حوار: أسامة آغي
مضى على إصدار أول بيان لاجتماعات جنيف، الخاصة بإيقاف القتال في سوريا وحل النزاع، في 30 حزيران من عام 2012، أكثر من سبعة أعوام، ومر على إصدار وليده، القرار 2254 في مجلس الأمن، في 18 من كانون الأول عام 2015، أكثر من أربعة أعوام، ومع ذلك ما زالت الحرب اليوم على أشدها.
المعارضة السورية، التي اعترف بها المجتمع الدولي وساعد على تشكيلتها بصورها الحالية والسابقة (مجلس وطني، ائتلاف وطني، هيئة تفاوض) ما زالت رهن أجندات القوى الدولية المنخرطة في الصراع.
التقت عنب بلدي مع رئيس المجلس الوطني، وعضو الائتلاف الأسبق، جورج صبرا، الذي تحدث عن دور المعارضة والمجتمع الدولي في رسم المشهد السوري اليوم.
أستانة مرحلة “عربدة” روسية
سبق إصدار القرار 2254 من مجلس الأمن، الذي ينص على إيجاد تسوية سياسية للنزاع السوري، بدء التدخل العسكري الروسي المباشر، في أيلول من عام 2015، والذي غير موازين القوى على الأرض، وقاد لسقوط حلب، بينما كانت تجري المفاوضات في جنيف في حال من “العبثية وانعدام الجدوى”، حسبما قال المعارض جورج صبرا.
لم يلتفت الروس للاهتمام بالعملية السياسية لإنهاء النزاع السوري، إلا بعد تمكنهم من القبض على الوقائع العسكرية على الأرض، حسب رأي صبرا، مشيرًا إلى أن ابتداع روسيا مسار “أستانة”، مع استمرارها باستخدام حق النقض (الفيتو)، لتعطيل العملية السياسية الأممية في مجلس الأمن، هدف إلى الاستيلاء على خيوط الحل والتفرد بها، تحقيقًا لأجنداتها السياسية، وطموحاتها في إعادة تأهيل النظام.
وترافقت تلك السياسة الروسية، حسبما قال صبرا، مع انهيارات للفصائل العسكرية على الأرض، تحت يافطة “المصالحات” وأكاذيب “الهدن” و”خفض التصعيد”، التي ترافقت مع أعمال القتل والتدمير والتهجير، ومكنت الروس، ومن ورائهم “بقايا” النظام، من استعادة كثير من المواقع المهمة، وساعدت على تعزيز الدور الإيراني في الشأن السوري.
ويعتقد صبرا أن سبب ذلك هو “عجز” الأمم المتحدة، و”انكفاء” السياسة الأمريكية وترددها، وهو ما يمكن تسميته، حسب قوله “مرحلة العربدة الروسية في الملف السوري”.
أراد الروس لجنة دستورية.. ولكن
حقق الروس ما استطاعوا من وجودهم في سوريا، من السيطرة على النظام ومؤسساته وأطرافه، والاستيلاء على جزء مهم من موارد الدولة السورية، إلا أنهم عجزوا عن “إعادة تأهيل” النظام، وتحقيق الحل السياسي كما يرغبون، حسبما يرى القيادي في حزب “الشعب الديمقراطي”، جورج صبرا.
ووصف صبرا اللجنة الدستورية، التي تدعمها روسيا، بـ”البدعة”، وأحد “مفرزات أستانة وسوتشي”، من عام 2018، معتبرًا أن الروس لم يتمكنوا من الانطلاق بها، رغم الدعم الأممي، مضيفًا أن توفر شروط الحل السياسي “لا يمكن تحقيقها بغير الاستناد إلى بيان (جنيف 1) والقرار الأممي 2254”.
“كلنا أخطأنا كمعارضة”
أخطأت مؤسسات قوى الثورة والمعارضة، حسب تقدير العضو المستقيل من الهيئة السياسية للائتلاف، جورج صبرا، الذي دعا جميع الأفراد والمؤسسات إلى الاعتراف بذلك، مشيرًا إلى غياب الصوت الجامع الحر المعبر عن إرادة الثورة.
ووصف صبرا، “المجلس الوطني”، التجمع المعارض الذي ترأسه عام 2012، بأنه المؤسسة الوطنية “الوحيدة” التي نشأت بإرادة السوريين وقرارهم عام 2011، مضيفًا أن “خطأ” مؤسسات المعارضة هو “غياب” القرار الوطني المستقل في المؤسسات القائمة “التي تراجعت الثقة بها”.
“نريد جهة ذات صوت وطني”
تنتظر سوريا مؤسسة سياسية بإمكانها التعبير عن صوت وطني، غير قابل للتجيير والتعليب، وملتزمة بالتعبير عن إرادة السوريين والعمل على إنقاذ البلاد وتحقيق أهداف الثورة، كما يرى المعارض المستقل، جورج صبرا.
مهمة تلك المؤسسة السياسية، حسب اعتقاد صبرا، هي صون القرار الوطني المستقل، وصوغ علاقات سياسية متوازنة مع الدول في إطار المصالح المشتركة.
وبداية تشكيلها تنطلق من فريق يتكون من أفراد بصفتهم الشخصية، بعيدًا عن أي شكل من أشكال المحاصصة، ويمكن أن يبنى هذا الفريق على شكل كتلة وطنية.
تتولى الكتلة تحديد مرتكزات العمل الوطني، ووضع رؤية وطنية سورية للمهام المرحلية الراهنة، ومهام المرحلة الانتقالية المقبلة، ورسم صورة سوريا المستقبل “بعيدًا عن العقائد والأيديولوجيات، ودون أن يكون لها مآرب آنية للتمثيل والتفاوض والمزاحمة، ودون الوقوع في مطب العداء لأي مجموعة أو مؤسسة سورية أخرى”.
تحولات جديدة.. ما حال النظام؟
سقط النظام الفئوي، ونظام الحزب القائد والجبهة التقدمية، ونظام الدولة الأمنية التسلطية، حسب اعتقاد جورج صبرا، الناشط الشيوعي القديم في سوريا، الذي وصف العودة لما قبل آذار عام 2011 بـالـ”وهم”.
ويرى صبرا أن عملية إنتاج النظام التي يحاول الروس العمل عليها “عصية”، وأن طريقة تعامل الروس مع النظام ورئيسه “مهينة”، مشيرًا إلى ما يمثله تنفيذ قانون العقوبات الأمريكي “قيصر” جديًا من خطورة على النظام، وتهديد بانهياره.
وأضاف صبرا أن المؤشرات تدل على تحولات إقليمية، تشير إليها الموجة الجديدة من الربيع العربي وخاصة في لبنان والعراق، مع ما تبديه الأوضاع الداخلية من “ضرورة التغيير”.
تقلصت البيئة الحاضنة للنظام والمدافعة عنه “إلى أدنى حد”، حسب تعبير صبرا، وبعدما طال الخراب وتسلطت العصابة الحاكمة على الجميع، واستنفد الروس جهودهم في تحقيق ما يستطيعون من منافع وأهداف، وفشلوا في استقدام مشاركين في إعادة الإعمار، أصبح مستقبل النظام جليًا أمام القاصي والداني.
نشط المعارض السوري جورج صبرا، البالغ من العمر 72 عامًا، بالعمل السياسي منذ عام 1970، منضمًا إلى الحزب الشيوعي خلال دراسته في قسم الجغرافيا بجامعة دمشق، وتدرج فيه بعد حصوله على شهادة أنظمة التكنولوجيا التعليمية من جامعة إنديانا الأمريكية، ليصبح عضوًا في اللجنة المركزية عام 1985.
تعرض للاعتقال والسجن في الثمانينيات، مدة ثماني سنوات، وتابع، بعد إطلاق سراحه، عمله السياسي عام 2000 مشاركًا في تحالف “التجمع الوطني الديمقراطي”، ثم في “إعلان دمشق” اليساري عام 2005، وسجن مجددًا بعد المشاركة باحتجاجات عام 2011، قبل مغادرته سوريا عام 2012.
–