تمر حكومة النظام السوري بظروف حرجة، من خضوعها السياسي لرغبة وتلاعب الدول الأجنبية الحليفة، وتدهورها الاقتصادي المتسارع، وعجزها عن تأمين الخدمات للسكان في أماكن سيطرتها، كل ذلك دفع بعض السياسيين والاقتصاديين لاستخدام مصطلح “الدولة الفاشلة” لوصفها.
التقى برنامج “صدى الشارع“، المذاع عبر راديو “روزنة”، باختصاصيين ومحللين، لتسليط الضوء على واقع الدولة السورية ومستقبلها، ورصد رأي الشارع السوري بأوضاعها الحالية.
خطر “الفشل” في سوريا
يرتبط فشل الدول بوجود خلل في ثلاثة عوامل هي، الجغرافيا، والشعب، والسلطة أو السيادة، حسبما قال دكتور العلوم الدبلوماسية والاستراتيجية، حسان فرج، لـ”صدى الشارع”.
وحين تفقد الدولة سيطرتها على كل تراب البلد، أو جزء منه، وقدرتها على إدارة الأزمة، فإن ذلك يعتبر “انتقاصًا” من سيادتها، حسب فرج، وكذلك إن تم تهجير المواطنين إلى خارج أو داخل الوطن الواحد، فإن ذلك يمثل تهديدًا لها.
تقلصت سيطرة الحكومة السورية على الأرض خلال سنوات النزاع، حتى بلغت نسبة خسارتها نحو 80% نهاية عام 2015، قبل أن تتدخل روسيا لتقلب الموازين لمصلحتها مجددًا، بعد أن دفع قمع النظام الاحتجاجات الشعبية نحو التسليح، واستغلت جماعات “جهادية” الفوضى الحاصلة للتمدد في سوريا.
وتحكمت الدول الحليفة للنظام السوري، من روسيا وإيران، بمقدرات سوريا الاقتصادية، وتولت إدارة المعارك على الأرض، وإقرار مسار الملف السياسي السوري دوليًا.
وتصدرت سوريا منذ عام 2014 قائمة الدول الأكثر تصديرًا للاجئين عالميًا، مع 6.7 مليون لاجئ في 127 دولة حتى نهاية عام 2018، وفق بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبلغت أعداد النازحين داخلها 6.1 مليون شخص.
وحذر دكتور العلوم الدبلوماسية والاستراتيجية من خطورة ذلك التعريف وتطبيقه على الواقع السوري، لأنه “يسحب صفة الشخصية القانونية من الدولة”، ويفضي إلى “تدمير الدولة، ودخول القوى الخارجية، وتقسيم الوطن الواحد”، مشيرًا إلى أن تعريف الدولة “الفاشلة” أتى من قبل المندوبة الأمريكية للأمم المتحدة، فيما يخص الحرب على أفغانستان.
يترافق القرن الواحد والعشرون مع تغيير بالمصطلحات والمفاهيم، ومن ضمنها الدولة واستقلاليتها، ضمن النظام العالمي الجديد، على حد تعبير الدكتور حسان فرج، إذ ستكون هناك تقاسمات وصراعات على الواقع والثروات الدولية، ومنطقة الشرق الأوسط الغنية بالبترول تقع تحت أنظار الروس والأمريكيين والصينيين والدول الأوروبية، وتلك الاهتمامات تعتبر “مصيرية” بالنسبة لسوريا، على حد قوله.
بدوره، أشار الخبير الاقتصادي، الدكتور عبد المنعم حلبي، في حديثه لـ”صدى الشارع”، إلى أن المشكلة الحقيقية في سوريا هي إدارتها لمؤسسات ومقدرات الدولة بشكل يؤدي لتحقيق مصالح لها على حساب مصالح المواطنين، وهذا ليس بالأمر المستجد ما بعد عام 2011، ولكنه مستمر من عشرات السنين، منذ تسلم حافظ الأسد السلطة.
وأضاف حلبي أن مؤشرات الدولة “الفاشلة” موجودة في سوريا، من هجرة اليد العاملة، وتردي الوضع الأمني، وعدم احترام النظام السوري لمعايير الدولة في الشق السياسي، مع ضعف معايير القضاء والعدالة الاجتماعية، إلى جانب حالة نهب مستمرة للجانب الاقتصادي.
واعتبر الخبير الاقتصادي تنافس حليفي النظام السوري، روسيا وإيران، “طبيعيًا” بسبب الموقع الاستراتيجي لسوريا وثرواتها وأهميتها لأمن المنطقة، مشيرًا إلى أن السعي الدولي للسيطرة على سوريا بدأ منذ تأسيسها عام 1923.
لكن التنافس الإيراني- الروسي يبقى “تنافس الشراكة”، حسب وصف الحلبي، إذ إن علاقة البلدين “أكبر من سوريا بكثير”، التي باتت ساحة للتنافس الدولي “عبر السوريين”.
ضغط على النظام بانتظار معارضة “ناضجة”
تخضع الدولة السورية لضغوط متزايدة، أبرزها العقوبات الاقتصادية والأحوال السياسية والاقتصادية في البلاد المجاورة، وملف الحل السياسي الذي تديره الدول الضامنة من خلال “اللجنة الدستورية”.
وفي الجانب السياسي، قال دكتور العلوم الدبلوماسية والاستراتيجية، حسان فرج، إن تركيا وروسيا توزعان الأدوار في ملفي إدلب واللجنة الدستورية، ما بين تطبيق اتفاق “سوتشي”، والقضاء على المنظمات “الإرهابية”، والاستمرار بعمل اللجنة، مشيرًا إلى اللقاء الأخير بين رئيس مكتب الأمن الوطني التابع للنظام السوري، علي مملوك، ورئيس جهاز الاستخبارات التركي، هاكان فيدان، في موسكو، في 13 من كانون الثاني الحالي.
ولكن الأوضاع السياسية “غير السليمة”، حسب وصف فرج، منعت وجود معارضة موحدة تمارس عملها بشكل حقيقي، مضيفًا أن المعارضة الحقيقية يجب أن تكون ممولة من الدولة نفسها، ولكن ما يجري هو تهميش للمعارضة الوطنية ذات الخبرة من قبل الدول ذات المصالح المختلفة.
ولكن الأطراف الداخلة بالعملية السياسية عالقة في جدل لا يضم نقاشًا حقيقيًا، ما يعرقل عمل اللجنة الدستورية، التي اعتبرها دكتور العلوم الدبلوماسية والاستراتيحية “الحل الوحيد كي لا تصبح سوريا دولة فاشلة”.
ويرى الخبير الاقتصادي، الدكتور عبد المنعم حلبي، أن اقتصاد سوريا مرتبط بالاقتصاد اللبناني، الذي يعاني من آثار الاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكومة، وفي حال قررت الولايات المتحدة تطبيق عقوباتها الاقتصادية على سوريا فإنها ستقلص النشاط الحيوي للحركة المالية بين البلدين لمنع التهرب من العقوبات.
وأشار حلبي إلى أنه في حال أرادت أمريكا تطبيق قانون “قيصر”، بكامل أبعاده وحدوده القصوى، فإنها ستذهب لإغلاق المعابر بين سوريا ودول المحيط، والمعابر الداخلية التي تربط بين مناطق السيطرة العسكرية المختلفة.
وسيحدث ذلك الحصار الاقتصادي “زلزالًا كاملًا”، على حد تعبير حلبي، وستكون معدلات التضخم ألفية وليس مئوية لسعر صرف الدولار.
واعتبر حلبي أن الحل الوحيد لإنقاذ سوريا هو أن يبدأ التغيير من دمشق، للانطلاق بمسار اقتصادي وسياسي وقانوني يتجه للحل، الذي “لا يمكن” أن يتم مع بقاء السلطة الحاكمة الآن.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :