شاحنات على الطرقات الواصلة بين القرى والبلدات في شمال غربي سوريا، تحمل عشرات الحقائب والأغطية والأغراض الشخصية ومؤنًا غذائية، لمواطنين بات همهم الأول معرفة المحطة التالية لنزوحهم المستمر منذ سنوات.
هاربين من القصف وأصوات الطيران، يتحرك سوريون بحثًا عن النجاة إلى مكان مؤقت جديد، بانتظار حل ينهي مأساتهم في وطنهم، على طرقات حفظوها كأسمائهم، مصطحبين أولادهم إلى مجهول آخر، دون أي ضوء في آخر النفق.
في نطاق جغرافي ضيق
أحمد المصري نازح من ريف إدلب الجنوبي، نزح ثانية بفعل القصف والعمليات العسكرية، بعد شهر ونصف من نزوحه الأول.
يقف أحمد المصري في قرية خان السبل في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، ولا يعرف إلى أين سيذهب هذه المرة، بحسب ما قاله لمراسل عنب بلدي.
حكاية أحمد الذي يزيد عمره عن خمسين عامًا، تشابه حكايات مئات السوريين الباحثين عن النجاة، وتشبه حكاية إبراهيم منصور، وهو أب لخمسة أطفال، نزح حلب باتجاه بلدة خان العسل في ريف حلب الغربي، ومنها إلى ريف إدلب الجنوبي.
وقال أحمد المصري لمراسل عنب بلدي، إنه نزح من شدة القصف وراجمات الصواريخ، ولا يعرف أين ستكون محطته التالية في رحلة نزوحه الطويلة، كما لا يستطيع الإجابة على جميع الأسئلة التي تحملها نظرات أولاده إليه.
وتتعرض أرياف إدلب الشرقية والجنوبية وحلب الغربي لتصعيد واسع من قوات النظام والقوات الروسية، منذ 19 من كانون الأول 2019، عبر حملة عسكرية برية أسفرت عن السيطرة على عشرات القرى والنقاط، في حين وثق فريق “منسقو استجابة سوريا”، نزوح أكثر من 100 ألف مدني، وفق بيان لفريق “منسقو الاستجابة” نشره اليوم، الأحد 26 من كانون الثاني.
وبحسب الإحصائية ذاتها، فقد أكثر من 90 مدنيًا حياتهم، جراء التصعيد العسكري الأخير، من بينهم 34 طفلًا، وأصيب نحو 200 شخص آخرين.
ويتحرك النازحون عمومًا إلى المناطق الحدودية مع تركيا في شمالي محافظتي إدلب وحلب، فيما وصل بعضهم إلى مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا.
وقالت وكالة “هاوار” التابعة لـ “الإدارة الذاتية” في 23 من كانون الثاني، إن 25 عائلة من النازحين وصلت إلى مدينة منبج شمال شرقي حلب.
نازحون من مختلف المناطق
لا ينحدر النازحون من المحافظات والمناطق المستهدفة فقط، فأبو حمزة الحمصي نازح من حمص قال لعنب بلدي إنه نزح بداية من مدينته باتجاه خان العسل بريف حلب، ومنها إلى منطقة جمعية الكهرباء التي تبعد كيلومترين عن خان العسل، قبل أن يتنقل مجددًا بين عدة مناطق، هربًا من القصف، حاملًا معه ثيابه ولا شيء آخر.
قال أبو حمزة لمراسل عنب بلدي، وهو يضع ما استطاع حمله في سيارة النقل الصغيرة، إنه لا يعرف إلى أين سينزح، مرجحًا الذهاب إلى عفرين في ريف حلب الشمالي هذه المرة “كملاذ أخير”، مشيرًا إلى أن عشرات مثله نزحوا من المنطقة ذاتها بفعل القصف الجوي.
حكاية أبو حمزة الحمصي تشبه تمامًا حكاية عبد الرزاق رحال، من قرية معرة شمارين، يبلغ عدد أفراد أسرته المكونة منه وأولاده وزوجاتهم وأحفاده 19 شخصًا، وكان قد نزح في وقت سابق من قريته باتجاه خان العسل.
يشير عبد الرزاق إلى أن الأمور كانت مستقرة حتى وقت قريب، مع المسافة الفاصلة بينهم وبين قوات النظام والتي تبلغ كيلومترين، لكنه اضطر للبحث عن مكان جديد يقيه شر العمليات العسكرية، خاصة مع اعتقاده أن الأوضاع الميدانية تتجه نحو الأسوأ.
وسيطرت قوات النظام السوري أمس، السبت، على بلدتي معر شمارين والدير الشرقي التابعتين لمدينة معرة النعمان جنوب شرقي محافظة إدلب، بعد اشتباكات مع الفصائل المقاتلة هناك، وصارت قواته على بعد بضعة كيلومترات عن معرة النعمان.
وكان المتحدث باسم “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” (أوتشا)، دايفيد سوانسون، قال في بيان له الجمعة، 24 من كانون الثاني، إنه “في الفترة الواقعة بين 15 و19 من كانون الثاني الحالي، نزح ما يزيد على 38 ألف شخص، خاصة من غربي حلب، باتجاه مناطق أخرى ضمن المحافظة أو باتجاه إدلب”.
فكان النزوح المتكرر هو السمة التي ميزت العام الجديد، ونهاية العام الماضي إلى جانب قتل المدنيين، إذ وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل ثلاثة آلاف و364 مدنيًا، ضمن تقريرها السنوي الخاص بعام 2019، الذي رصدت فيه “أبرز انتهاكات حقوق الإنسان” على يد أطراف النزاع الرئيسة الفاعلة في سوريا العام الماضي.