.

دائرة السجل المدني التابعة للمجلس المحلي لمدينة اعزاز – آب 2019 (صفحة المجلس على فيسبوك)

مجالس ريف حلب الشمالي..

تجربة إدارية رهن التقلبات العسكرية

شهد ريف حلب الشمالي تأسيس مجالس محلية بدعم مباشر من الحكومة التركية، بعد العملية العسكرية التي شنتها فصائل المعارضة، بدعم تركي، تحت اسم “درع الفرات” في آب 2016، بهدف طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” من المنطقة، وسيطرت بعد خمسة أشهر من المعارك على أبرز المدن في المنطقة، وهي جرابلس والباب واعزاز، لتبدأ مرحلة تأسيس إدارات مدنية تحت إشراف تركي.

وكانت المجالس بداية سيطرة الفصائل المدعومة من تركيا تحت هيمنة المجالس العسكرية التابعة لها، والتي تشكلت في مراكز المدن، ما أدى إلى تحجيم دورها، لكن الضغط الشعبي ساعدها في لعب دور أكبر في تأمين الخدمات للأهالي، وتمكنت من الخروج من تحت عباءة الفصائل العسكرية، لتقع لاحقًا في فخ التبعية الإدارية لتركيا.

وتوجد في المنطقة مجالس محلية مركزية تتبع لها مجالس بلدات، ويبلغ عدد المجالس المركزية عشرة في اعزاز، وصوران، ومارع، وأخترين، والباب، وبزاعة، وقباسين، والراعي، وجرابلس، إضافة إلى المجلس المحلي في عفرين، عقب السيطرة عليها في 2018.

دور خدمي.. أم أكبر؟

رغم الظروف الصعبة وغير المستقرة التي مرت بها المنطقة، وما زالت، إضافة إلى مستقبلها الضبابي، على المستويات السياسية والأمنية والإنسانية، تمكنت المجالس المحلية، التي تمثل حكومات في مناطقها، من لعب دور في إدارة المنطقة على الصعيد الاقتصادي والخدمي، وفق الباحث الاقتصادي، مناف قومان.

وقال قومان لعنب بلدي إن مجالس ريف حلب الشمالي “أدارت مرحلة التعافي وحققت تقدمًا ملحوظًا في تأمين الخدمات، من كهرباء ومياه وصرف صحي وطرق ومواصلات، ورفعت سوية العمل بالشكل الذي أمّن فرص عمل، ونظم عمل المنظمات والجمعيات والقطاع الخاص”.

في حين أكد رئيس المجلس المحلي في جرابلس، عبد خليل، لعنب بلدي، أن المجالس تقوم بأكبر من دورها، كون دور المجلس المحلي مقتصرًا على الأمور الخدمية، لكنها حاليًا تقوم بدور إدارة المنطقة بشكل كامل، وتحمل أعباء كل المؤسسات الموجودة في المنطقة، وتسهم في دعمها وتشغيلها ضمن إمكانياتها، خاصة في ظل غياب أي حكومة.

ما الإطار القانوني لعمل المجالس؟

يعد قانون الإدارة المحلية 107 الصادر في 2011، المرجعية القانونية لعمل المجالس، بحسب ما أكده مدير الإدارة المحلية في “الحكومة السورية المؤقتة”، علي حلاق، ونص القانون على إيجاد وحدات إدارية قادرة على عمليات التخطيط والتنفيذ، ووضع الخطط التنموية الخاصة بالمجتمع المحلي، وتنفيذ المشاريع الخاصة بها بكفاءة وفعالية، وتعزيز الإيرادات المالية للوحدات الإدارية لتمكينها من ممارسة الدور التنموي في المجتمع المحلي إلى جانب الدور الخدمي.

وأشار حلاق في حديث لعنب بلدي إلى أن “الحكومة المؤقتة تعمل على تطوير القانون وتأطير العلاقة مع المجالس المحلية، بما يناسب الواقع من زيادة عدد المهجرين قسريًا وأعدادهم ونسبهم”.

المعابر أهم مصادر التمويل

منذ بدء تشكيل المجالس المحلية بدأت تبحث عن موارد مالية ذاتية من أجل تنفيذ مشاريعها في المنطقة، وضمان استمراريتها وتقديم خدماتها للمواطنين، ولكن في البداية اعتمدت على الدعم الخارجي الذي كانت تقدمه المنظمات الحكومية وغير الحكومية الإقليمية والدولية، إلى جانب الدعم التركي، وخاصة في المراحل الأولى لتشكيلها.

وقال رئيس “لجنة إعادة الاستقرار” المشكّلة بقرار من محافظة “حلب الحرة”، منذر السلال، إنه مع بداية السيطرة على مدن ريف حلب الشمالي، بدأت اللجنة، التي تتلقى دعمًا من منظمات دولية، بدعم المجالس بمعدات لإزالة الركام والأنقاض من الشوارع وتفعيل مضخات المياه، وتأمين مولدات الكهرباء، وإنارة الطرقات وإقامة نظام جباية مياه ونظافة، مشيرًا إلى تقديم عشر آليات كبيرة ومتوسطة إلى المجالس، إضافة إلى معدات بسيطة.

أما المورد الرئيس للمجالس في الوقت الحالي، فهو الأموال المخصصة لها من حصة المعابر الحدودية بين مناطقها وتركيا، بحسب مدير الإدارة المحلية، علي حلاق، الذي أكد أنه منذ عامين ونصف، تم توقيع اتفاقية المعابر التي نصت على تقاسم الحصص، جزء منها يذهب لـ”الحكومة المؤقتة” من أجل تمويل موظفيها واستمرار عملها، وجزء منها يذهب إلى المجالس المحلية.

من جهته أكد رئيس المجلس المحلي في جرابلس، عبد خليل، لعنب بلدي، أن طرفًا ثالثًا يتقاسم موارد المعابر وهو الفصائل العسكرية، مشيرًا إلى أن الإيرادات يتم إيداعها في بنك بتركيا، ويأخذ كل طرف حصة من هذه الإيرادات، وتكون قيمتها بحسب إيرادات المعابر الثلاثة (الراعي وجرابلس وباب السلامة).

مصادر إضافية

ولا تكتفي المجالس المحلية في ريف حلب الشمالي بموارد المعابر، بحسب ما قاله الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، أيمن الدسوقي، بل تعتمد على عدة مصادر تمويل، أهمها الدعم الذي يوفره الجانب التركي بشكل مباشر أوغير مباشر، مثل دفع رواتب قطاعات التعليم والشرطة.

إضافة إلى الضرائب والرسوم المحلية التي تفرضها المجالس على السكان المحليين (خدمية كالمياه والنظافة، والترخيص التجاري، والسجل المدني)، إضافة إلى الدعم الذي توفره المنظمات والجهات المانحة العاملة في مناطق المجالس، والموارد الناجمة عن استثمار وإدارة الأملاك الدولة، وفق ما أكده الدسوقي لعنب بلدي.

وبحسب مراسل عنب بلدي في ريف حلب الشمالي، فإن تكلفة استصدار بطاقة تعريفية من المجالس (هوية) تبلغ خمس ليرات تركية (950 ليرة سورية)، إضافة إلى ترخيص الآليات، إذ إن تنمير دراجة نارية يبلغ 50 ليرة تركية (9500 ليرة سورية)، في حين تختلف قيمة تنمير الآليات بحسب نوعها، وتضاف تلك المبالغ إلى خزينة المجالس.

وتقدم “لجنة إعادة الاستقرار” دعمًا غير ماديّ للمجالس المحلية، إذ تدرب المجالس على الاستقرار الإداري والسياسي، بحسب رئيسها، منذر السلال، الذي أوضح أن اللجنة دربت عدة مجالس، خلال الأشهر الماضية، على الإدارة المدنية وإدارة المشاريع والإعلام وكتابة التقارير.

إضافة إلى تدريبات في التوعية السياسية، وإشراك المجالس المحلية والمجتمع المحلي في العملية الدستورية التي تجري حاليًا في إطار “اللجنة الدستورية” بين النظام والمعارضة في جنيف، بحيث تتمكن هذه المجالس من المطالبة بأمور تتعلق بمناطقها.

أبرز المجالس المحلية في ريف حلب الشمالي

نبذة تاريخية

نشأت المجالس المحلية في المناطق التي خرجت عن سيطرة قوات النظام، مع بداية الحراك الثوري في سوريا، كبديل عن مؤسسات الدولة في تقديم خدمات للناس، وتزامنت انطلاقتها مع انحسار سيطرة النظام على كثير من المناطق والمدن السورية، لكن مع مرور سنوات الثورة تبدلت أدوار، وتقلصت مجالس، تبعًا لتراجع السيطرة العسكرية للمعارضة في بضع مناطق.

وحول الأدوار المناطة بالمجالس المحلية سابقًا وما هي عليه اليوم، يقول الباحث والعضو السابق في مكتب تنسيق المجالس المحلية بدمشق، منير الفقير، لعنب بلدي، إن المجالس المحلية، سياسيًا، نشأت بناء على رغبة كثير من أبناء الحراك الثوري لتقديم نموذج في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وهو ما ميزها عن مجالس النظام المحلية التي كان لها دور سياسي تمثيلي أكثر من الدور الخدمي.

ومع استمرار الثورة في عامها الثاني التحق ناشطون ومتطوعون للعمل تحت مظلة المجالس المحلية في كامل المدن السورية، لتغطية الفراغ الإداري، وبحسب ما قاله المدير التنفيذي لـ”منظمة التنمية المحلية” (LDO)، يوسف نيربية، شهدت المجالس المحلية أوج تطورها عام 2014 مع نشوء “الحكومة السورية المؤقتة” التي أخذت على عاتقها تأمين الدعم اللوجستي واستمراريته لتلك المجالس، في وقت عملت في المجالس على وضع اللوائح الناظمة لعملها، حسب تعبيره.

وأضاف، “تطورت علاقة المجالس إداريًا وتنظيميًا مع المجتمع المحلي وتعدى دورها إلى تنميته، لكن ونظرًا إلى شح الموارد، آثرت المجالس المحلية أن تقتصر على تقديم الخدمات الأساسية في المناطق المحررة”.

آلية تابعة للمجلس المحلي لمدينة حاس أثناء تنقيذ عمليات صيانة أحد الطرق في البلدة – 2018 (عنب بلدي)

منطقة واحدة ومرجعيات مختلفة..

لماذا لا تتوحد مجالس ريف حلب

على الرغم من الدور الإيجابي الذي تلعبه المجالس المحلية في توفير خدمات بريف حلب الشمالي، لا تتوفر مظلة واحدة تعمل من خلالها، ما أدى إلى حالة من عدم التوازن في عملها، وخاصة في المشاريع المنفذة على مدى السنوات الماضية.

وأكد الباحث الاقتصادي أيمن الدسوقي لعنب بلدي، أن الوقائع تشير إلى أن المجالس المحلية ليست لديها لوائح إدارية متكاملة ومتسقة مصدرها “الحكومة السورية المؤقتة”، وإنما هي أشبه بوحدات إدارية محلية مناطقية تتمتع بهامش استقلال كبير في إدارة شؤون مناطقها، بعيدًا عن تدخل الحكومة، وبالاعتماد على لوائح خاصة بها مصدرها المجالس نفسها، أو توجيهات وإجراءات مصدرها الولايات التركية التي ترتبط بها هذه المجالس.

وأدى عدم توحد المجالس تحت مظلة واحدة، إلى تبعية المجالس لبعض الولايات التركية القريبة منها، إذ تختص كل ولاية بعدد من المجالس المحلية، مثل ولايتي كلّس وغازي عينتاب، اللتين انتدبتا ممثلًا عنهما للتواصل مع المجالس يطلق عليه “منسق” أو “مساعد والٍ”.

لماذا لا تجتمع المجالس في كيان؟

من خلال تواصل عنب بلدي مع عدد من المسؤولين المحليين سواء في “الحكومة المؤقتة” أو المجالس، إلى جانب باحثين، توصلت إلى جملة من الأسباب التي أدت إلى عدم اجتماع المجالس المحلية تحت كيان واحد.

يعود السبب الأول، إلى ضعف إمكانيات “الحكومة السورية المؤقتة” المادية، الأمر الذي أدى إلى عدم قدرتها على إدارة المنطقة، وهو ما أكده رئيس المجلس المحلي في جرابلس، عبد خليل، بقوله، إن “الحكومة المؤقتة محاربة من الجهات الدولية وليس لها أي داعم دولي، لذلك لا تأخذ دورها بشكل كامل وليس لها أي دور على أرض الواقع”.

وأشار خليل إلى أن “الحكومة المؤقتة” لا تتدخل في عمل المجالس، بسبب قلة وارداتها وعدم إمكانياتها في دفع رواتب للمجالس، وإنما تشرف فقط على المعابر وتوزع الحصص عليها، لافتًا إلى أن دور “الحكومة” أكثر فعالية في مناطق شرق الفرات (رأس العين وتل أبيض)، إذ شكلت مجالس محلية في المنطقة عقب السيطرة عليها ضمن عملية “نبع السلام” التي أطلقتها تركيا ضد “وحدات حماية الشعب” (الكردية) في تشرين الأول 2019.

ووافق مدير الإدارة المحلية في “الحكومة المؤقتة”، علي حلاق، على كلام خليل، إذ يعتقد أن ضعف موارد “الحكومة” أدى إلى ضعف أدائها في معظم المناطق، وهو ما دفع البعض لعدم التعامل معها، وخاصة المانحين الذين توجهوا للتعامل مع المنظمات لتنفيذ مشاريعهم وليس مع “الحكومة”.

كما يرى حلاق أن الحجم الكبير لموارد بعض المجالس، حوّل أداءها، بشكل أو بآخر، من مجالس محلية إلى حكم محلي، وهو ما انعكس سلبًا على أداء “الحكومة المؤقتة” بشكل عام، مشيرًا إلى أن العلاقة موجودة بين الطرفين، لكن قوة العلاقة وضعفها تتناسب طردًا مع قوة وضعف الموارد للمجالس.

سبب آخر، يكمن في عدم وجود رغبة لدى المجالس المحلية بالتوحد تحت مظلة واحدة، وهو ما يحتاج إلى دعم وقرار تركي، بحسب رئيس “لجنة إعادة الاستقرار”، منذر السلال.

وأوضح السلال أن إنتاج مظلة فعلية للمنطقة يتطلب تنظيمًا من قبل الأجسام الحكومية، سواء مجلس المحافظة أو “الحكومة المؤقتة”، وإرادة من المجالس المحلية، إلى جانب دفع الداعم التركي، لافتًا إلى أن “المظلة الآن هي المنسق التركي من الولايات التركية، وكل منسق يعمل وفق ما يرى الوالي”.

استطلاع: “رغبة الداعم منعت التوحد”

بحسب استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي عبر صفحتها في “فيس بوك”، حول أسباب عدم توحد المجالس المحلية بريف حلب تحت مظلة واحدة، اعتبر 71% من المشاركين (846 صوتًا) أن السبب عائد إلى “عدم وجود رغبة لدى الداعم”، في حين اعتبر 29% أن تراجع دور “الحكومة السورية المؤقتة”، يقف وراء عدم وجود مظلة واحدة للمجالس.

في حين قال مدير مكتب الإعلام في المجلس المحلي لمدينة عفرين، أحمد ليلا، لعنب بلدي، إن جميع المجالس المحلية في ريف حلب تابعة قانونيًا لوزارة الإدارة المحلية في “الحكومة السورية المؤقتة”، وأكد وجود تحركات لإعادة المجالس إداريًا إلى مرجعية وعمل مركزي مع الوزارة.

الولايات التركية مرجعية المجالس..

هيمنة أم دعم وتنسيق؟

لا يمكن خلال الحديث عن مجالس ريف حلب المحلية إغفال الدور التركي، وسط إشارات استفهام حول تحكم تركيا بقرارات المجالس، والتبعية لها.

في 31 من آذار عام 2018، نشرت صحيفة “Cumhuriyet” التركية مقالًا تحدثت فيه عن استعداد ولاية هاتاي، الواقعة جنوب غربي تركيا على مقربة من الحدود مع سوريا، لتولي مهمة تنسيق إدارة عفرين في ريف حلب الشمالي، ولفتت الصحيفة آنذاك إلى تعيين أحد نواب والي هاتاي لـ”ضمان التنسيق” في عفرين عن طريق مجلس محلي يديره 35 شخصًا، بحسب ما ذكرته الصحيفة.

كما نشر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في كانون الثاني الماضي، مقالة في صحيفة “New York Times” الأمريكية، بعنوان “تركيا لديها خطة من أجل تعزيز السلام في سوريا” تحدث فيها عن خطة تركية لما أسماها بـ”تنظيم الأمور في هذه المناطق وإدارتها عن طريق مجالس محلية سوف تؤسسها تركيا هناك”.

وأشار الرئيس التركي في مقالته إلى مجالس محلية منتخبة من “الشعب” ستكون مسؤولة عن إدارة تلك المناطق، مضيفًا، “يمكن لأي أحد غير مرتبط بالإرهاب أن يمثل مجتمعه في هذه المجالس”.

وتحدث مدير الإدارة المحلية، علي حلاق، عن وجود علاقة مباشرة بين المجالس المحلية والولايات التركية، وتختلف طبيعة هذه العلاقة وفق كل مجلس.

ويصف رئيس “لجنة إعادة الاستقرار”، منذر السلال، الدور التركي في عمل المجلس المحلي بـ”المنسق”، بحسب قرب كل مجلس من الولايات التركية، “وهذا له إيجابيات وسلبيات”.

“من الإيجابيات أن أصبح للمجالس سلطة بعدما كانت عبارة عن مجموعة من الشباب، لا سلطة لهم، وهذا لم يكن ليحصل لولا الدعم التركي، إضافة إلى تنظيم عمل كل مجلس وجلب إيرادات له من المعابر والجبايات”، وفق السلال.

أما عن سلبيات الدور التركي في المجالس فتكمن في “عدم وجود مظلة سورية”، بحسب السلال، مشيرًا إلى عدم وجود أجسام حكومية حقيقية تدير عمل المجالس، بينما يمكن تدارك هذا الأمر “في حال وجود رغبة لدى كل الأطراف”.

من جهته اعتبر المدير التنفيذي لـ “منظمة التنمية المحلية” (LDO) التي تدعم المجالس المحلية، يوسف نيربية، أن الإشراف المباشر من قبل مسؤولين في الولايات الجنوبية التركية، وتبعية قرار بعض المجالس إلى مكاتب في تركيا، فرض قيودًا على عمل المجالس.

وأضاف، “البعض منها كان له منحى إيجابي”، مشيرًا إلى بعض القيود المتمثلة في الفهم غير الكامل للإدارة التركية لطبيعة المنطقة السورية، فضلًا عن الظروف الأمنية المختلفة.

لكن “المجالس ذات المرجعية التركية” في رأي نيربية، أضحت مناطقها أكثر تطورًا من خلال ضبط عملها إداريًا وماليًا، وقد تنتقل إلى مرحلة جديدة من خلال مشاركة أوسع للمجتمع المحلي عبر التخطيط للخدمات وتحديد الأولويات.

وأوضح نيربية، أن ما يجري هو اقتراح المجالس المحلية لمشاريع يتم رفعها إلى المنظمات أو إلى الحكومة التركية لطلب التمويل والتنفيذ، وتتم وفق شروط فنية تفرض من بعض المستشارين الأتراك.

أما الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، والعضو السابق في “مكتب تنسيق المجالس المحلية بدمشق”، منير الفقير، فوصف آلية عمل المجالس المحلية التي تلعب دور جهات حكومية، بأنها أمر “غير سليم”.

فمرجعية قرار المجلس تعود إلى ممثل أو منسق في ولاية تركية يتبع لها، وتوجه سير عمل المشاريع في تلك المجالس، بينما تبرر المجالس هذا التدخل بـ”ضعف الحكومة المؤقتة”.

لعضو “لجنة إعادة الاستقرار” بشار عبد القادر، رأي مغاير، إذ أكد أن المجالس المحلية “قراراتها داخلية، مع متابعة عملها من قبل ولايتي كلّس وغازي عينتاب التركيتين، وحتى إقرار الموازنات فهو شأن داخلي خاص بكل مجلس”.

وأضاف، “رغم أن تركيا خصصت لمجالس المدن رواتب للأعضاء والموظفين، بالإضافة إلى تنفيذ المشاريع من خلال النسبة المخصصة لهم من واردات المعابر، لكن هذا لا يعني تبعية المجالس لها”.

سيارات مرورية قدمنها الجندرمة التركية إلى المجلس المحلي في الباب بريف حلب – 15 من شباط 2019 (الأناضول)

هل نجحت المجالس في عملها؟

في استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي مع عدد من أهالي ريف حلب حول أداء المجالس المحلية، اشتكى بعضهم من “فشل” بعضها في تأدية مهامها، رغم امتلاكها إمكانيات جيدة.

أبرز سلبيات عمل المجالس، من وجهة نظر المشاركين في الاستطلاع، كان انعدام الحس الإداري فيها، بسبب عدم تسليم المناصب لأشخاص أكفاء، وأصحاب شهادات علمية، بينما أشار آخرون إلى عدم تبديل بعض الإدارات، التي حافظت على شاغليها منذ خمس سنوات.

لكن الباحث الاقتصادي، مناف قومان، يرى أن للمجالس أدوارًا إيجابية رغم وجود سلبيات، ومنها التأقلم مع الظروف المتقلبة، وتنفيذ مشاريع وخدمات للسكان، وتوقيع مذكرات تفاهم مع المنظمات والمؤسسات، وإزالة هم كبير عن كاهل السكان بتوفير خدمتي الكهرباء والماء، إضافة إلى التركيز على خدمات رئيسة من بينها الطرق والمواصلات، بعد ترميم عشرات الكيلومترات داخل وخارج البلدات والمدن بما يسهم في تسهيل عملة النقل والتنقل.

وعملت المجالس المحلية على استخدام موارد الطاقة المتجددة في إنارة الطرقات، بحسب قومان، كما أسهمت، وبالتعاون والتنسيق مع المنظمات، في خلق فرص عمل في المنطقة، وتأمين استقرار نسبي لمخيمات النزوح.

أما نقاط الضعف، فتكمن في التشرذم بين المجالس وعدم توحيد الخطاب والعمل والرؤية الاقتصادية، إضافة إلى عدم اهتمامها بالجانب القانوني الناظم لحقوق الملكية ورأس المال، الأمر الذي ينفر رجال الأعمال والمستثمرين، ما يضعف مناخ العمل في المنطقة، كما غابت هيئة إحصائية موحدة تصدر الأرقام والبيانات وكل ما يعرف عن المنطقة للقريب والبعيد.

وشاب القطاع الزراعي ضعف واضح من حيث تنفيذ المشاريع الزراعية، وهو ما يبقي حالة الأمن الغذائي في وضع مقلق، يعكس بظلاله على الأثمان الداخلية، وبالتالي عدم خدمة الفئة السائدة في المجتمع، وفق قومان.

تحديات مالية وأمنية..

ما مصير المجالس؟

في ظل الواقع الأمني والسياسي في المنطقة، يواجه عمل المجالس المحلي عددًا من التحديات التي قد تعيق تطور أدائها بشكل كبير، منها تحقيق إيرادات مالية تحقق الاكتفاء الذاتي.

رئيس المجلس المحلي في جرابلس، عبد خليل، تحدث لعنب بلدي عن تحديين يواجهان المجالس، الأول هو ضعف الموارد لإقامة مشاريع كبيرة تحتاج إلى دعم دولي، والثاني يكمن في الوضع الأمني الذي يمنع إقامة أي مشاريع وحضور مستثمرين، إلى جانب عمل المنظمات وعدم تنسيقها مع المجالس المحلية، وعدم تلبيتها حاجات المدنيين.

من جهته، اعتبر الباحث أيمن الدسوقي أن من أبرز التحديات التي تواجهها المجالس، عدم القدرة على إثبات استقلاليتها في إدارة شؤون نفسها، بعيدًا عن تدخلات خارجية، ومحاربة الفساد، وتعزيز شرعيتها المحلية.

إلى جانب التحدي الكبير الذي يتصل بمدى قدرتها على تحقيق الترابط المؤسساتي على المستويين الأفقي والعمودي فيما بينها كمجالس، وما بينها وبين “الحكومة المؤقتة”، معتبرًا أن عدم ترابط المجالس ضمن منظومة موحدة، وافتقارها إلى حماية وغطاء سياسي دولي وإقليمي يهدد عملها.

وحول مصير المجالس، توقع الدسوقي بقاءها على المدى القصير والمتوسط بشكلها القائم، وسط احتمال وجود نمط آخر للإدارة المحلية، يكون نتاج التوافق الروسي- التركي، أو الخلاف فيما بينها.

أما رئيس “لجنة إعادة الاستقرار”، منذر السلال، فأكد أن المجالس المحلية تتجه حاليًا نحو التنظيم، وسط محاولة تفعيل دورها السياسي، متوقعًا مع الأيام تحولها إلى سلطة فعلية مستقبلية تسهم في إدارة سوريا وتحسين أوضاع مناطقها، مشيرًا إلى إمكانية أن تصبح الجسم الأكثر اعترافًا بين أجسام المعارضة السورية.

اجتماع لأعضاء مجلس جنديرس المحلي في محيط عفرين – 21 نيسان 2018 (الائتلاف السوري)

مقالات متعلقة

في العمق

المزيد من في العمق