نبيل محمد
من غير المنطقي القول إن القائمين على مسلسل “مسيح” الذي يعرض على شبكة “نتفليكس”، والذي أثار مؤخرًا ضجة عالمية، لم ينظروا قبل البدء بإنجازه إلى ما قد يعنيه، أو يُبنى عليه، تبعًا لعقائد المنطقة التي تدور الأحداث فيها، أي إن دلالاته لشخصية المسيح الدجال في الموروث الإسلامي لم تكن مأخوذة بعين الاعتبار، وإن رفضه من قبل مؤسسات دينية وسياسية وثقافية كان مستغربًا.
لعل أكثر ما يمكن تخيله في مسلسل يحمل اسم “مسيح” هو أن يُرفَض من قبل أي مؤسسة دينية تقليدية إسلامية قبل المؤسسات التقليدية المسيحية، التي لن تكون بعيدة عن اتخاذ موقف مشابه.
لكن وبالنظر إلى ما قدمه المسلسل، وإلى بناء الأحداث والشخصيات فيه، لعل أكثر ما حققه أو سيحققه من نجاح، هو هذا الصخب والجدل حوله، وربما كان الهدف الأساسي من إنتاجه، أو لنقُل من عرضه على “نتفليكس”، هو هذا الجدل الذي سيسوّق للعمل في النهاية وينشره، وبالتالي يؤتي ثماره من منظور من ينتظرون الربح منه بالتأكيد. كان للمسلسل ذلك، ولعل ما سيبنى على هذا الجدل هو تطورات قد تستهدف استكمال الجدل نفسه أو زيادته وتعميقه بموسم ثانٍ، وهو ما يبدو أنه متوقع.
من دمشق المحاصرة بـ”داعش” والعواصف الرملية، تظهر تلك الشخصية المشابهة للمسيح، والتي تحمل اسم “المخلّص” والتي ترجمت على أنها مسيح، فتتلقى تتبعًا أعمى من جمهور المحاصرين في المدينة. هذه الشخصية وفق رؤيتهم هي من حمت دمشق من الأخطار القادمة ومن العاصفة. يتبع المريدون خطى مخلّصهم إلى السياج الفاصل بين سوريا والأراضي المحتلة، ليثار الصخب على حدود إسرائيل، ويتم اعتقال المخلّص، وتبدأ المعجزات فيما بعد بالتجلي، وتبدأ الشخصية بأخذ بعدها الروحي والديني المتعدد، وتدخل المخابرات الأمريكية، ومكاتب التحقيق الإسرائيلي، ويتكاثر المريدون، ويظهر الأعداء الذين يجدون أنه كذاب دجّال، في سيناريو غير شائق بشكل كبير، رغم امتلاكه شخصية وفكرة يمكن على الأقل بناء التشويق عليها.
بناء خيالي بحت، يتكئ على مضامين وقصص دينية توراتية تتعلق بشخصية المخلّص “ماشيح”، التي تلتقي بتفاصيل منها قصص إسلامية ومسيحية، فهذا المخلّص هو دجّال بالنسبة للمسلمين، وظهوره هو من علائم اقتراب الساعة (يوم القيامة)، إلا أن ما ينقصه في منتج “نتفليكس” أن يكون أعور (فاقدًا لإحدى عينيه)، واتباعه هو هلاك وفق المنظور الإسلامي، بل تجب محاربته، والمفارقة أن محاربته الضرورية هي ما تقوم به المخابرات الأمريكية وفق ما يقدّم المسلسل، أو على الأقل الشك فيه وتتبع خطواته والتحقق من شخصيته.
هو الجدل ذاته يتكرر عند تقديم أي محتوى فني يلامس محظورات ما في الموروثات الدينية، خاصة الإسلامية منها، كتجسيد الشخصيات، وتحريف القصص القرآنية، والبناء على النصوص الدينية بطريقة غير مقيدة، كلها محظورات أكثر ما تنتجه اليوم هو انتقاد أي عمل فني أو ثقافي يتجرأ على تلك القيم، وبالتالي الإسهام الكبير في شهرة تلك الأعمال، التي ما كانت لتلقى ربما نسبة بسيطة من المتابعة لولا الجدل المبني كليًا على كونها اخترقت محظورًا، والبعيد كليًا عن رؤية منطقية نقدية لهذا المنتج.
وهنا بالذات، أي في “مسيح”، العمل الممل والضعيف إذا قورن على الأقل بنصف إنتاجات “نتفليكس” الأخرى، مكان جاهز للنقد وتقديم الرؤية بعيدًا عن ثوابت اليمين الديني، وبعيدًا عن قالب المؤامرة ضد الإسلام والمسلمين التي تجب رؤية العمل من خلالها، لنرى فيه النمطية البحتة مثلًا، نمطية أنه عندما بُعث مخلّص للأمة (إسلامية كانت أو مسيحية أو يهودية أو ميكس) فإن أول مواجهة للمخلّص هي مواجهة الخطر الأكبر المتمثل بـ”داعش”، وكأنه مسلسل ممول من منظمة مجتمع مدني انتقلت حديثًا للعمل في الرقة.