حسام الحسون.. وقلبي قلبك
إبراهيم العلوش
بعد وفاة الشاب حسام الحسون في ألمانيا بجلطة قلبية، تنبه المجتمع السوري المهاجر إلى أثر الوحدة والاكتئاب على السوريين وخاصة الشباب منهم، وأُسست مجموعة “قلبي قلبك” على “فيس بوك” من أجل البوح ومد يد المساعدة لمن خنقته العزلة والإحباط، خاصة أن الوفيات المفاجئة كانت تتكرر بتواتر محزن.. لكن المجموعة سرعان ما صارت تنشر تجارب لسوريين تحدوا الانهيار وحكوا عن تجاربهم الصعبة، وهذا جزء من تحولات يخضع لها المجتمع السوري.
مأساة الفتى السوري حسام الحسون الذي دُفن في آيسن الألمانية، في 29 من كانون الثاني الحالي، تحولت خلال أيام إلى محفّز للتعاون وللتفكير بمصير السوريين في المهجر، فحسام الذي شارك بتظاهرات الثورة السلمية، وعمل في مختلف أنشطتها، ونجا من القصف، ومن التعذيب حتى الموت، أجبرته الظروف على عبور البحر والغابات وقطع الحدود للوصول إلى ألمانيا، مثله مثل مئات ألوف السوريين الذين عاشوا هذه المأساة الكبيرة، لكن حسام الفتى الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين يوم وفاته، عانى من الوحدة ومن الاكتئاب، ومن خيبة الأمل في البلاد التي وصل إليها، بالإضافة إلى اكتوائه بأخبار المجازر المتواصلة التي لا تزال تجري في سوريا بأيدي أجهزة النظام ومختلف الدول المحتلة لسوريا اليوم.
ظاهرة الوفاة المفاجئة للشباب السوريين تنامت في الفترة الأخيرة وصارت ظاهرة لافتة للنظر، فالشباب المندفع والمتوتر ليست لديه التجربة النفسية والاجتماعية التي تمكنه من تجاوز الصعوبات مثل السوريين الأكبر سنًا، أو مثل الشباب الذين وصلوا إلى بلاد الغربة مع عائلات متماسكة تخفف عن بعضها ريثما يندمج الشباب في المجتمع الجديد، ويتقن اللغة، ويحلق عاليًا في مسارات مستقبله الذي يحلم به.
بعض من أعضاء المجموعة استنكر عملية بث الشكوى والحديث عن الأوجاع والصعوبات واعتبر ذلك مجرد عجز، ناسيًا أن مجرد الحديث عن الهم يعتبر عملية إعادة استكشاف للحلول الممكنة ولتجاوز العقبات، أما البعض الآخر فتحدث عن تجربته بحلوها وبمرها، وروى لأعضاء المجموعة ما مرّ به من أهوال السفر والعنصرية، وتحدى كل ذلك ليصل أخيرًا إلى مبتغاه الذي تمثل بدخول الجامعة أو دخول العمل والتفاعل الاجتماعي مع سكان البلاد الجديدة وإثبات ذاته وكفاءته رغم كل ما مر عليه من أهوال ومن مصاعب، فالبعض نجا من الموت بأعجوبة، والبعض الآخر لم يجد إلا المقابر ليحتك بالناس ويتعلم منهم اللغة ويدرب نفسه على الحديث الذي لا توفره مدارس تعليم اللغة، والبعض الآخر ابتكر طرقًا للتعامل مع بعض عنصريي المجتمع الأوروبي، وبنى في نفسه القدرة على تجاوز العنصريين والاستخفاف بكراهيتهم واضعًا أهدافه فوق تبادل الأحقاد التي لا تنتهي.
بالإضافة للشباب الذين وصلوا إلى أوروبا ووجدوا صعابًا لم يتوقعوها، وجدت المرأة السورية، مثلًا، نفسها بلا خبرات وبلا قدرة على التفاعل، فالمجتمع التقليدي في سوريا حجب عنها فرص التفاعل الحياتي وتكوين التجارب، بالإضافة إلى أنها وجدت نفسها مسؤولة عن نفسها ولديها مطلق الحرية في اتخاذ القرارات التي تناسبها، وهذا ما وضعها في مأزق كبير وحيرة تنتابها وهي تقف بين ممارسة حريتها وعدم امتلاكها القدرات التي امتلكتها المرأة الأوروبية، فالأخيرة تم تعليمها وبناء شخصيتها على اتخاذ قراراتها الذاتية وتحمل مسؤولية قراراتها بعد دراسة كل النتائج المتوقعة لتلك القرارات.
أطراف أخرى من المشاركين تقدموا ببلاغات إلى المجموعة تستهين بمخاوفهم وشكاويهم أمام ما يحدث في إدلب من قصف ومن تهجير، أو ما يحدث في الداخل السوري من مجاعات وبرد وتمزق اجتماعي، بالإضافة إلى الخوف من الاعتقال ومن القصف، وما تيسر من الأهوال والمفاجآت المرعبة التي صممها النظام للسوريين. ورغم أحقية هذه الاحتجاجات فإنها لا تغير من حقيقة وأد الشباب السوري في القرى الصغيرة في المهاجر بلا لغة وبلا فهم للمجتمع الجديد وبلا قدرة على التعاون مع الآخرين من أجل الخروج من الاكتئاب، أو النجاة من إدمان المخدرات، أو من حالة الانسلاخ التام عن الذات وفقدان الهوية.
كل هذه المشاكل العميقة والمأساوية تطرح على السوريين أفكارًا ومبادئ جديدة للعيش والانطلاق في الحياة، ولم يعد الأمر مقتصرًا على التصنيفات الساذجة، وهي إن كنت مع الثورة فأنت إنسان خيّر وما عليك إلا انتظار يوم الحرية، وإن كنت مع الفصائل المتدينة التي توزع صكوك الغفران والتوبة فستكون سعيدًا في الدنيا وفي الآخرة، أما إن كنت مع النظام الممانع الذي يتصدى للإرهاب فما عليك إلا انتظار أعطيات الإيرانيين والروس، وصار بإمكانك أن تستمتع بحرية المطالبة بإقالة محافظ حمص وليس بشار الأسد، أو المطالبة بمحاسبة تجار الغلاء وليس رامي مخلوف ومشغلي هؤلاء التجار!
السوريون الذين ضحوا بأبنائهم وهم يطالبون بالحرية، والذين خسروا أبناءهم مع النظام وهو يطالبهم بوأد الثورة، والذين لا يزالون في المحرقة ويعيشون في الغلاء والبرد والذل، والذين فروا وعبروا البحار والغابات.. كلهم يتعرضون للموت، وكلهم يعانون من صعوبات لا تتحملها الجبال، ويحتاجون إلى “قلبي وقلبك”.. وكلهم مطالبون بابتكار طرق جديدة للحياة وإطلاق قدراتهم، فموت شبابنا من أول متظاهر سلمي إلى حسام الحسون يجب أن يظل نورًا يضيء لنا هذه الأيام الحالكة السواد، وأن يدفعنا لابتكار الطرق الجديدة والتعاون من أجل فتح الطريق إلى سوريا الجديدة التي نحلم بالعيش فيها جميعًا بحرية وكرامة!
وإلى حينها قلبي قلبك أيها السوري المعذّب أينما كنت!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :