عنب بلدي – درعا
حصر النظام السوري، خلال سنوات سيطرة فصائل المعارضة على محافظة درعا، المحاكم ودوائر الدولة في نطاق سيطرته الجغرافية، الأمر الذي حرم المواطنين من تسجيل زواجهم لدى المحاكم الشرعية، وأولادهم لدى السجلات المدنية، وخلف كثيرًا من حالات “مكتومي القيد”.
تعدد الأزواج ورفض إسقاط المتوفين
بعد التسوية التي انتهت بسيطرة النظام على درعا، في تموز عام 2018، ظهرت مشاكل كثيرة تتعلق بالأحوال الشخصية وتسجيل الزواج والأولاد في دوائر السجلات المدنية بالمحافظة.
وشهدت دوائر الأحوال المدنية في محافظة درعا إقبالًا من الأهالي الذين مضت سنوات عديدة، دون تسوية أحوالهم الشخصية.
ومن بين الإشكاليات الحاصلة، مسألة تعدد الأزواج دون قيود رسمية في المحكمة الشرعية.
“أم أحمد” سيدة من درعا، قالت لعنب بلدي، إنها تزوجت من رجل وأنجبت منه ثلاثة أطفال، وقُتل زوجها جراء قصف النظام على إحدى المناطق التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة في ريف درعا، وبعد عام من وفاته، تزوجت برجل آخر وأنجبت منه طفلين.
تواجه السيدة الآن مشكلة في إثبات نسب أولادها، خاصة أن المدارس الحكومية تتطلب أن يكون الطفل مسجلًا في دائرة النفوس المدنية، مشيرة إلى وجود كثير من الحالات المشابهة لحالتها.
وأضافت أن المعضلة تكون في إسقاط الزوج المتوفى، الذي ما زال مقيدًا في سجلات الدولة على أنه حيّ، وأن إسقاطه يتطلب إجراءات طويلة (شهادة مختار، تقرير من مشفى حكومي يثبت الوفاة، ضبط من الأمن الجنائي) بينما ترفض الأجهزة الأمنية إسقاط الزوج المتوفى في حال كان مسجلًا ضمن ما تسميه حكومة النظام السوري “التنظيمات المسلحة”.
وأشارت “أم أحمد” إلى أن جميع الإجراءات الواجب اتباعها تتطلب رفع دعوى قضائية وتوكيل محامٍ، ما يترتب على ذلك تكلفة مادية “باهظة” لا تستطيع تأمينها.
“أبو وليد” من ريف درعا، قال لعنب بلدي، “فقدت اثنين من أولادي ولم أتمكن من إسقاطهم من السجلات المدنية، لعدم موافقة الأجهزة الأمنية، بحجة انتمائهم لما تسميه حكومة النظام التنظيمات المسلحة”.
وأضاف أنه بحاجة لمتابعة إجراءات تسجيل أحفاده الذين ما زالوا “مكتومي القيد”، وتفاقمت المسألة بعد أن أصبحوا في سن الدراسة، الأمر الذي يتطلب وجود أوراق ثبوتيه كشرط لتسجيلهم في المدارس الحكومية، مشيرا إلى وجود كثير من الحالات المشابهة في حوض اليرموك الذي كان يسيطر عليه تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ماذا يقول القانون؟
حول موضوع تثبيت النسب قال محامٍ، تحفظ على ذكر اسمه، لعنب بلدي، إن هذه الظاهرة متعددة ومتراكمة خلال السنوات الماضية.
وأوضح أنه من الناحية القانونية، على الزوجة رفع دعوى “إثبات نسب وبنوة” على زوجها الأول، ومن ثم إسقاط الزوج من السجلات، ليتم تسجيل الأولاد وإثبات نسبهم للأب المتوفى، ثم تسجيل زواجها من الزوج الثاني، مع دفع الغرامات المترتبة على تأخير التسجيل بالنسبة لجميع الأطفال.
وجرت الأعراف قبل استعادة حكومة النظام السوري السيطرة على كامل المحافظة، اتباع تثبيت الزواج بالكتاب الشرعي دون التسجيل في سجلات الدولة، خوفًا من الاعتقال في أثناء مراجعة تلك الدوائر.
موظف في دائرة نفوس درعا، تحفظ على ذكر اسمه، قال لعنب بلدي، إن دوائر السجلات المدنية شهدت بعد التسوية “طوابير طويلة” من الناس لتسوية أحوالهم الشخصية، بينما لم تعترف دوائر الدولة على سجلات الأحوال المدنية التي كانت تشرف عليها المعارضة، ولكنها في الوقت نفسه استفادت من دفع الرسوم والمخالفات التي رفدت خزينة الدولة.
وأضاف أن المُراجع يحتاج لأيام حتى يحصل على الثبوتيات اللازمة، ما يتسبب بإرهاق المراجعين والموظفين الذين لا يستطيعون تلبية جميع المراجعين لكثرة الأعداد، على عكس السنوات الماضية التي كانت تشهد حركة بطيئة وقلة في أعداد المراجعين.
يقول أنس محمد من سكان ريف درعا، إنه ثبّت زواجه في المحكمة بعد التسوية، واستصدر دفتر عائلة وسجّل أبناءه بعد دفع الرسوم المترتبة والطوابع، وذلك بسبب حاجة أولاده للثبوتيات اللازمة، ومن أجل أن يتمكن من الحصول على “البطاقة الذكية” التي حصرت الحكومة تسليم الغاز والمحروقات فقط بحامليها .
وفي كانون الثاني الحالي أطلق مجلس مدينة درعا العمل التجريبي لمركز “خدمة المواطن” بهدف تقديم خدمات السجل المدني، ولتخفيف الضغط على دائرة النفوس العاملة في المحافظة.
وقالت رئيسة المركز، إيناس القاسم، لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إن العمل في المركز بدأ بشكل تجريبي لتقديم خدمات السجل المدني، مشيرة إلى أن بقية الخدمات سيتم تقديمها فور تجهيز الربط الإلكتروني مع بقية الوزارات.