عنب بلدي – درعا
خلفت عمليات الخطف المتبادل بين محافظتي درعا والسويداء واقعًا صعبًا أثر على عمق الروابط الاجتماعية والاقتصادية، وأدى إلى شبه قطيعة بين المحافظتين.
إذ يتخوف الأهالي من الوقوع ضحايا عمليات الخطف وطلب الفدية، التي وصلت في بعض الحالات إلى 20 مليون ليرة سورية، الأمر الذي دفع البعض إلى الخطف المضاد، كوسيلة ضغط لاسترجاع مخطوفين.
علاقات اجتماعية مهددة “بالخطف”
في تاريخ 22 من تشرين الثاني 2019، خطفت جهة مجهولة الطبيب إسكندر أبو زيدان من محافظة السويداء، وبعد أيام وجدت جثته مرمية على الأوتوستراد الدولي، قرب قرية خربة غزالة، بريف درعا الشرقي.
وبعد يومين، خطف مجهولون الطبيب أنس الحريري من سكان درعا، الذي يعمل ضمن المشفى الوطني بالسويداء، ورغم مناشدة ذويه شيوخ ووجهاء السويداء، لم يتم الإفراج عنه إلا بعد دفع فدية وصلت إلى 15 مليون ليرة سورية.
حادثة الخطف المتبادلة تلك رصدها مراسلا عنب بلدي في درعا والسويداء، وهي واحدة من عشرات الحالات خلال العامين الماضيين، التي أدت إلى شرخ اجتماعي بين أهالي المحافظتين.
أبو عبد الرحيم (35 عامًا) هو أحد أهالي محافظة درعا (تحفظ على نشر اسمه لأسباب اجتماعية)، كان يسكن في مدينة السويداء، ويحظى بحفاوة استقبال أهلها خلال نزوحه من بلدته، لكن بعد زيادة عمليات الخطف قرر مغادرة المحافظة، تحسبًا لوقوعه ضحية عملية خطف جديدة، من يقومون بها مجهولون غالبًا، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
ويرى ناشط مجتمعي في محافظة السويداء (تحفظ على نشر هويته لأسباب أمنية)، أن حالة التعميم في المجتمع تلعب دورًا سلبيًا، فعلى سبيل المثال، في حال قامت عصابة من درعا بخطف شخص من السويداء، سيتم وصم جميع أهالي درعا، والعكس بالعكس.
“قطيعة تجارية”
بحكم التداخل الجغرافي، شهدت المحافظتان لفترات طويلة تبادلًا تجاريًا وزراعيًا، شمل معظم المحاصيل والمواشي والمنتجات المحلية، لكن الخوف من التعرض للخطف حد من ذلك التبادل، لتحاشي السفر وما قد يلحق به من مخاطر.
وشكلت السويداء مصدرًا رئيسًا للسلع ومواد البناء، في أثناء سيطرة المعارضة على درعا، وكان تشهد عمليات خطف محدودة، آنذاك، تزايدت بشكل كبير بعد سيطرة النظام على المنطقة الجنوبية، حسبما أكده ياسين قداح، وهو موظف سابق في منظمة إنسانية بدرعا.
ورغم العلاقات الجغرافية والاجتماعية بين المحافظتين، أُغلقت أغلب الطرق بينهما، بحسب ما أكده وليد الرفاعي، أحد سكان قرية أم ولد بريف درعا الشرقي، لافتًا إلى ذلك أدى إلى توقف عمليات التبادل التجاري.
وكان لتجار السويداء دور في تحريك النشاط التجاري وخاصة في أسواق الهال، التي استقطبت سابقًا أغلب المحاصيل الزراعية من درعا. وبالمقابل، استقبلت أسواق درعا تفاح السويداء والعنب الجبلي، فضلًا عن تجارة المواشي بين المحافظتين.
في الوقت الحالي، يستعين تجار السويداء بسوق الهال في دمشق، بدلًا عن السويداء، بحسب ما علمته عنب بلدي من أحد سكان ريف درعا، الذي يعمل في تجارة المنتجات الزراعية (تحفظ على نشر اسمه لأسباب أمنية).
مساعي الوجهاء لم تحد من الظاهرة
تنفذ عمليات الخطف “عصابات تبحث عن الكسب المالي” بحسب وليد الرفاعي من محافظة درعا، دون أن يستطيع شيوخ العشائر وشيوخ العقل التأثير عليها، ودون تدخل من أجهزة النظام، التي تستفيد من التوتر حسب رأي ياسين قداح، العامل السابق في منظمة إنسانية.
ويرى ياسين أن النظام يستفيد من زيادة الشرخ بين المحافظتين، ويتخوف من انخراط السويداء ودرعا في حراك سلمي منظم، وخاصة بعد خروج مظاهرات في كلتا المحافظتين.
وكان القيادي السابق في “الجيش الحر” أدهم الكراد، كتب على صفحته في “فيسبوك”، أن عمليات الخطف بين درعا والسويداء “فيها رائحة الدسائس والإلهاء. الأسلوب والتوقيت يوحي بالأيادي الخفية التي تخدم سيدها”، في إشارة إلى دور النظام السوري.
الناشط المجتمعي في السويداء، أشار أيضًا إلى مسؤولية النظام، مؤكدًا أنه لم يلعب أي دور في السيطرة على تلك الحالات، بينما يذهب كثيرون، على حد تعبيره، إلى التأكيد على أن النظام يقف وراء بعض تلك العمليات، نتيجة مصلحة يحصل عليها من التوتر بين المحافظتين.
وبينما يرى كثيرون، أن مشايخ السويداء ووجهاء درعا بيدهم الحل، يشير الناشط إلى أن ضبط العصابات أمر خارج عن إرادتهم، معتبرًا أن الحل يكمن في تفعيل التبادل التجاري مجددًا لتقوية الروابط الاجتماعية، إضافة إلى فتح قنوات تواصل وإقامة ندوات لجمع أهالي المحافظتين وتخفيف الاحتقان.