مراسيم الأسد لمواجهة “الدولرة”.. صارمة لكنها هشة
عنب بلدي – ميس شتيان
“المرسومان القاضيان بتشديد العقوبات على المتعاملين بغير الليرة السورية، هما مقدمة لمحاربة ظاهرة الدولرة”، تصريح قاله حاكم مصرف سوريا المركزي، حازم قرفول، في لقاء بثته القناة السورية الرسمية، في 21 من كانون الثاني الحالي.
يعد تصريح حازم قرفول إقرارًا واضحًا بإغلاق الباب حاليًا أمام دخول عملة أجنبية إلى جانب الليرة السورية أو بديلة عنها في التداول، في الوقت الذي كان فيه الاقتصاد السوري يتجه نحو “الدولرة”، نتيجة التراجع الكبير في قيمة الليرة السورية، على مدى تسع سنوات، وانتشار التعامل بالدولار الأمريكي والعملات الثابتة، وكذلك اللجوء إلى حيازة الذهب، لأنها تعد ملاذات آمنة وتحافظ على قيمة المدخرات.
وأغلقت الحكومة بموجب المراسيم الأخيرة عددًا من المؤسسات التي تتعامل بالدولار، وشركات الصرافة التي يحصل من خلالها التجار والصناعيون على القطع الأجنبي اللازم لتمويل مستورادتهم، ما أثار موجة قلق بين أولئك التجار، إذ صاروا في مواجهة احتمالية تعطيل معاملهم.
مصرف سوريا المركزي طرح اقتراحًا على الصناعيين ببيعهم الدولار الواحد بسعر تفضيلي هو 700 ليرة سورية وتمويل استيراد 44 مادة أولية ومستلزمات إنتاج، بحسب ما صرح به أمين سر غرفة صناعة دمشق وريفها، غزوان المصري، لموقع الاقتصادي، بعد اجتماع عُقد في 29 كانون الثاني الماضي، بين حاكم مصرف سوريا المركزي، حازم قرفول، وعدد من الصناعيين.
وأشار المصري إلى أن ما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماع سيعرض في الجلسة المقبلة للجنة الاقتصادية لإقراره.
مؤشرات اقتصادية خطيرة
وخسرت الليرة السورية نحو 20 ضعفًا من قيمتها منذ عام 2011، وكان سعرها مقابل الدولار الأمريكي 50 ليرة وسطيًا، بينما بلغ سعرها الآن أكثر من ألف ليرة في السوق السوداء.
ومنذ أشهر تشهد الليرة تراجعًا غير مسبوق، متأثرة بالأزمة في لبنان وتجميد الودائع في المصارف اللبنانية، والعقوبات الأمريكية والأوروبية على حكومة النظام السوري، وسجلت الليرة في بداية 2020 انخفاضًا بنسبة 30% أمام الدولار، مقارنة مع نهاية العام 2019، بحسب موقع “الليرة اليوم” المختص بأسعار صرف العملات.
وبلغت نسبة التضخم في سوريا 826 نقطة لغاية 2019، وفق أحدث إحصائية رسمية صادرة عن المركز السوري للإحصاء، بينما كان معدل التضخم في بداية عام 2010 ، 142.10 نقطة.
وشهد مؤشر القوة الشرائية في العاصمة دمشق تراجًا كبيرًا وصل فيه إلى 10.64 نقطة، وصنفه موقع “Numbeo” العالمي بأنه منخفض جدًا.
ويعيش 80% من السوريين تحت خط الفقر، وفق تقرير صادر عن الأمم المتحدة في بداية آذار عام 2019.
وتشير تلك المؤشرات إلى تراجع كبير في الوضع الاقتصادي والمعيشي، وتراجع كبير في القطاعات الاقتصادية الحيوية، بعد تسع سنوات من الحرب.
ما هي “الدولرة”؟
تعرف “الدولرة” بأنها عملية تتخلى بموجبها الدولة عن عملتها المحلية وتستبدل بها عملة دولة أكثر استقرارًا مثل الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي والين الياباني.
وتتم عملية “الدولرة” إما بشكل كامل، كأن تقوم الدولة باتخاذها عملة رسمية، أو بشكل جزئي كأن يعتمدها بعض الأفراد في تعاملاتهم.
وتلجأ دولة ما إلى عملية “الدولرة” كرد فعل على عدم استقرار الوضع الاقتصادي الداخلي وفقدان العملة المحلية قيمتها، وفقدان المواطنين الثقة في هذه العملة.
وفي فترات التضخم المرتفع الناتج عن الزيادة المفرطة في عرض النقود وانخفاض أسعار الفائدة، تفقد النقود الورقية وظيفتها كمخزن للقيمة فتقل قوتها الشرائية، ما يدفع المواطنين إلى التخلص من العملة الضعيفة بشراء العملة الصعبة الأقوى مثل الدولار، كوسيلة لضمان الاستقرار المالي وهذا ما يطلق عليه بـ”الدولرة الجزئية”.
كثيرة هي البلدان التي لجأت إلى “الدولرة”، بعدما انهارت اقتصاداتها وتهاوت قيمة عملتها الرئيسة، ففي كانون الثاني من عام 2000، أصدر رئيس جمهورية الإكوادور قرارًا باعتماد الدولار الأمريكي كعملة رسمية، على أن تظل العمة المحلية (السوكر) محتفظة بدور هامشي، وفي الحقيقة جاء هذا القرار إثر فقدان تام للثقة في سياسة الإكوادور الاقتصادية وعجز السلطات عن مواجهة الضغط الذي تعرض له السوكر .
وتوجد دول إفريقية عديدة استخدمت كلًا من الدولار واليورو واليوان الصيني، بعدما شهدت تراجعًا حادًا في قيمة عملتها المحلية حتى أصبحت بلا قيمة، كما استخدمت كوسوفو الفرنك السويسري، واستخدم إقليم شمال قبرص الليرة التركية، ويستخدم الروبل الروسي في دول سابقة في الاتحاد السوفيتي.
هل دفنت المراسيم الجديدة عملية “الدولرة” في سوريا؟
توحي الإجراءات المشددة لحكومة النظام السوري ضد المتعاملين بغير الليرة السورية، بأننا لن نشهد عودة التعامل بالدولار في مناطق سيطرة النظام، بسبب خوف المتعاملين بالدولار من الاعتقال والغرامات، فهل يتراجع النظام عن قراراته ومراسيمه ونشهد عودة التعامل بالدولار والاتجاه نحو “الدولرة”؟
الباحث والمحلل الاقتصادي يونس الكريم، قال لعنب بلدي إن عملية “الدولرة” قادمة لا محالة، وإن المراسيم والقرارات التي تفرض عقوبات مشددة ضد المتعاملين بغير الليرة السورية، هي جزء من الحرب النفسية التي يقودها النظام لوقف تدهور الليرة.
ولفت إلى أن الحملة ضد المتعاملين بالدولار طالت بعض الأفراد و الأنشطة التجارية الصغيرة، وليس الشركات الكبيرة.
وربط الكريم الدخول في عملية “الدولرة” مع بدء عملية إعادة الإعمار، ودخول شركات الاستثمار الأجنبية، التي وقعت معها الحكومة عقودًا للاستثمار في مجال البنى التحتية (الطرق، حقول النفط، الفوسفات، الطرق، الكهرباء…)، ومنها الشركات الروسية والإيرانية.
وأوضح أن تلك الشركات لن تقبل بإنشاء استثمارات في بلد يمنع التعامل بغير عملته المحلية.
وطرح مثالًا بأن شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية التي منحتها وزارة النفط في آذار 2018، حق استخراج الفوسفات مدة 50 عامًا من مدينة تدمر ، لن تقبل بيع منتجاتها من الفوسفات بالليرة السورية.
وأيضًا من الأسباب التي ستدفع باتجاه “الدولرة”، هو أن الاقتصاد السوري يعتمد حاليًا في معظمه على الاستيراد، وبالتالي ضرورة توفر القطع الأجنبي لدى الصناعيين والتجار السوريين لتسديد قيمة المواد المستوردة، خاصة أن الحكومة رفعت دعمها عن كثير من السلع المستوردة، وبالتالي فإن البنك المركزي لن يؤمّن للصناعيين والتجار القطع الأجنبي اللازم لهم.
واعتبر الكريم أن من الأسباب التي ستدفع النظام للتراجع عن المرسومين”3” و”4″، هو القرار الذي أصدره مجلس الوزراء، القاضي بحصر بيع العقارات عن طريق المصارف وتقييد سحب الأموال من تلك المصارف.
وأوضح أن القرار سيجمد حركة تجارة العقارات، وهو القطاع الرائد في سوريا بعد تراجع الصناعة والزراعة، وبالتالي فإن المستثمرين سيواجهون صعوبة التجارة في العقارات ونقص السيولة من جهة، ومنع التعامل بالدولار وبقية العملات الأجنبية من جهة أخرى، وبالتالي توقف نشاطهم التجاري.
ولفت الكريم إلى أن الحكومة سوف تتجه إلى “الدولرة الجزئية” وليس إلى “الدولرة الكلية”، لأن الأخيرة بحاجة إلى موافقة البنك المركزي في البلد الذي سيتم اعتماد عملته في عملية “الدولرة”، وهذا الأمر غير ممكن في ظل العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة على حكومة النظام السوري.
على الهامش
أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المرسومين “3” و”4″، في 18 من كانون الثاني الماضي، ويقضيان بتشديد العقوبات على المتعاملين بغير الليرة.
وينص المرسوم رقم “3” على فرض عقوبة السجن ودفع غرامة مالية للمتعاملين بغير الليرة السورية، وجاء المرسوم تعديلًا للمادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم “54” لعام 2013، الذي كان يعاقب المتعامل بغير الليرة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.
وبحسب المرسوم الجديد، فإن كل شخص يتعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات “يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات”، كما يعاقب بـ”الغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة”، إضافة إلى مصادرة المدفوعات أو المبالغ المتعامل بها أو المعادن الثمينة لمصلحة مصرف سوريا المركزي.
المرسوم رقم “4” يفرض عقوبة الاعتقال المؤقت، وبغرامة من مليون إلى خمسة ملايين ليرة سورية، “على كل من أذاع أو نشر أو أعاد نشر وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة أو وهمية بإحدى الوسائل، لإحداث التدني أو عدم الاستقرار في أوراق النقد الوطنية أو أسعار صرفها المحددة بالنشرات الرسمية، ولزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها”.
وتزامنت المراسيم مع تحذير أطلقته وزارة الداخلية من التعامل بغير الليرة السورية في التداول التجاري، وأكدت الوزارة، عبر حسابها في “فيس بوك”، في 17 من كانون الثاني الماضي، تكثيف دورياتها لمراقبة الشركات والمحلات والأشخاص، في محاولة لقمع الظاهرة وضبط المخالفين.
مصرف سوريا المركزي بدوره أصدر تعميمًا، في 20 من كانون الثاني الماضي، أعلن فيه استعداده لشراء الدولار من المواطنين بالسعر التفضيلي الذي حدده للمنظمات الإنسانية وهو 700 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد ومن دون وثائق.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :